تجنيد مموه: كيف تحول الأطفال في صنعاء إلى أدوات حرب؟ .. التعبئة الطائفية الوجه الآخر للمراكز الصيفية الحوثية
الساحل الغربي - خاص
06:33 2024/05/22
بعد انضمامه إلى أحد المراكز الصيفية في محافظة صنعاء المختطفة من قبل ميليشيا الحوثي، عاد الشاب يوسف فؤاد، 19 عامًا، وقد تغيرت أفكاره ومعتقداته، وتحول خلال فترة وجيزة من شخص شغوف بالتعلُّم ومتابعة الدراسة إلى آخر يهوى حمل السلاح، ويفكر باستمرار في الالتحاق بجبهات القتال، لولا أسرته التي تداركت الأمر، وحاولت التعديل من ميوله، والتركيز على استكمال تعليمه الثانوي.
يقول والد يوسف، إن ابنه التحق قبل عامين بأحد المراكز الصيفية المقامة في صنعاء، بعد استقطابه من قبل قيادات ومشرفين تابعين للميلشيا الحوثية، مهمتهم تنظيم الدورات الطائفية في المحافظة لمدة تصل لأربعين يوم، مضيفًا أن المسؤولين عن استقطاب الطلاب يسوقون الكثير من الحجج زاعمين أن الهدف من هذه الدورات هو استغلال الإجازات بتعلم قراءة القرآن والتثقيف الديني، الأمر الذي يسهل عملية أخذ الأطفال والشباب إلى المراكز الصيفية.
وفي حديثه لـ "الساحل الغربي" يؤكد الرجل أن المنضمين لهذه الدورات يعودون بصورة مغايرة إلى أسرهم، حاملين الحقد والكراهية على المجتمع، مشيرًا إلى أن ابنه تغير أسلوب حديثه وتعامله، وصار أكثر عنفًا من السابق. "كنا نتوقع عودة ابني من المركز الصيفي مهذبًا وحريصًا على طاعة الوالدين، لكن تفاجأنا أنه اكتسب نوعًا من التمرد على قرارات الأسرة، وصار يتحدث لنا بأفكار غريبة".
وفي شهر أبريل2024، منع فؤاد، ابنه الذي يصغر يوسف بعامين، من الالتحاق بهذه المراكز الصيفية، موضحًا أن الخطأ الذي اقترفه لن يكرره من جديد، مشددًا على ضرورة الحفاظ على الأبناء من الهلاك، في إشارة منه إلى نتاج المراكز الصيفية الحوثية، التي يعتبرها مبررًا لاستقطاب الأطفال، وتجنيدهم في صفوف الجماعة، وإرسال الآلاف منهم إلى جبهات القتال.
استقطاب وتجنيد
وبالتزامن مع تدشين ميليشيا الحوثي الإرهابية، مراكزًا صيفية لطلبة المدارس في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، نفذت اللجان المكلفة بالإعداد والإشراف لهذه المراكز، حملات ترويجية تضمنت وعودًا بتحسين درجاتهم في الامتحانات النهاية، وإعفاؤهم من الرسوم في العام الدراسي المقبل، وإغراؤهم بالحصول على مكافآت وجوائز، ناهيك عن استغلال أحداث "طوفان الأقصى" وتوظيف أعمالهم العدائية على الملاحة البحرية، بداعي نصرة القضية الفلسطينية في استعادة أنشطتهم المتعلقة باستقطاب وتجنيد الأطفال.
ولأن هذه المراكز تجري منذ سنوات، يتساءل البعض عن نسبة عدد الملتحقين، ففي تقرير نشرته وكالة "سبأ" التابعة للحوثيين، توقع عبدالله الرازحي، والذي يعمل رئيسًا للّجنة الفنية للأنشطة والدورات الصيفية في وزارة الشباب التابعة للجماعة، أن يشهد ارتفاع عدد الطلاب الملتحقين بالمراكز الصيفية للعام (2023- 1444) إلى مليون و 500 ألف طالب وطالبة، تستوعبهم ما يقارب تسعة آلاف و100 مدرسة مفتوحة ونموذجية ومغلقة، ويعمل فيها 20 ألف عامل ومدير ومدرس.
وأشار إلى أن المراكز الصيفية حققت خلال العام2023، نجاحات فاقت التوقعات، بتنفيذ أكثر من مليون نشاط استهدف 733 ألفًا و722 طالبًا وطالبة التحقوا في تسعة آلاف و16 مدرسة، عمل فيها 42 ألفًا و772 عاملًا وعاملة، مؤكدًا أن إجمالي الأنشطة المنفذة في الدورات الصيفية خلال العام (2022- 1443) بلغت مليونًا و235 ألفًا و228 نشاطاً، استهدفت ثمانية آلاف و838 دورة صيفية مفتوحة منها 185 دورة مغلقة.
