تعز في رمضان.. معاناة تتجدد بين الحصار الحوثي والغلاء القاتل

- الساحل الغربي- تقرير خاص
- 11:49 2025/03/01
مع حلول شهر رمضان المبارك، يعيش سكان مدينة تعز المحاصرة حوثيًا، أزمة معيشية خانقة تفوق قدرة الغالبية العظمى على تحملها؛ فالارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية جعل من الاستعداد لهذا الشهر الفضيل عبئًا ثقيلًا، وسط انهيار مستمر للعملة المحلية وتجاهل واضح من قبل السلطات لمعاناة المواطنين.
هذا الوضع، جعل سكان تعز يستعيدون ذكريات الأيام التي سبقت الحرب الحوثية، حين كانت تعج بالحركة، وكانت العائلات تتسابق لشراء مستلزمات الشهر الفضيل دون قلق من الغلاء أو شحّ الموارد، وطقوس استعداد الناس لاستقبال رمضان بروح من الفرح والتكافل الاجتماعي، وكيف كانت الموائد ممتلئة بالأطعمة المتنوعة، والأجواء الرمضانية كانت تسود المدينة في مشهد يعكس استقرارًا اقتصاديًا واجتماعيًا افتقدوه اليوم.
وأنت تتجول في شوارع تعز، ستجد الأسواق شبه خالية، فيما يكتفي المواطنون بالمرور بين المحلات والبسطات، يتفقدون الأسعار ثم ينسحبون بخيبة أمل، غير قادرين على شراء احتياجاتهم الأساسية.
يتحدث مالك محمد، وهو رب أسرة في تعز، لـ "الساحل الغربي" قائلاً: "قبل الحرب، كنا نعيش رمضان بروحانية مختلفة، نخرج للأسواق دون خوف من ارتفاع الأسعار، نشتري كل ما نحتاجه دون الحاجة إلى حساب كل ريال نصرفه".
ويضيف: "اليوم، حتى التفكير بشراء مستلزمات الإفطار يشكل عبئًا كبيرًا على الأسر، خاصة مع انهيار العملة المحلية وغلاء المواد الغذائية، نحن نعيش في كابوس، خاصة أن الغلاء أصبح وحشًا يلتهم كل شيء، ورواتب الموظفين الهزيلة لا تكفي لسد رمق الأطفال".
مخاوف
هكذا تغيرت المعادلة كليًا، إذ أصبح سكان تعز يستقبلون رمضان وسط مخاوف متزايدة من تدهور أوضاعهم الاقتصادية؛ فالعملة المحلية تفقد قيمتها يومًا بعد آخر، ناهبك أن فرص العمل تقلصت بفعل الحرب والحصار الذي تفرضه ميليشيا الحوثي الإرهابية، مما جعل كثيرًا من الأسر عاجزة عن تأمين احتياجاتها الأساسية.
يقول عبدالجليل الشرعبي، وهو موظف حكومي: "في رمضان كنا ننتظر صرف الرواتب لنعيش الشهر براحة وطمأنينة، أما اليوم، فلا رواتب ولا أعمال ولا مساعدات كافية. نحن نحاول أن نكافح، لكن الأسعار تزداد، ولم نعرف كيف سنعيش خلال هذا الشهر الكريم".
وبالمقابل، تشهد أسواق تعز حالة من الركود الحاد، بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، فالمحلات التي كانت تقدم عروضًا خاصة على السلع الرمضانية، باتت تشكو من قلة اقبال الناس على شراء احتياجاتهم الأساسية.
يقول التاجر عبدالكريم الشيباني، الذي يملك محلاً للمواد الغذائية: "في السابق، كنا نستعد لشهر رمضان بتوفير كميات كبيرة من السلع، لأن الناس كانوا يشترون بكثافة.. اليوم، بالكاد نستطيع بيع بضائعنا، لأن المواطن لم يعد يملك المال ليشتري احتياجاته الأساسية".
ويستطرد في حديثه لـ "الساحل الغربي": "نلاحظ أن كثيرًا من الأسر أصبحت تشتري المواد الغذائية بالكميات الأقل، وكأنهم يحاولون تقسيم مواردهم على الشهر بأكمله، وهذا لم نكن نراه من قبل سنوات الحرب الحوثية".
ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، أصبح المواطنون في تعز يتبعون طرقًا مختلفة للتكيف مع الغلاء، فالبعض يعيشون التقشف الشديد، ويكتفون بأقل القليل من الطعام، بينما يعتمد آخرون على الديون لشراء مستلزماتهم الرمضانية، على أمل تحسن الأوضاع في قادم الأيام.
ويخشى سكان تعز أن يكون رمضان هذا العام الأكثر قسوة، في ظل استمرار تدهور الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، حيث أدى هذا الانخفاض الحاد إلى ارتفاع أسعار جميع السلع الأساسية، مما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة، وألقى بظلاله على استعداداتهم لهذا الشهر الذي كان يمثل لهم في السابق فترة راحة واستقرار.
