اقتصاد محطم وشعب أسير: عجز الشرعية ونهب الحوثيين يكشفان الوجه الحقيقي للمأساة
- الساحل الغربي
- 03:36 2024/12/05
في اليمن، حيث أصبح كل يوم معركة جديدة، لا تقتصر الحرب على الجبهات العسكرية فحسب، بل تشمل الاقتصاد أيضًا.. أما الشعب، فلا يزال في المنتصف، ضحية للاصطفافات السياسية والمصالح الشخصية، يصارع جوعًا وتضخمًا وضياعًا؛ وفي قلب هذا الخراب، يبرز ملف ”رواتب موظفي الدولة“ كأداة ضغط لا تقل فظاعة عن القصف العشوائي والألغام المبعثرة؛ الحكومة الشرعية، في محاولة بائسة "تكافح" للبقاء على قيد الحياة، تصرخ بأن رواتب الموظفين ستصرف كاملة، بينما الحوثيون يواصلون "نهب" الرواتب بلا خجل وبشكل ممنهج كجزء من لعبة السيطرة الاقتصادية.
"نحن ملتزمون بصرف رواتب الموظفين بالكامل، لا يصدق كل ما يُقال" – هكذا تنبري وزارة المالية في الحكومة الشرعية لتمني نفسها، بأنها قادرة على الإيفاء بتعهداتها؛ لكن الواقع يفرض نفسه بعنف: أزمة مالية خانقة، واحتياطات صفرية، وقطاع نفطي محطم بفعل الهجمات الحوثية التي دمّرت موانئ التصدير في أكتوبر 2022؛ هذا الهجوم جعل الدولار يتجاوز عتبة 2065 ريالًا، وزيّب القدرة الشرائية حتى لبقية قوت المواطنين.
وعلى النقيض، يصعد الحوثيون بمشروع "توزيع الرواتب" كالقائد الذي يوزع "الغنائم" على أتباعه؛ رواتب نصفية، ولكن بشروط مشددة: استبعاد آلاف الموظفين بحجة الانقطاع عن العمل، ومصادرة مكافآت وحوافز، وفرض "حصص مكررة" لقادة الجماعة الطائفية؛ هل يعقل أن يصبح المصير في يد مشروع يسعى إلى تعزيز سيطرة طبقية، حيث يتم منح فتات راتب للموظفين الذين لا يعترفون بولاءهم المطلق للجماعة؟
وهذا كله في الوقت الذي تختفي فيه "الشفافية" تمامًا عن كيفية استخدام الحوثيين للإيرادات الضخمة من (الضرائب والجمارك، نهب إيرادات الدولة والمساعدات الدولية، الإتاوات والابتزاز، تجارة الوقود والمخدرات والأسلحة، التهريب والاتجار بمختلف اشكاله).. ليتساءل المواطنون، أليست هذه هي نفس الجماعة التي تركت مئات الآلاف من الموظفين بلا رواتب منذ 8 سنوات؟ وما الذي يضمن أن هذه الأموال التي تذهب إلى الحوثيين لن تُستخدم في تمويل حرب كارثية لا تنتهي، ولا ترحم أحدًا؟
"الثلاث فئات" التي قدمها مشروع الحوثيين لتوزيع الرواتب ”المنهوبة منذ ثماني سنوات“ هي بمثابة تشكيل هرمي، حيث يشمل كبار المسؤولين الحوثيين الذين يحصلون على رواتب كاملة، في حين يحصل "الآخرون" على الفتات؛ فئة من الموظفين، الذين لا تملك مؤسساتهم إيرادات كافية، يحصلون على نصف راتب شهري، وفئة ثالثة، من موظفي الوحدات ذات الإيرادات، يحصلون على نصف راتب كل ثلاثة أشهر؛ هذا ليس سوى "فقاعة اقتصادية" تُقذف في وجه الشعب كذريعة لاستمرار السيطرة، وسط تهديد مستمر باستبعاد أي موظف غير موالٍ للجماعة.
ماذا تعني هذه الإجراءات في المحصلة النهائية؟ تعني أن الشعب اليمني يعيش تحت وطأة خيارين ”عجز لحكومة شرعية، وقمع لمليشيا تعيث في الأرض فسادًا“ بينما يدفع المواطنون الثمن الباهظ؛ مع غياب الرؤية الاقتصادية الحقيقية لحل الأزمة، يبقى الشعب اليمني أسيرًا لمصير مجهول.
وكأن القلوب لا تكتوي جمرًا، فما تبقى من آمال المواطنين يتساقط تحت وطأة اللامبالاة من جانب الحوثيين، الذين حولوا موارد البلاد إلى أداة في معركة بقاءهم، فكيف للمواطن أن يثق في سلطة تقوّض ما تبقى من مصادر رزقه؟ في النهاية، في هذا المشهد المظلم، من يدفع الثمن هو الإنسان اليمني البسيط، الذي لا حول له ولا قوة إلا الدعاء.