وفي اعتراف واضح جاء على لسان القيادي لدى ميليشيا الحوثي، قاسم آل حمران، رئيس ما يُسمى ببرنامج الصمود الوطني، أن "معظم من يتخرجون من المراكز الصيفية الحوثية مصيرهم الموت"، حيث أراد القيادي لدى الجماعة، بهذا الاعتراف تعظيم أهمية هذه المراكز، لكنه في الواقع أظهر حجم الكارثة، وكيف حولت الجماعة المنقلبة على الدولة واليمنيين بمختلف الفئات إلى أدوات حرب، وهي المرة الأولى التي يعترف فيها قيادي في صفوف الحوثي بالكارثة التي تخلّفها المراكز الصيفية، والتي تعد دورات تجنيد وتدريب للأطفال على السلاح وتفخيخ عقولهم، وإرسالهم إلى جبهات القتال.
وفي التاسع من مايو الجاري، أقرت الميليشيا بتجنيد نحو 300 ألف مقاتل تحت ذريعة مساندة الشعب الفلسطيني، مؤكدة استمرارها في عمليات التحشيد، حيث ذكر زعيم الميليشيا "عبد الملك الحوثي"، في كلمة له، أن عدد المتدربين في التعبئة والتأهيل العسكري بلغ (مائتين وستة وتسعين ألفًا)، مشيرًا إلى أنهم يدرسون المرحلة الخامسة والسادسة من التصعيد لاستهداف السفن.
رهان مُجازف
أكدت تقارير حقوقية بأن الدورات الحوثية والمراكز الصيفية التي تستهدف الأطفال والشباب في مناطق سيطرة الميليشيا تتضمن تدريس خطابات "حسين الحوثي"، مؤسس الجماعة، وشقيق زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي، حيث تُركَّز على غرس الأفكار الطائفية المتقاربة بشكل كبير مع المذهب الاثنا عشري في إيران.
وأوضحت بأن الحوثيين يحرَّضون الأطفال والمراهقين على الالتحاق بجبهات القتال، كما يتم التركيز على قضايا مثل فلسطين والقدس لاستثارة عاطفة وحماس المشاركين.
وحذَّرت هذه التقارير من إنتاج جيل متطرف على يد الحوثيين، باعتبار الأطفال أكثر الفئات قابلية للاستقطاب واستجابة للتعبئة الفكرية خصوصًا في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع اليمني، وهو ما ساعد الحوثي على استقطاب الأطفال وتحشيدهم للمراكز الصيفية التي تمثل معسكرات طائفية لغسيل الدماغ ونشر الأفكار المغلوطة التي تتفق مع نهج الحوثيين، مما يشكل ضغطًا نفسيًا اجتماعيًا على الأطفال، ويحد من قدراتهم الإبداعية والفكرية والمعرفية، وبالتالي إنتاج جيل متطرف محدود التفكير مشحون بالأفكار المغلوطة، مما يجعل هؤلاء الأطفال قنابل موقوتة مستقبلاً تهدد الأمن والسلم الاجتماعي.
إلى ذلك، قالت مصادر تربوية بصنعاء، إن ميليشيا الحوثي تهدف من خلال تنظيمها للدورات الصيفية إلى تعزيز الهوية المذهبية والطائفية، وتوسيع العنصرية في عقول الأطفال والشباب لضمان استمرارية فكر الجماعة الحوثية، إضافة إلى تنشئتهم على العنف والإرهاب وتدريبهم على استخدام السلاح ليكونوا وقود لجبهات الحوثيين.
وأضافت لـ "الساحل الغربي" بأن المحتوى الذي يُقدم في المراكز الصيفية لتعليم آلاف الأطفال يتأسس على مضامين بمحمولات إيدلوجية ومذهبية ذات أبعاد تعبوية، دون أدنى متطلبات التأهيل العلمي، ولهذا لا يمكن التقليل من مخاطر التشوهات التي يجترحها التعليم الإيدلوجي على الأطفال والسلم الإجتماعي، وتجارب النُظم التي انتهجت هذا المسلك حصدت نتائج سلبية كارثية.
ولفتت إلى أن الجماعة الحوثية تعتقد بأن المراكز الصيفية ستُشكل رافدًا لتوسيع القاعدة الشعبية، وهذا رهان مُجازف، وتجارب المُجتمعات الأخرى تثبت خطأ الركون على تكتيكات التدجين والقولبة ومحاولة أدلجة الناس وفق قالب معين، مشيرين إلى ضرورة تحييد التعليم عن الصراع، وجعله في صدارة الملفات التي تناقشها جهود السلام لتجنب المزيد من الأضرار.