تصاعد الأسعار
في أحياء تعز المكتظة، باتت موائد الإفطار أكثر تواضعًا من أي وقت مضى؛ فالأسر التي اعتادت إعداد وجبات متنوعة خلال الشهر الفضيل، تجد نفسها الآن مضطرة للاستغناء عن كثير من الأطعمة الأساسية.
تقول أم أيمن، وهي ربة منزل: "كل عام كنا نحاول تجهيز بعض المواد الأساسية قبل رمضان، مثل التمر والدقيق والزيت، لكن هذا العام بالكاد نستطيع شراء كيلو من الطحين أو علبة زيت صغيرة، الأسعار مرتفعة".
وحسب تأكيدات التجار، فإن الأسعار ارتفعت بشكل غير مسبوق، خاصة السلع الغذائية، حيث بلغ سعر كيس الدقيق (50 كجم) 55 ألف ريال يمني، وسعر كيس السكر 50 ألف ريال، بينما تجاوز سعر كرتون التمر 40 ألف ريال، وهو ما يجعل العديد من الأسر عاجزة عن تأمين أهم المكونات الأساسية لمائدة الإفطار الرمضاني.
فيما أسعار البروتينات (الدجاج واللحوم)، فقد أصبح سعر الدجاجة الواحدة 8 آلاف ريال، بينما بلغ سعر الكيلوغرام من اللحم البقري أكثر من 18 ألف ريال، وكذلك البيض، الذي كان يعتبر بديلًا رخيصًا للبروتين، قفز سعره إلى 300 ريال للبيضة الواحدة، مما يجعل معظم الأسر عاجزة عن شرائه.
شلل اقتصادي
تعاني تعز، المحاصرة من قبل جماعة الحوثي منذ أكثر من عشر سنوات، من شلل اقتصادي خانق؛ فالمدينة التي كانت ذات يوم مركزًا تجاريًا نشطًا، أصبحت اليوم مقطوعة عن العديد من المناطق المجاورة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل وأسعار السلع الأساسية.
يقول التاجر أحمد الدبعي لـ "الساحل الغربي": "نحن كتجار نشتري البضائع بأسعار مرتفعة بسبب أجور النقل الباهظة، ثم يُفرض علينا رسوم إضافية من نقاط التفتيش.. كل هذا يؤدي إلى تضاعف الأسعار على المواطنين، ولكن لا أحد يهتم بمعاناتنا". ويشير إلى أن بعض التجار يتعمدون تخزين بضائعهم لفترات أطول خوفًا من تقلبات الأسعار، مما يقلل من المعروض في السوق، ويدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع.
ومع غياب الرقابة الحكومية، يجد المواطنون أنفسهم فريسة لجشع بعض التجار الذين يستغلون انهيار العملة لرفع الأسعار بشكل يومي؛ وبحسب شهادات المواطنين، فإن التجار يرفعون الأسعار بحجة انهيار العملة، لكنهم لا يقبلون خفض الأسعار عندما يتحسن سعر الصرف، مؤكدين أن المواطن هو الضحية.
ما يزيد الطين بلّة، حد تعبير أبناء تعز، هو تذبذب أسعار الصرف باستمرار، ففي المناطق المحررة وصل الدولار إلى 2212 ريالًا، بينما تجاوز سعر الريال السعودي 580 ريالًا، مما جعل أسعار السلع في ارتفاع مستمر، وسط تعقيدات الوضعين المعيشي والاقتصادي، الأمر الذي يدفع عشرات الأسر من أبناء المحافظة إلى الاعتماد على القروض، أو إرسال أطفالهم للعمل بدلًا من الدراسة، في محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة.
ويعتقد كثيرون أن أزمة الغلاء لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتترك آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على سكان تعز، فالأوضاع الحالية تدفع الناس إلى حافة الانهيار النفسي، وبالتالي فقد العديد من المواطنين الأمل بالحياة الكريمة، وهذا ما يفسر تفكك العلاقات الأسرية الناتجة عن الضغوط المالية، فارتفاع عدد حالات الطلاق بين اليمنيين سببها تأزم الوضع، كما أن الكثير من الشباب أصبحوا يفكرون في الهجرة، بحثًا عن حياة أفضل خارج البلاد.
الحل
أمام هذا الوضع المتدهور، يرى خبراء في ملف الاقتصاد أن الحلول لا يمكن أن تأتي إلا من خلال تدخلات جذرية تشمل، تحقيق استقرار العملة المحلية من خلال توحيد السياسة النقدية بين البنكين المركزيين في صنعاء وعدن، ووقف المضاربة بالعملة، إضافة إلى الحد من الجبايات والرسوم غير القانونية المفروضة على التجار خلال عملية النقل، مما يساهم في خفض أسعار السلع.
إلى جانب ذلك، فإن الوضع يتطلب خطة لزيادة الدعم الإغاثي واستئناف عمل المنظمات الدولية لمد اليمنيين بالمساعدات وتوسيع قائمة المستفيدين، وتفعيل دور الرقابة الحكومية لضبط الأسواق ومنع الاحتكار والتلاعب بالأسعار، وإعادة تصدير النفط لتوفير النقد الأجنبي ودعم الاقتصاد الوطني، وفق اقتصاديين.