عبدالسلام القيسي يلخص خطة الحوثي: "طوق تعز الشمالي" من الحيمة والهشمة إلى شرعب والعدين

  • الساحل الغربي، كتب: عبدالسلام القيسي
  • 10:17 2021/01/21

الهيكلة قبل الرحيل 
 
بالنسبة لمليشيات الحوثي هي تعلم علم اليقين أنها ستذهب من مدن مثل تعز وإب سواءً عبر الحرب أو السلام، فلن تبقى بهذه المناطق البتة، وإن استطاعت أن تخطف لنفسها دوراً قادماً فهذا الدور الذي تسعى إليه سيكون في شمال الشمال حيث الامتداد الزيدي وكرسي حكمهم. 
 
تسوم هذه المناطق بالعنف والرعب فهي تدرك، أكثر ما ندرك نحن، أن الرضوخ الحالي حالة عابرة وهيأته الظروف والتناقضات، ومهما حدث فلن تستطيع هيكلة قناعات الشعب وقد تعلموا من درس الإمامة المتوكلية التي حكمت اليمن بل جعل الإمام أحمد من مدينة تعز عاصمته؛ كي يمد الذهنية الشيعية، ولكن فشل ظنه وثارت عليه تعز، وهو الذي كان قد خاف وتخيل أن الثورة ستكون من الشمال، قبائل الشمال فقط، أما تعز لا تغني. 
 
سقط الكهنوت في القرن الأول، وعادت تعز ومحافظة إب إلى أصولها ومذاهبها وكذلك في الحديدة، وكأن الكهنوت لم يمد حكمه عليهن وكأن مئات السنوات لم تمر منهن كما حدث في مصر مع الدولة الفاطمية الشيعية والتي حكمت مصر بل وهي من شيدت القاهرة، ولكن المتمعن بمصر التي حافظت على جذورها لا يكاد يعي أن الحاكم بأمر الله الفاطمي كان حاكماً في مصر ولمصر ولكن تلاشت مذاهبه.
 
والآن، حسب روزنامة الحوثي، الذي كسب بعض البيوت والعائلات والذين لم يكن لهم في السابق أي دور يُذكر، وأصبحوا يد المليشيات وعصاها في المنطقة وكهنوتيين أكثر من الكهنوت نفسه، يريد الحوثي أن يهديهم هدية الوداع بهيكلة النسيج الاجتماعي قبل المغادرة لصالحهم، بحيث يغادر الحوثي كجماعة لتبقى العائلات تلك هي رأس المجتمع حسب مزاجه.
 
ضربة الحوثي في الحيمة ليست عارضة وتداعيات للمعركة الممتدة عبر كل الجبهات، بل تهيئة البساط في الحيمة ذات المكان والموقع المهيمن وتأسيس طوق تعز من الموالين له، ففي الحيمة ثمة عائلات من الهواشم ومنهم بيت الكدهي وبيت المتوكل الذين غيروا طيلة الجمهورية اسمهم ببني عباس وهم كانوا حكاماً في عهد الأئمة، والآن يريد الحوثي جعلهم القوة العليا في البلاد بطحن القبائل اليمنية التي تحكم الحيمة. 
 
لننتقل من الحيمة إلى عزلة الجعدي.. عزلة الجعدي تتبع التعزية ومحاذية لمخلاف، ففي الجعدي ثمة أسرة منذ العقود الأولى ورأسهم السيد عبدالباري، وقد مات قبل سنتين وهو عاشر الأولين والآخرين، وللحقيقة كان شخصاً نبيلاً ويحبه الجميع ويقدرونه، وكل المشايخ من التعزية وشرعب لديهم صلات به، واسمه معروف ويخلو من عقدة العلو والسلالية..
 
الجديد في الأمر أن سادة الجعدي لقبهم الحوثي، رغم عدم معرفة ذلك من قبل ظهور الحوثية، ولما علمت بذلك قبل سنوات عدت إلى أحد جدودي مستغرباً، فقال لي إننا نعلم من زمان، ولكن الجميع تناسى هذه الصفة.. وأخبرني عن قيم وخلق واحترام عبدالباري. وفعلاً، حتى أنا كنت أحترمه لعلاقته الكبيرة بعائلتي كعلاقة اجتماعية قائمة على الود، وكان السيد عبدالباري يأتي من الجعدي إلى مخلاف أسفل عندما كنت صغيراً ليزور جدتي "الشيخة جمالة" التي كانت تكرمه كل الكرم وتحتفي به لعلاقته الكبيرة مع جدي الشيخ سعيد بن سعيد شهيد المحراب.
 
تحوث عبدالباري وأولاده، ولكن في المخلاف هناك عائلات صوفية فقط ولا وجود للهواشم، لكنهم عاشوا طيلة الوقت يشعرون بالنقص أمام المشايخ، فأتى الحوثي ومنحهم السطوة وكذلك عزلة (الهشمة) التي تتبع التعزية وهي السور لمدينة تعز من المنفذ الشمالي مدخل المدينة والفاصلة بين مخلاف والمدينة يتلقبون بالهشيمي نسبة إلى بلدتهم وهي غنية بالأراضي بحكم مدنيتها، وكانت عرضة لكل أنواع التهبشات من مخلاف وسواها، فأتى الحوثي واستمالهم وكونوا حزاماً نارياً يطوق تعز، وأكثر من ضحى مع الحوثي، فكل عزلة الهشمة معه وغيروا لقبهم من الهشيمي إلى الهاشمي لمنح أنفسهم جلالة الانتماء للسلالة.
 
كل الذي ذكرته مسبقاً هو في طوق مدينة محاصرة اسمها تعز، وما يفعله الآن الحوثي هو هيكلة القبيلة وقتل رجالاتها وإهانة كل شيوخها وإن بقوا حتى فسيلحقهم العار من جراء الذي حدث لهم مسبقاً وسوف يسقطون بعين المجتمع وسترجح كفة المشيخ لصالح العائلات الحوثية التي ستكون كما يطمح الحوثي عصاه في تعز ويستطيع عبرهن كلما أراد الضغط أو إيصال رسالة إقلاق المدينة. 
 
هذه هي خطة الحوثي المحكمة في قبائل شمال تعز، وإن تحوثوا كل التحوث فهو يريد أن يحل الهواشم والصوفة محلهم من الحيمة إلى الهشمة والمخلاف والجعدي وإلى شرعب والعدين، وسوف يهبهم السلاح الكافي للوقوف ضد أي انتقام من المقهورين بعد ذهاب هذه المليشيات وسيفكك نسيج المجتمع ويمزقه.

ذات صلة