ريف تعز.. إحلال نبتة "القات" بدلًا عن أشجار المانجو في وادي البركاني

  • الساحل الغربي - خاص
  • 09:58 2024/08/17

في ريف تعز الجنوبي، لم يكن يتوقع المزارع منير صادق، 50 عامًا، أن يستغني يومًا عن «شجرة المانجو»، التي شكلت منذ عقود كثيرة مصدر دخل أساسي لتوفير لقمة العيش لأسرته وأولاده، لكن مؤخرًا غيّر الرجل نظرته وصرف اهتمامه عن أشجار المانجو محاولًا تجاوز حبه وشغفه لمهنته، واتجه نحو استغراس شجرة "القات" وإحلالها كبديلة عن المانجو في المنطقة.
 
ينتمي منير إلى منطقة وادي البركاني، الواقع في الجهة الجنوبية الغربية لمحافظة تعز، الذي يمتاز بطبيعة ساحرة ومناظر خلابة، ويحتوي على مساحات واسعة من المزارع الخضراء، كما يشتهر منذ عشرات السنين بجودة المانجو، وكثرة المواطنين الذين يعتمدون في حياتهم على مهنة زراعة أشجار المانجو؛ ومع ذلك لوحظ مؤخرًا ظاهرة اقتلاع هذه الأشجار المعمرة، وبالمقابل توسع نبتة القات.
 
 
مطلع العام 2020، سوّغ المزارع منير العديد من المبررات لعملية اقتلاعه أشجار "المانجو" يصل عمرها إلى (80) عامًا، زاعمًا أنها شاخت وقل مردودها المالي، حيث شهدت المنطقة الريفية تحولًا ملحوظًا في الأنماط الزراعية، وتمت عملية استبدال زراعة المانجو وإحلال شجرة القات، هذا التحول يعكس جملة من التحديات الاقتصادية والمعيشية التي تواجه المزارعين هناك.
 
يتحدث المزارع لـ"الساحل الغربي": "نحن في وادي البركاني كنا نعتمد على زراعة المانجو بشكل رئيسي، لكن جاءت الحرب وفرضت حصارًا مطبقًا على مدينة تعز، وهذا انعكس سلبًا علينا.. لم نتمكن من نقل محاصيل المانجو إلى الأسواق المحلية، وترويجها سنويًا في مختلف المدن اليمنية". في إشارة إلى أن الحرب ألحقت بهم أضرارًا بالغة، وحالت دون تحريك شاحنات التصدير، ما كبد المزارعين خسائر كبيرة.
 
يوضح: "الدافع لغرس أشجار القات بدلًا عن المانجو، هو أن الأخيرة تُثمر مرة واحدة سنويًا، فيما تُدر نبتة القات عائدات وأموالًا مُرضية، وستوفر لي فرصةً أفضل للعيش، خاصة أن القات يمكن بيعه ثلاث مرات كحد أدنى في السنة".
 
ويتابع قائلًا إن التغيرات المناخية تؤدي إلى تأخر شجرة المانجو في الإثمار، ولكي تُثمر تحتاج لسنوات من العناية، قد تصل لستة أعوام، فيما يجني المواطن أرباحه من شجرة القات بفترة زراعية أقل، ولأكثر من موسم في السنة، الأمر الذي يفسر توجه مئات المزارعين للمانجو في وادي البركاني لزراعة القات.
 
 
انحسار المساحات
 
اقتلاع المانجو واستبداله بشجرة القات، دون وعي بما قد يترتب على هذه الخطوة، أو ما ينعكس على البيئة والنشاط الزراعي، يضاعف حجم الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة، ناهيك عن الخطر الأكبر المتمثل بفقدان التنوع البيولوجي.
 
في السابق كانت مزارع وادي البركاني بتعز، ممتلئة بأنواع مختلفة من فاكهة المانجو والزيتون، فيما أصبحت اليوم تتواجد بقلة، ويقتصر بقاء شجرة مانجو واحدة أو اثنتين في مزارع المواطنين على تزيين الأحوال والأراضي الزراعية، في ظل زيادة متنامية لزراعة "القات" في المنطقة وغيرها من المناطق المجاورة، وهذا يشكل خطرًا على البيئة، ويؤدي إلى قلة الإنتاج والتصدير للمحاصيل.
 
