الـ2 من ديسمبر شجاعة قائد وإرادة وطن

قبل 5 ساعة و 20 دقيقة

في يوم الثاني من ديسمبر 2017، وقف الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، في لحظة تاريخية فارقة، معلنًا موقفًا شجاعًا في مواجهة الصلف الحوثي الإمامي، رغم الخطر الداهم الذي كان يهدد حياته من كل جهة. كان الحوثيون قد أحاطوا به من كل جانب، وأطبقوا عليه الحصار من جميع الاتجاهات، إلا أن إرادة صالح لم تنكسر، وعزيمته لم تضعف. في تلك اللحظة العصيبة، أعلن عن ثورة وحرب جديدة متحديًا كل الظروف التي تفرض عليه وعلى من هو في مثل موقفه أن يصمت وأن يهادن ليؤمّن لنفسه وعائلته مخرجاً آمناً كغيره من القادة السياسيين والعسكريين.
 
لكن علي عبد الله صالح، الذي حكم وخبر اليمن لعقود كرئيس، كان يدرك تمامًا أن الساعات القادمة قد تكون هي الأخيرة في حياته، لكنه فضل أن يخرج من هذا العالم وهو مرفوع الرأس، وهو الذي لطالما اجتهد لقيادة شعبه ومجابهة التحديات الصعبة. فالرجل الذي ظل على مدار سنوات طويلة يقود الدولة اليمنية في بحر من الأزمات، سرعان ما تحول إلى رمز للمقاومة في وجه المشروع الحوثي الإمامي الذي حاول الإماميون الجدد فرض هيمنته على البلاد بالقوة، معلنين انقلابهم على الجمهورية والنظام والقانون والقيم الوطنية والإنسانية. 
 
في خطابه الذي كان بمثابة ثورة إنقاذ وطنية جمهورية أدرك رعب الخطر الحوثي الإمامي على اليمن أرضاً وإنساناً وهويةً، أبرز علي عبد الله صالح في ذلك اليوم التاريخي معدن الشجاعة الحقيقي وقداسة الجمهورية التي تجري في دمه وروح الوطنية التي فُطر عليها، وعاش من أجلها، بل دفع حياته ثمنًا للمبادئ التي آمن بها. ولم تكن شجاعته فقط في الكلمات، بل كانت في اتخاذ القرار الصعب، القرار الذي قد يمحو حياته، وحياة عائلته وحزبه ومحبيه، ولكنه كان خيارًا لا بد منه، في سبيل حرية اليمن واليمنيين وتقديراً لحجم التضحيات التي قدمها اليمنيون من أجل جمهوريتهم.
 
أدرك صالح أن الخطر القادم من الحوثيين ليس مجرد خطر عسكري، بل هو خطر على هُوية اليمن وتاريخه وعمقه الحضاري وشرف عروبته، وقيم ثوراته ومستقبله، فالحركة الحوثية لم تكن فقط تمثل تهديدًا سياسيًا، بل كانت تسعى لتغيير ديموغرافي وثقافي شامل، محاولين فرض سيطرتهم على اليمن بالقوة، وتدمير أسس الدولة الوطنية. وفقاً لأجندتهم الصفوية المدمرة.
 
وفي تلك اللحظات الحرجة، كان الرئيس صالح يعي أن معركته ليست معركة فردية، بل معركة من أجل الحفاظ على هُوية وطنه، ومصير شعبه، الذي كان يتطلع إلى وطن مستقر آمن، بعد سنوات من الفوضى. 
 
كان قراره الثوري بمثابة آخر رصاصة في معركته التي بدأت منذ سنوات طويلة، ومعركة النهاية التي اختار أن يقودها بشجاعة نادرة، غير عابئ بتهديدات الموت التي كانت تلاحقه من كل جانب، مدركاً أن الموت بشرف المواجهة خير من العيش بعار الهروب والذل.
 
إن موقف علي عبد الله صالح في الـ2 من ديسمبر كان يعكس صفة القيادة الحقيقية، حيث لا يتراجع القائد عن واجبه في اللحظات الصعبة، بل يثبت في وجه العاصفة ويواجه المصير بشجاعة. لقد اختار أن يظل في ساحات النضال آخذاً بعزيمة القائد الملهم حريصاً على أن يبقى حراً كريماً جمهورياً، حتى آخر لحظة من حياته، متحديًا الخوف ومتصديًا لأولئك الذين حاولوا اقتلاعه ووأد أهداف ومبادئ وقيم الجمهورية من جذورها.
 
إن ثورة الـ2 من ديسمبر لم تكن مجرد رد فعل على الحصار، بل كانت إعلانًا لرفض الاستبداد، والطائفية والمشروع الصفوي القادم من خارج تاريخنا والنقيض لهويتنا وإنسانيتنا، ومؤشرًا على تمسكه بالمبادئ الجمهورية والقيم الوطنية. ورغم أن تلك اللحظة انتهت بوفاته، إلا أنها تظل علامة فارقة في تاريخ اليمن، حيث أثبت أن الشجاعة الحقيقية لا تأتي من امتلاك القوة العسكرية فقط، بل من التمسك بالمبادئ حتى النهاية.
 
لقد رحل علي عبد الله صالح، لكن شجاعته وموقفه في تلك اللحظات العصيبة تظل خالدة في ذاكرة اليمنيين، وتظل كلماته في 2 ديسمبر حية، تذكرهم دائمًا بأن الشجاعة في المواقف الصعبة هي التي تصنع الأبطال، وأن المواقف الكبرى لا تُقاس بالوقت، بل بالعزيمة التي تقود الإنسان إلى اتخاذ القرارات المصيرية التي تغير مجرى التاريخ.