"أرملة وصنعاء".. مِسمَاران في كبد الوطن

01:43 2021/04/17

كنت في طريق عودتي من سوق عنس بعد شراء حصتي المعتادة من القات، توقفت لحظات في حراج الصافية كنت أعتزم شراء بعض احتياجات المنزل، وإذا بي أرى امرأة في منتصف العمر تحمل أسطوانة غاز على رأسها وإلى جوارها طفلان وفتاة في الخامسة عشر من عمرها تقريباً بينما كانت الأم واقفة في الحراج تريد بيع أسطوانة الغاز تبحث عمن يدفع لها قيمتها دون بخس أتى رجل ودفع قيمتها 14000 ريال، لكنها رفضت وقالت انا اشتريتها بـ 19000 ريال وإنما أبيعها اضطرارا من أجل إيجار صاحب البيت، ثم أتى آخر ودفع لها 16000 ريال وكادت أن تبيعها، وفي نفس الوقت كانت المرأة حزينة على بيعها فشهر رمضان يتطلب إعداد وجبتي الإفطار والسحور وأنى لها ذلك؟ فالحاجة وحق الإيجار تَدفعانِها لبيع الأسطوانة التي لا تملك غيرها، كما تقول. 
 
وفي هذه الأثناء كان ثمة رجل يجلس قريبا من المكان، وكان قد استمع للحوار الذي دار بينها وبين المشتري الأول والثاني وإذا به يقترب منها وسألها بكم دبة الغاز يا أمي؟ وكان سؤاله بكل أدب واحترام يعكسان إنسانية الرجل، فأجابته المرأة: بعشرين ألف يا ولدي عليّ إيجار البيت وصاحب البيت أعطاني إنذار يومين كي أدفع إيجاره وإلا أخرج من البيت وأنا أرملة وأم أيتام وليس لنا أحد إلا الله، وماذا تفعل أرملة في هذا الزمن الصعب؟ قال، يا أمي الأسطوانة هذه أصلي وقيمتها أكثر مما تقولين فلا تفرطي فيها. قالت ولكن ماذا أعمل يا ابني؟ وبأدب جم قال لها: انا أشتري منك الأسطوانة بقيمتها الحقيقية يا أمي وأخرج مائة ألف ريال وأعطاها إياها أمام ذهول الحاضرين وقال هذه قيمة الدبة الغاز. بكت المرأة من الموقف، فقام بإخراج مناديل فاين مسح دمعها وقال يا أمي مالك تبكي هذه قيمة حقك الأسطوانة بس قالت يا ابني فرجت همي الله يفرج همك قال الرجل لا لا هذه قيمة الأسطوانة فقط، ولي منك طلب، قالت ما هو يا أبني؟ قال ممكن تخلي هذه الأسطوانة عندك أمانة حتى أرجع من الغربة أنا مغترب ومسافر غدا. قالت له لكنك لا تعرفني وكذلك أنا لا أعرفك فكيف ترجع لها بعد عودتك من الغربة. قال لها هل أجد عندك رقم جوال صاحب البيت وعندما أعود من الغربة سأتصل به وأطلب منه أن يخبرك برجوعي من بلاد الغربة أعطته المرأة ورقة مكتوبا فيها رقم صاحب المنزل وللتو اتصل به الشاب وقال له أرسل اسمك كاملا حتى أحول لك إيجار خالتي أم فلان كم عندها. قال عندها حق شهرين 50000 ريال. قال له سأحول لك حق ستة أشهر الآن وأعطي خالتي سند الحوالة فرحت الأم وبكت وانهارت المرأة في الشارع أمام مرأى ومسمع الجميع ولم نعلم حينها هل انهارت من شدة الفرح أم من مهانة الحاجة وشدة الجوع؟
 
اهتم الجميع لأمر المرأة بينما اجتاز الشاب الشارع، غاب في محل للصرافة، ثم عاد وفي يده إيصال بتحويل مبلغ الإيجار اقترب من المرأة ودس في جيبها مبلغا آخر من فئة ألف ريال ثم قال لها يا أماه من اليوم وصاعدا لن تكوني وحيدة فقد صرت أحد أبنائك ولن تحتاجي لأحد في هذه المدينة التي لم تعد حميمية كما كانت. ودعها وضاعَ في أزقة صنعاء.