تجنيد ممنهج
لا تتردد المنظمات المحلية والدولية عن التحذير سنويًا من خطورة المراكز الصيفية التي تقيمها ميليشيا الحوثي الإرهابية، على سلامة الأطفال في اليمن، في ظل تقارير حقوقية وثقت تعرضهم لانتهاكات جسيمة في هذه المراكز خلال السنوات الماضية. ففي بيان لمنظمة "ميون" لحقوق الإنسان حذرت فيه من خطورة هذه المراكز على سلامة الأطفال، مؤكدة بأنها وثقت وقوع عمليات تجنيد ممنهجة للأطفال وأنشطة شبه عسكرية وأخرى طائفية، علاوة على توثيق تعرض عدد منهم لاعتداءات جسدية وجنسية، مطالبة الآباء بعدم تسليم أطفالهم فريسة للانتهاكات، لا سيما في المراكز المغلقة.
وفي منتصف مايو الجاري، جددت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، التحذير من مخاطر المراكز الصيفية التي تقيمها ميليشيا الحوثي للطلاب في مناطق سيطرتها، بهدف تعبئتهم بالأفكار الطائفية والزج بهم في جبهات القتال.
وقالت في بيان لها، إن أكثر من 3 مليون طفل في مناطق سيطرة الحوثيين التحقوا بالمراكز الصيفية، حيث تسعى الجماعة المدعومة من إيران لغسل أدمغتهم وتجنيدهم لحروبها ضد اليمنيين. وأضافت أن ميليشيا الحوثي تقوم بتدريب الأطفال على السلاح داخل "هذه المراكز الإرهابية" في معسكرات مغلقة لا تراعي حقوق الأطفال.
وأكدت الشبكة أن جماعة الحوثي تهدف من المعسكرات التي تسميها مراكز، استقطاب أكبر عدد من الأطفال وتحويلهم إلى مقاتلين وعصابات إرهابية تنفذ مشروعها الإيراني". مشيرة إلى أن من مخرجات وأهداف المراكز والدورات الصيفية في مناطق سيطرة الحوثي تفكيك النسيج الاجتماعي وتفخيخ عقول الأطفال في هذه المراكز بحيث يكونو فريسة سهلة ووقودًا لمعارك الجماعة ومخططاتها ومشروعها التخريبي الذي تدعمه إيران.
تجريف التعليم
من جهتها، قالت السفيرة الفرنسية لدى اليمن، كاترين قرم كمون، إن المخيمات الصيفية، التي تقيمها ميليشيا الحوثي، تمثل عسكرة للتعليم في البلد الذي يشهد حربًا مستمرة للعام العاشر تواليًا. وأضافت في تصريحات صحفية أن الحوثيين، منذ فترة طويلة، يستخدمون المراكز الصيفية أداة للتعبئة العقائدية للأطفال، ونشر خطاب الكراهية، وتجنيدهم وإرسالهم إلى جبهات القتال.
وذكرت قرم كمون أن عملية السلام الجارية سوف تستغرق وقتا، حيث بات من الواضح أن الحوثيين اختاروا مرة أخرى طريق الصراع، مشيرة إلى أن قرارهم الأخير بإصدار عملة معدنية جديدة غير قانونية، ويؤدي إلى مزيد من تمزيق البلد.
فيما حذرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، في التاسع من مايو لهذا العام2024، من استمرار تجريف جماعة الحوثي للعملية التعليمية واستبدالها بمدارس "مغلقة" لصناعة الإرهابيين، في إشارة إلى المراكز الصيفية التي تستقطب مئات الآلاف من الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، إن جماعة الحوثي أقدمت على إقامة مدارس دينية مغلقة على الطريقة الداعشية تمجد الفكر المتطرف وتصنع الإرهابيين، مضيفًا أن هذه الخطوة تأتي في ظل استمرار الجماعة في تحويل المدارس الحكومية إلى معسكرات لاستدراج وتجنيد الأطفال والنشء، تحت غطاء المراكز الصيفية، وغسل عقولهم بالأفكار الطائفية المستوردة من إيران، وغرس ثقافة وشعارات الحقد والكراهية، ومسخ هويتهم الوطنية والعربية، وتحويلهم إلى أدوات للقتل والتدمير، وقنابل موقوتة لتهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
ودعا الإرياني اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثي للحفاظ على أبناءهم، وعدم تقديمهم قرابين للجماعة وأسيادهم في طهران، كما دعا المنظمات المعنية والمثقفين والإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان، للتوعية بمخاطر تجريف الجماعة للعملية التعليمية، وتحويل المدارس إلى فقاسات للإرهاب، وما تبثه من سموم تهدد النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي وقيم التعدد والتنوع والتعايش بين اليمنيين، وفق الوكالة الحكومية.
وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن والمنظمات المعنية بإعلان موقف واضح من هذه الجريمة النكراء، والضغط على جماعة الحوثي لتحييد العملية التعليمية، وعدم توظيفها كأدوات للحشد والتعبئة، والشروع الفوري في تصنيفها منظمة إرهابية، وتجفيف منابعها المالية والسياسية والإعلامية، ودعم جهود الحكومة لتثبيت الأمن والاستقرار على كامل الأراضي اليمنية.