لماذا يخاف المستبد من الضحك؟
- خاص - الساحل الغربي:
- 10:51 2025/10/14
في صنعاء، لم تعد الثورة وحدها ما يُقلق المليشيا، بل صارت "النكتة" أيضاً سلاحاً مقلقاً.
صفحة ساخرة على "فيسبوك" —لا تملك جيشاً ولا حزباً ولا مشروعاً سياسياً— تحوّلت إلى كابوسٍ للمليشيا التي تحتكر كل شيء.
قبل أيام، شنّت جماعة الحوثي حملة اختطافات ضد عدد من الشبان، بتهمة إدارة صفحة "صلصة ميمز".
صفحة صغيرة لكنها تحولت إلى فضاءٍ مفتوح لليمنيين على اختلافهم، يضحكون على بؤسهم الجماعي، ويسخرون من واقعٍ لم يعد مأساوياً فقط.. بل هو عبثي بامتياز.
لكن ما يثير ذعر المليشيا ليس النكتة ذاتها، بل ما تمثّله: القدرة على الضحك رغم الخوف.
فالضحك، في المجتمعات الخاضعة للقمع، ليس ترفاً أو تسلية، لكنه فعل مقاومة وتحرر.
الأنظمة الشمولية تدرك أن السخرية تملك قوة لا تقل خطراً عن السلاح، لأنها تفكك "سَطوة" و"إجرام" المليشيا من الداخل.
النكتة لا تهاجم الحاكم بخطاب سياسي مباشر، لكنها تجرده من مكانته وتحوله إلى مادة للضحك، أي إلى شيء يمكن نقده والاستهزاء به.
وهذا وحده كافٍ لكسر الحلقة الأهم في بنية الاستبداد: الخوف.
حين يسخر الناس من السلطة المستبدة، فإنهم في الواقع يتحررون من وهمها.
وهنا تكمن خطورة السخرية في نظر الطغاة: فهي تُعيد توزيع القوة الرمزية داخل المجتمع.
فالضحك ليس هروباً من الواقع، لكنه طريقة لفهمه ومواجهته.
كما قال أحد الباحثين في الكوميديا السياسية، "النكتة لحظة وعي مكثّفة، تُقال بخفة لكنها تُفكّر بعمق".
صفحة "صلصة ميمز" لم ترفع شعارات سياسية، لكنها ارتكبت ما هو أخطر في منطق المليشيا: منحت الناس مساحة للابتسام في زمن الخوف.
وفي مجتمعات الخوف، الابتسامة فعل سياسي.
فالاستبداد لا يكره السخرية لأنها تُسيء إليه، بل لأنها تكشف هشاشته.
كل صورة ساخرة هي مرآة يرى فيها المستبد نفسه بلا هالة، بلا قداسة، بلا خوفٍ يحيط به.
الصفحة أصدرت بياناً قالت فيه إن الكلمة الصادقة والفكاهة الهادفة يمكن أن تعبّر عن الوجع وتقرّب القلوب أكثر من أي خطاب آخر.
تبدو الجملة بسيطة، لكنها تختصر فلسفة المقاومة المدنية الحديثة:
أن تضحك ليس لأنك لا تشعر بالألم، بل لأنك ترفض أن يكون الألم هو لغتك الوحيدة.
الحوثيون الذين صادروا السياسة والإعلام والتعليم والدين والاقتصاد، يريدون اليوم مصادرة الضحك أيضاً.
لكنهم يجهلون أن السخرية لا تُسجن ولا تُخطف.
يمكن إغلاق الصفحة، لكن لا يمكن إغلاق الوعي الذي أيقظته.
قصة "صلصة ميمز" ليست مواجهة بين نكتة ومليشيا، لكنها مرآة تُظهر طبيعة العلاقة بين السلطات والخوف.
فالأنظمة الواثقة تضحك مع شعوبها، أما الضعيفة، فتخاف من النكتة — لأنها تدرك أن الضحك، حين يتحوّل إلى وعي، سيكون الشرارة الأولى في سقوطها.