 
يقول محمود الحوباني، استشاري ومدرب زراعي، إن تراجع إنتاج محصول المانجو في ريف تعز وعموم اليمن، ناتج عن زيادة النفقات التشغيلية، وعدم اهتمام المزارعين بالعملية الزارعية من حراثة وتسميد وري ومكافحة للآفات، وغياب متابعة الأشجار قبل بداية الموسم، وكذلك غياب السياسات الزارعية والجميعات التعاونية، وغياب الجانب التسويقي، والعمل العشوائي دون وضع آلية محددة لتصريف الكميات عبر وسطاء، ما يؤدي في نهاية الموسم إلى تقلص عائد المزارعين.
 
ويضيف بأن مزارعي المانجو واجهوا مشكلات كثيرة خلال سنوات الحرب، بينها عدم التصدير وغياب أسواق خارجية لاستيعاب المنتج، وانعدام ثلاجات التبريد المركزية لضمان استمرارية المحصول ذي الجودة العالية حتى الموسم القادم، إلى جانب عدم اعتماد المصانع والشركات المحلية للمانجو في استيعاب كميات من المحصول خصوصًا أثناء الموسم، وتجنب حالة الكساد للمحصول.
 
يؤكد الحوباني في حديثه، أن العديد من المخاطر تترتب على توسع شجرة القات، أبرزها انحسار المساحات الزراعية، إضافة إلى تدهور خصوبة التربة، وزيادة درجة الملوحة والتعرية فيها، وفقدان فرص التصدير خارجيًا، باعتبار أن نبتة "القات" محلية ويمنع تصديرها إلى دول الجوار بطرق رسمية.
 
 
إلى ذلك، تتحدث تقارير عن تناقص مساحة زراعة المانجو في محافظة تعز اليمنية من 851 هكتاراً في العام 2018 إلى 834 هكتاراً عام 2020، بفارق 17 هكتاراً أي 170.000 متر مربع، وذلك نتيجة غرس شجرة القات في مساحات واسعة، وتالياً قلّت إنتاجية المانجو في تعز من 12.950 طنا عام 2018 إلى 10.212 طنا خلال 2020.
 
 
آثار بيئية
 
ثمة مخاطر وآثار تترتب على البيئة، إثر توسع المساحات المزروعة بشجرة القات في تعز، وغيرها من مدن اليمن، تتمثل باستنزاف الموارد المائية، إذ تحتاج شجرة القات إلى كميات كبيرة من المياه، وهذا ما يجبر المزارعين على حفر آبار عشوائية، واستنزاف المياه الجوفية، ما يضاعف حجم الأزمة الحاصلة في البلد، نتيجة قلة توفر المياه.
 
الخبيرة في مجال الزراعة، أمة عبداللطيف، تفيد بأن زراعة القات تتطلب عادة استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية، ويُعني هذا تلوث التربة وتدهورها على المدى البعيد، وبالتالي تقل درجة الخصوبة وتبقى غير صالحة لزراعة المحاصيل الغذائية، ناهيك أن هذه السموم قد تتسرب إلى مصادر المياه الجوفية عن طريق امتصاصها من قبل التربة، ما يؤثر على صحة الإنسان والحيوان، ويؤدي إلى مشكلات صحية خطرة.
 
 
وتشير في حديثها إلى أن تدهور التربة واستنزاف المياه الجوفية، يهدد الأراضي الزراعية بالتصحر، نظرًا لأن المخاطر المترتبة على زيادة استغراس نبتة القات وتوسعها على حساب أشجار المانجو وغيرها من المحاصيل، تجعل غالبية المساحات والأراضي غير صالحة للزراعة بعد سنوات.
 
وتؤكد الخبيرة ضرورة العمل على الحلول وفق خطط تساهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي وتوعية المزارعين بأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي، من خلال تنظيم ورش عمل بصورة مستمرة، وتعريف المزارع اليمني بأبرز التحديات والفوائد الناجمة عن زراعة مختلف المحاصيل المختلفة، وحث العاملين في القطاع الزراعي على وضع تشريعات وسياسات تشجع على بيئة مستدامة من خلال التطوير في عملية زراعة محاصيل مربحة اقتصاديًا وقادرة على تحمل ظروف الجفاف والحفاظ على البيئة.
 
 
وفي ظل غياب دور السلطات المعنية، ترى الخبيرة أمة اللطيف، بأنه لا بد من موقف حكومي حاسم للحد من توسع شجرة القات، بالإضافة إلى ضرورة التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات البيئية لتنظيم حملات توعية تشمل المزارعين ومختلف فئات المجتمع بأهمية الحفاظ على تنوع المحاصيل ومخاطر إحلال أشجار معينة مكان أخرى.

ذات صلة