يروي الأسرى الذين أُفرج عنهم من سجون مليشيا الحوثي في اليمن، معاناة لا توصف وقصصاً مروعة عن التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرضوا له خلال فترة احتجازهم، ويعاني الكثير منهم من اضطرابات نفسية وجسدية، ويحتاجون إلى علاج وتأهيل طويل الأمد.
وفي هذا السياق، يروي نجم الدين محمد، مختطف سابق في سجون الحوثي، قصة اختطافه وتعذيبه ومعاناته النفسية بعد الإفراج عنه. يقول نجم الدين في حديث لـ"الساحل الغربي"، إنه تم اختطافه من شارع السمن والصابون في مدينة تعز، بدون تهمة، عندما كان في طريقه إلى قريته في شرعب السلام، ونقل إلى مدينة الصالح (تتخذ منها مليشيا الحوثي سجناً لمختطفيها) في تعز، ثم إلى سجن كلية المجتمع في ذمار.
ويضيف، إنه تعرض لمختلف أشكال التعذيب الجسدي والنفسي بتهديده بالذبح أو قتل أفراد أسرته، وإجباره على الاعتراف بما لم يفعله، والتعاون مع التحالف العربي، وأنه شهد مشاهد مروعة لتعذيب زملائه بالماء والكهرباء والنار، وأن بعضهم توفي أو تشوه أمام عينيه.
يقول: "شاهدت العديد من المحتجزين يموتون أمام عيني بسبب التعذيب والانتهاكات التي تعرضوا لها في سجون الحوثيين. توفي رجل من أبناء محافظة شبوة بسبب الضرب المبرح، فيما توفي آخرون بعد صعق الغرفة بالمياه المكهربة. من أساليبهم في التعذيب ملء الغرفة بالمياه وشحنها بالكهرباء وإدخالنا فيها. أيضا كانوا يضعوننا في غرف مظلمة ومزدحمة، ويحرموننا من النوم والماء والطعام. كانوا يضربوننا بالسياط والكوابل والهراوات وأعقاب البنادق. كانوا يحرقون أجسادنا بالسجائر والمواد الكيميائية. كانوا يهددوننا بالقتل والاغتصاب والتشويه. كانوا يسخرون من ديننا وعقيدتنا ومعتقداتنا".
ويؤكد نجم الدين أنه تعرض للإصابة بالشلل النصفي في يده اليمنى ورجله اليسرى، بسبب التعذيب الذي تعرض له، وأنه يعاني من مشكلات نفسية وصحية، ويحتاج إلى علاج مستمر، وأنه لم يتلق أي دعم أو مساعدة من أي جهة حكومية أو منظمة إنسانية.
وأشار إلى أنه عاش ثلاث سنوات وثمانية أشهر في سجون الحوثي، وأنه خرج منها وهو على أعتاب شيخوخة مبكرة، وأنه لم يستطع الاندماج مع أسرته ومجتمعه بسبب الصدمة النفسية التي تعرض لها.
ويذكر أنه في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تم تحريره وعدد من الأسرى الآخرين في أكبر عملية تبادل للأسرى في اليمن، برعاية الصليب الأحمر والأمم المتحدة، ولكنه لم يستطع الاستمتاع بحريته، بل اضطرت أسرته إلى نقله إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في مدينة النور بتعز، بعد أن هاجم أولاد عمه بالسلاح، نتيجة إصابته بحالة نفسية حادة.
ويؤكد الدكتور نبيل عبد الواحد، الذي يعمل في المستشفى، أن نجم الدين يعاني من شكوك وأوهام حول قيام أولاد عمه بالابتزاز وأخذ أمواله. ويقول الدكتور نبيل: "نجم الدين يشكل خطراً على عائلته وأقاربه، إذا لم يتلق العلاج".
يضيف: إن نجم الدين تلقى العلاج في المستشفى لمدة شهرين متتاليين، ثم سمح له بالخروج، لكنه لم يلتزم بتناول الأدوية والعلاجات اللازمة، مما أدى إلى عودته إلى حالته النفسية السابقة.
ويقول الدكتور نبيل، إن المستشفى استقبل خلال السنوات الأخيرة 30 شخصاً كانوا محتجزين في سجون الحوثي، لتلقي العلاج النفسي، بسبب الانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء احتجازهم. ويشير إلى أن بعضهم تحسنت حالتهم الصحية بشكل كبير، والبعض الآخر لا يزالون في حاجة إلى العلاج لشهور أو سنوات، وأن البعض الآخر فروا هاربين، ولا يعلم عن مصيرهم شيئا.
وينتقد الدكتور نبيل الصمت الدولي والمحلي تجاه معاناة المختطفين في سجون الحوثي، ويطالب بالضغط على الميليشيا لإطلاق سراح جميع المحتجزين، ومحاسبة المسؤولين عن التعذيب والانتهاكات بحقهم، ويؤكد أن المختطفين في سجون الحوثي يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي ومادي، لمساعدتهم على التغلب على آثار التعذيب والاحتجاز، وإعادة دمجهم في المجتمع.
ويقول: "هؤلاء الناس ضحايا لحرب لا علاقة لهم بها، ويستحقون الاحترام والتقدير والرعاية".
ويؤكد رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي، أن مليشيا الحوثي تستخدم وسائل متعددة للتعذيب، أبرزها: الإخفاء القسري، الحبس الانفرادي، تعليق الأيدي على السطح، التحقيقات الطويلة طوال الليل، الحرمان من النوم، الضرب في جميع أنحاء الجسد، الصفع في الوجه، الإعدامات الوهمية، الحرمان من ضوء الشمس، حرق الجسم، والحرمان من المياه النظيفة والأكل النظيف، وكذلك الوقوف لساعات طويلة على معلبات الفاصوليا.
وقال: توجد سجون غير قانونية لا تخضع للرقابة في مناطق مختلفة، وغالبا لا يمكن حصر المحتجزين فيها، كان عدد المحتجزين كبيرا في بداية الحرب، وتجاوز 20 ألف محتجز، ثم خفف العدد بسبب الوساطات المحلية، وإن كان هناك تقدير بأن عددهم ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف محتجز.
ويعاني جميع المختطفين الذين تم تحريرهم من سجون الحوثي من مشكلات نفسية وصحية، بسبب التعذيب الذي تعرضوا له، والذي ينتهك كل القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويشهد اليمن أزمة إنسانية خانقة بسبب الحرب التي تشنها ميليشيا الحوثي الانقلابية منذ سبتمبر 2014.