يعُول عبده قاسم 7 أبناء وأمهم.. نازح بقدم واحدة وأخرى "سرقها الحوثي"

  • تعز، الساحل الغربي، حسين الفضلي:
  • 03:17 2021/06/25

"عودتي بقدم واحدة كانت أشد ألما من اللغم نفسه، كنت أفكر في العيش في جلب القوت، كنت أرى الحياة مستحيلة."
 
بقدم واحدة، وأخرى سرقها لغم أرضي من الساق، يجلس "عبده قاسم" (35 عاماً) على كرسي الإعاقة وسط مخيم نازحي الكدحة بالبركاني (جنوب غرب تعز)، وأمامه إناء آيسكريم كمصدر قوت يومي له ولأطفاله السبعة.
 
يرتقب كل صباح بملامحه المتعبة خروج أطفال المخيم ليبيع لهم الآيسكريم، فيعود وفي جيبه ريالات، ونصف ابتسامة، وكلها لا تكفي لشراء أدنى مقومات العيش له ولأفراد أسرته (أطفاله السبعة وأمهم) الذين ركلتهم الحرب إلى جوار مئات الأسر في المخيم.
 
 
بصوت يخنقه البكاء يقول عبده قاسم ل "الساحل الغربي": "أثناء سيطرة الحوثيين على الكدحة نزحنا إلى المخيمات، وفي عام 2017 هدأت الاشتباكات في قرانا، قررنا نذهب لزيارة بيوتنا وأخذ حاجاتنا التي تركناها أثناء هروبنا، وقبل الوصول إلى المنزل انفجر لغم تحت رجلي اليمنى في المنطقة التي تسيطر عليها جماعة الحوثي ولم أشعر بالوعي إلا بالمستشفى".
 
تحصد ألغام الحوثي أرواح وحياة وأعضاء وحياة المدنيين بلا هوادة
تحصد ألغام الحوثي أرواح وحياة وأعضاء وحياة المدنيين بلا هوادة
 
يواصل قاسم سرد قصته والدموع تتماوج من عينيه كواحد من بين آلاف المصابين باليمن يقول، إنه فقد الوعي عندما انفجر به اللغم وأخذه جيرانه الذين كانوا معه في طريق العودة لجلب بقية مقتنياتهم والذي صدهم عنها ذلك اللغم الذي بعثر ساقه إلى أشلاء فعادوا به إلى مستشفى الجمهوري بالمدينة ومن ثم نقل إلى مستشفى الثورة، بعدها جرت له عملية البتر بمستشفى التعاون وسط مدينة تعز على نفقة الهلال الأحمر الإماراتي.
تعد محافظة تعز من أكثر المحافظات اليمنية ازدحاما سكانيا وهي الأكثر تضرراً بالحرب ولا سيما بالألغام التي لا تزال تحصد أرواح المواطنين فيها وأجزاء من أجسادهم وخصوصا في المناطق الواقعة غرب المدينة والتي تمتلئ بحقول الألغام ويتعرض أبناؤها للإصابات بشكل مستمر.
 
العودة بقدم واحدة
 
 
بعد إجراء العملية في مستشفى التعاون بقي عبده قاسم أسبوعين هناك كفترة للتعافي والشفاء وبعدها عاد إلى المخيم حيث أسرته بقدم واحدة عاجزا عن المشي أو العمل كي يعيل أسرته.
 
يتابع حديثه وقد فرت دمعة على خده المرهق: "عودتي بقدم واحدة كانت أشد ألما من اللغم نفسه، كنت أفكر في العيش في جلب القوت، كنت أرى الحياة مستحيلة، حتى تكفل أحدهم بقدم صناعية تم تركيبها في مستشفى الثورة بتعز لكنها لم تكن على مقاسي كنت أشعر بألم منها ولم تستمر معي سوى شهر واحد". 
 
 
بعد شهر من تركيب القدم الصناعي أدرك عبده قاسم، أن تلك القدم غير مناسبة، وعاد لمستشفى الثورة للمعاينة والتدريب، أقنعه الدكتور أن القدم ليست على مقاسه وأنه بحاجة إلى قدم أخرى أقصر قليلا من السابقة لكنه لم يحصل عليها إلى اليوم.
 
تحدى الإعاقة من أجل الحياة
 
لم يكن اللغم وحده الذي يقاسي عبده قاسم الحياة من أجله فقط، ولكن إصابته بانزلاق غضروفي هو الذي زاد من معاناته ومنعه من المشي أو الوقوف على قدم واحدة، كذلك تعطل إحدى كليتيه عن عملها جعله أيضا يعاني الكثير الكثير من المآسي والآلام.
 
يتابع حديثه: أصبت مؤخرا بانزلاق في العمود الفقري وعجزت عن المشي بالعصا أو الوقوف لذلك عدت للعربية (كرسي متحرك) وانتقل من خلاله للبحث عن العلاج أو لتوفير الرزق.
 
 
فقد قاسم قدمه وهو من ذوي الدخل اليومي لا يوجد لديه أي بديل للعيش، لكنه لم يستسلم للمآسي التي تعصف به شيئا فشيئاً، وبدأ في بيع الآيسكريم لأطفال المخيم من أجل توفير قوت الحياة اليومي، بالرغم من عجزه عن المشي فيساعده أحد أبنائه بدفع الكرسي لينتقل من مكان إلى آخر داخل المخيم.
 
الكثير من سكان الكدحة فقدوا حياتهم جراء الألغام التي تزرعها جماعة الحوثي، وآخرون فقدوا أجزاء من أجسادهم، حتى أصبحت قراهم الملغمة هاجسا مفزعا يؤرق حياتهم داخل مخيمات النزوح المتعددة، 
 
وأفاد المرصد اليمني للألغام (مستقل)، في إحصائية نشرها منتصف شهر مارس لهذا العام، أن الألغام التي زرعتها ميليشيا الحوثي في محافظة تعز، جنوبي غرب البلاد، تسببت بمقتل وإصابة 3263 مدنيا منذ 2015، وحتى مطلع مارس 2021.
 
ونقل المرصد عن مدير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في محافظة تعز، العقيد عارف القحطاني، قوله إن "عدد القتلى المدنيين الذين تم توثيقهم 942 قتيلاً: 223 من الأطفال و217 من النساء و502 من الرجال"، كما تم توثيق إصابة 2321 شخصا، هم: 406 من الأطفال و365 من النساء و1550من الرجال.

ذات صلة