اعتاد المارة رؤية الثلاثينية أروى أمام ذلك المنزل المتهالك، تحت الشمس وفي وجه الغبار تجلس طوال الأسبوع على كرسي متحرك ويدها ممدودة بخجل تستجدي عطاياهم، وهو مشهد بات مكرراً في مدينة تعز منذ هجمت عليها أرتال مليشيات الحوثي قبل ست سنوات.

 

هيئتها المؤلمة تلك ونظرتها المنكسرة، تكشف عن جانب ضئيل فقط من المعاناه التي تسببت بها المليشيات لأروى نفسها وأسرة مكونة من ستة أفراد، أربع بنات ووالدَين، وما تحصل عليه من تكفف المارة، مهما كان حجمه، بالكاد يؤمن الطعام لهم، أما إيجار المنزل وتكاليف العلاج وباقي متطلبات الحياة فمعارك أخرى مفتوحة على الأسرة أن تخوضها لتنجو.

 

+ بالفيديو.. مقيدة دون قيود: "جميلة".. ضحية لحرب الحوثي القبيحة

 

كانت أسرة أروى ناجي قائد تقطن في حي التشريفات التابع لمديرية صالة شرق مدينة تعز، قبل أن يجتاح الحوثيون الحي ويجلبوا معهم الموت والخراب.

 

البنايات والأزقة الضيقة تحولت إلى كمائن ملغومة تتصيد سيقان المواطنين وأرواحهم، والسماء هي الأخرى باتت تمطر بقذائف الهاون الحوثية، العديد من المنازل هناك غدت أثراً بعد عين، ومنزل أسرة أروى ليس استثناءً منها.

 

كالآخرين غادرت أروى حي التشريفات برفقة زوجها وبناتها الأربع، جميع السكان كانوا يفرّون من بطش المليشيات إلى اللاّ وجهة، ومع أن قصص هؤلاء متماثلة في تفاصيلها، إلا أن أروى حين غادرت المكان غادرت محمولة على الأكتاف، إذ كانت لا تقوى على المشي بعد أن تعرضت لشظية مقذوف حوثي أدى إلى خلع مفصل الورك وأعاق حركتها إلى الآن.

 

+ «هند» نزحت من «الشقب» إلى باب موسى: حينما عدت لجلب الذرة مزق لغم حوثي قدمي

 

هامت الأسرة في وجه المدينة بحثاً عن مسكن، ومع أنهم حصلوا على منزل في أطراف المدينة، إلا أن المالك طالبهم بإخلائه بعد أشهر قليلة نظراً لعجزهم عن الدفع، ليبدأ معهم فصل جديد من التشرد.

 

انتهى الحال بالأسرة إلى العيش في منزل متداعٍ غير صالح للسكن، جدرانه مطلية بالطين وسقفه مغلق بأخشاب متآكلة تتناثر من بينها الأتربة على رؤسهم، حتى إن غيمة من الغبار تتشكل في الداخل وتكاد تمنعهم عن التنفس.

 

تصف أروى لـ"الساحل الغربي" واقع الأسرة، ونبرة حزن تطغى على صوتها، «تنام بناتي على قطع من البلاستيك، لا نملك بطانيات، ولا أجد ما أغطيهم به سوى طربال ممزق، وهذا لا يقيهم برد الشتاء القارس ولا يحميهم من الرياح».

 

+ الطفل دين ناصر: فقدت ذراعي بقذيفة حوثية قتلت "حماس" و"إسلام"

 

المنزل ذاك لم يحرم بنات أروى من الدفء فحسب، بل ومن حقهم في التعليم إذ يقع على مسافة بعيدة من أقرب مدرسة.

 

وأروى ليست الوحيدة في العائلة بحاجة ماسة إلى السفر للعلاج، طلفتها آية أيضاً أصيبت بالصفار الكبدي نظراً للفزع الذي تعرضت له مع كثافة القصف المدفعي الحوثي على حي التشريفات، حيث كانوا يقطنون، ومع ذلك فشظف العيش يحرمهما معاً من الحصول على العلاج.

 

تضيف الأم: «عجزتُ عن توفير مكان للعيش فكيف أستطيع توفير تكاليف عمليات العلاج باهظة الثمن».

  

ليس أمام أروى الآن سوى المكوث أمام المنزل على الكرسي المتحرك في انتظار إحسان المارّة، لقد أصبح هذا الفعل المرهق مصدراً للدخل بعدما خسر زوجها العمل، وبالرغم من كل ذلك ما زالت تحلُم بأن يتوفر لها كرسي تماتيكي وأن تعود للعيش في منزلها السابق بأمان وسلام، منزلها الذي أحالته مليشيات الموت إلى ركام.