عندما استيقظت المكلا في 26 سبتمبر 1962م على صوت المذيع: هنا صنعاء.. هنا صوت الجمهورية
- تقرير/ محمد سعيد الحامدي - سبتمبر نت:
- 06:25 2023/10/06
يتذكر الصحفي والمناضل الوطني الأستاذ أحمد عوض باوزير (1926-2012م)، ذلك اليوم المشهود عندما كان يشغل منصب رئيس تحرير صحيفة الطليعة الحضرمية الصادرة بالمكلا (1959-1967م)، وكيف استقبل أبناء مدينة المكلا نبأ إعلان ثورة (26 سبتمبر 1962م)، فكتب قائلا:
أبناء المكلا يهنئون بعضهم بعضا
مع إشراقة شمس 26 سبتمبر 1962م دوى صوت المذيع من راديو صنعاء يعلن سقوط الملكية وقيام الجمهورية، ولا يبدو أن أحدا من سكان مدينة المكلا كان قد استمع الى صوت المذيع، حيث أن أجهزة الراديو في المدينة عادة تظل صامتة في مثل ذلك الوقت المبكر من النهار، إلا أنه يبدو أن أحدا لسبب أو آخر حاول أن يبدد ذلك الصمت عندما امتدت يده على جهاز الراديو، وفجأة انبعث من داخله صوت المذيع مجلجلا:
"هنا صنعاء.. هنا صوت الجمهورية العربية اليمنية"، ولأن منازل المواطنين في المدينة لا يفصل الواحد عن الآخر سوى بضعة ياردات.. فقد سرى صوت المذيع من منزل إلى آخر كما تسري النار في الهشيم.. وما هي إلا دقائق معدودات حتى كانت أجهزة الراديو الناطقة قد ازداد عددها، وهكذا استيقظت المدينة على أصوات المذيع ونغمات الموسيقى والاناشيد الحماسية، وهم في ذهول من أمرهم، ترى هل سقطت الملكية؟ وهل غادر الملكيون قصورهم مذعورين يملأ قلوبهم الهلع والخوف؟
وشيئا فشيئا صار ما كان حلما حقيقة، وفي الشوارع والأسواق انتشر المواطنون يهنئون بعضهم بعضا، وقد بدت على وجوههم الفرحة الغامرة بزوال عرش الإمامة عن جزء غال من الوطن ظل لعقود من السنين يعيش في ظلام دامس وعزلة وجهل وفقر في الأرض التي كانت سعيدة، وها هي اليوم تثور على واقعها البائس وتفك عنها القيود والأغلال التي كانت ترزح تحت أثقالها لتلحق بركب الحضارة والتقدم التي تفصلها عنها آماد طويلة.
هكذا كان انتصار الثورة
ويستطرد باوزير في سبر أغوار ثورة 26 سبتمبر: إذا كان ما حدث يبدو لأول وهلة مفاجأة للكثيرين، فإن العالمين ببواطن الأمور كانوا على يقين أن التغيير في اليمن قادم لا محالة، وأن تضحيات المناضلين في الداخل لن تذهب هدرا، ولقد آن الأوان لكي تتلقى الرجعية والملكية الفاسدة درسا يودي بها إلى أجلها المحتوم.
ويضيف الصحفي الحضرمي أحمد عوض باوزير: أتذكر حين كنت عائدا من جمهورية مصر العربية عقب تمثيل صحيفة الطليعة الحضرمية في احتفالات الذكرى العاشرة لثورة 23 يوليو المصرية، كان يجلس على جواري بمقعد الطائرة التي كانت تقلنا إلى عدن طالبان يمنيان كانا عائدين من إيطاليا لقضاء إجازتهما الصيفية في صنعاء، وقد دار بيننا حديث شائق وظريف حول الأوضاع السياسية في اليمن، وحول الحركة الوطنية والنضالية ودورها في تغيير الواقع المرير الذي تعيشه في ظل الحكم الإمامي الرجعي المتخلف، وخلال حديثنا عرفت منهما أن التغيير الجذري قادم، وأن الأوضاع هناك بلغت درجة من السوء لا يمكن تحملها، وبعد عودتي إلى مدينة المكلا في نهاية أغسطس كان الأحرار يضعون اللمسات الأخيرة على خططهم، وفي صبيحة 26 سبتمبر 1962م كانت الدبابات تقف في ميدان التحرير، وقد صوبت مدافعها نحو قصر البشائر، حيث كان يقيم البدر وأفراد أسرته، وتحين ساعة الصفر وتنطلق القذائف لتدك مبنى القصر، وتمكن البدر من الفرار متنكرا في ثوب امرأة، وهكذا تخلصت اليمن من حكم أسرة حميد الدين التي عاثت في الأرض فسادا، وزجت بالأحرار في سجونها، واستباحت دماءهم الزكية الطاهرة، وهكذا كان انتصار الثورة ضد رموز الملكية الطاغية بعد أن ولت مذعورة كالفئران..
باوزير عائد من صنعاء
وفي أول احتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر كان باوزير في صنعاء قادما من مدينة المكلا بحضرموت محتفلا مع ثوار سبتمبر بالثورة التي آمن بها، وبشر قراء صحيفته “الطليعة” الحضرمية بأن تشرق شمسها في كل ربوع الوطن، وكتب بعد ذلك سلسلة مقالات في صحيفة الطليعة بعنوان: (أنا عائد من صنعاء)، وصف فيها مشاهداته وانطباعاته كصحفي حضرمي في صنعاء عقب عام من ثورة 26 سبتمبر قائلا:
"أنا عائد من صنعاء.. أنا عائد من أرض البطولات.. أنا عائد من اليمن السعيد..
لم تعد اليمن بذلك البلد القابع وراء أسوار سجنه الذي فرضه عليه حكم الأئمة الفاسد طوال ألف عام أو يزيد.
لقد تحطمت كل جدران السجن الرهيب صبيحة يوم السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، وتهاوت كل الأصنام التي كانت تعبد هناك من دون الله..".