بالفيديو.. مقيدة دون قيود: "جميلة".. ضحية لحرب الحوثي القبيحة

  • تعز، الساحل الغربي، عبدالصمد القاضي وعبدالمالك محمد:
  • 03:08 2020/12/23

بذراعين ضعيفين تدفع جميلة مهيوب قاسم (50 عاماً) كرسيها المتحرك. لم يعد أمامها سوى الطريقة المضنية هذه للتنقّل كل يوم بين منزلها ودكانها القريب، وهي التي لطالما قصدت الجبال والمنحدرات البعيدة لترعى المواشي وتجلب الحطب، قبل أن تأتي مليشيات الحوثي وتزرع الطرقات والمراعي بألغام الموت.
 
جميلة، واحدة من نساء مدينة تعز الجسورات، اعتادت بالمال، الذي تكسبه من تربية وبيع المواشي، أن تشارك زوجها المُسن في تأمين حياة كريمة للأسرة المكونة من ولدين وأربع بنات، ومنذ فقدت ساقيها خسرت الأسرة ساقاً، وراحت تمضي في الحياة بخطى متعثرة.
 
في أحد أيام مايو 2016 خرجت جميلة كعادتها للرعي في وادي عقاقة خلف جامعة تعز، استقرت الأغنام على ربوة وباشرت التهام العشب فيما انشغلت هي بالتقاط السيقان اليابسة، كان الوضع طبيعاً ولا شيء ينذر بالسوء حتى دوى ذاك الانفجار المروع.
 
 
تروي لـ"الساحل الغربي" تفاصيل خروجها الأخير بالقول «شردت الأغنام بعيداً عني، وذهبت خلفهن لاسترجاعهن، بعد بضع خطوات حطت قدمي اليمنى على شيء غريب، ولم أدر بي إلا وأنا ملقاة على الأرض».
 
الانفجار المفاجئ وارتطامها بالأرض دفعاها إلى الصراخ بأعلى صوتها، ونتيجة للفزع الذي شعرت به حاولت الوقوف، لكن سرعان ما دوى انفجار آخر ورمى بها بعيدا هذه المرة.
 
كانت جميلة في مكان خالٍ، لهذا لم يسارع أحد لنجدتها، ولأنها ارتطمت بالأرض بقوة فقدت وعيها وكانت الدماء تسيل بغزارة من ساقيها الممزقين.
 
تضيف «عندما فقت لم أستوعب ما حدث، كنت مرمية على الأشواك والأحجار والدماء في كل مكان، حاولت الجلوس لكن عبثاً، لقد كنت خائرة القوى، لم أستطع تحريك شيء من جسمي سوى فمي، لهذا رحت استغيث بصوتي الواهن».
 
أحد المارة سمع نداءها وركض إلى المكان ثم لحقه آخرون،  وقاموا بإسعافها إلى أحد المستشفيات، لكنها لم تدرك شيئاً من ذلك، لأنها كانت قد غرقت في إغماءة ثانية.
 
وعن لحظة اكتشافها مصير ساقيها تقول، وهي تغالب الدموع «عندما حاولت النهوض من سرير المستشفى بعد أربعة أيام، اكتشفت أنني بلا قدمين، تمنيت حينها لو أنني مت ولا أعيش بدونهما».
 
وجدت جميلة نفسها في حياة لم تألفها، ملقاة على الدوام ولا تتحرك إلا بسواعد الآخرين، ومثلما حاولت التأقلم وقبول الواقع دون جدوى، عبثاً حاولت أن تحصل على أطراف صناعية، كل ما حصلت عليه دكان صغير من فاعل خير، وقد حسّن إلى حد ما معيشة الأسرة.
 
بعد خمس سنوات من الحادثة والخذلان تصف جميلة حالها دون أن تتمكن من حبس دموعها هذه المرة «أشعر أنني مقيدة دونما قيود، مقبورة بلا قبر، الموت أهون من أن تنظر لنفسك وأنت أشبه بجماد، لا أريد الآن مالاً ولا شيء، أتمنى أن أمشي ولو خطوتين باليوم فقط".
 
وليس المشي مجرد أمنية بالنسبة لها فحسب، بل يكاد أن يكون السبب الذي تعيش من أجل الوصول إليه، إذ تشاهد في التلفاز أطرافاً إلكترونية قادرة على أن تعيد لها بعضاً من حريتها، وهي تناشد المنظمات وفاعلي الخير لأن يوفروها لها.
 
وجميلة واحدة بين 319 حالة مبتورة الأطراف بسبب الألغام التي زرعتها مليشيات الحوثي في مناطق تعز بينها 52 امرأة و63 طفلاً.

ذات صلة