تتحدث لـ«الساحل الغربي» اليمنية سارة علوان.. و بشرى «سارَه» لأطفال مدينة تعز (قصة مصورة)

  • يحكيها : عبدالملك النمري ، الساحل الغربي :
  • 06:14 2022/11/03

من المحرر :
 
هذه القصة كُتبت وحررت وأعدت في وقت سابق للنشر الذي تأخر بعض الشيء، ونقدمها اليوم في هذا الظرف العصيب الذي تمر فيه زميلتنا وشقيقتنا الإنسانة والناشطة الإنسانية بامتياز سارة علوان، على سبيل التضامن والتحية والمؤازة، وننشد الدعوات لسارة بالشفاء والتعافي والعودة إلى مجتمعها ومحبيها وأسرتها موفورة الصحة والعافية.
بعد نهار حافل قضت نصفه في الركض واللعب مع أطفال مخيم بعيد للنازحين، لاذت سارة علوان بغرفة نومها باكراً.
 
كانت مجهدة وجسمها في حاجة لبعض الراحة، وإن هي لم تستطع منع طيف أحمد حسن، صوته، وبسمته الذابلة الجميلة من التدفق إلى مخيلتها لتظل يقظة حتى وقت متأخر.
 
 
اختلفت حياة سارة كثيراً منذ رحيل أحمد (12 عاماً) في شهر أبريل الماضي بعد رحلة مؤلمة مع مرض السرطان منذ كان في الثانية من عمره.
 
تقول مواسية نفسها "ارتاح طفلي من آلامه"، دون أن يخفف ذلك من حدة أمنيتها بأن ليته يشاركها مبادراتها مثلما تفعل معها ذكرياته التي لا تبتعد.
 
 
خسارة كهذه كان من شأنها أن تشل الرحلة الطوعية التي بالكاد بدأتها سارة، قبل أن تتحول ”إلى دافع وأحمد إلى مُلهم“، حتى إنها اليوم تخط إهداءً إلى روحه في كل عمل تفعله:
 
 
وهذا الطفل الذي لا تجد الشابة البالغة من العمر 27 عاماً بُداً في مناداته بـ"طفلي" لا تربطه صلة قرابة بها.
 
هو واحد من العشرات الذين استهدفتهم مبادراتها المنفذة بدءاً من أكتوبر/ تشرين أول 2020، والسّر أنه أكثر من الأطفال الآخرين تمكن من جذب انتباهها إليه في زيارتها الأولى إلى مركز الأمل لعلاج مرضى السرطان بمدينة تعز اليمنية.
 
 
عندما سابق سنه وغادر غرفة الاستقبال راكضاً بينما تطايرت خصلات شعره في الهواء، ليعود وهو يجر خلفه كرسيّا بلاستيكيا يكاد يكون بطول قامته.
 
"أتذكره حين انسحب من بين الجميع بصمت وغادر المكان، قلت في نفسي لا بد أن شيئاً ما أزعجه، وفيما رحت أفكر بما عساه يكون، تفاجأت أن ذلك الشيء هو بقاؤنا، أنا والمشاركات معي، واقفات لأنه لا يوجد كراسي نجلس عليها...".
 
 
في تعز، حيث تقيم سارة، كما في باقي المدن اليمنية يعتمد السكان على المبادرات والأعمال الإغاثية والإنسانية للتغلب على تبعات الحرب الأهلية التي تعيشها البلاد منذ ما يزيد عن سبع سنوات.
 
لكن هذه الأنشطة، سواءً نفذتها جهات أو أفراد، نادراً ما تستهدف الأطفال بصورة مباشرة، الأمر الذي لا تقبل به علوان.
 
تقول: "نتحدث عن سبع سنوات حرب، الأطفال لم يجدوا فرصة للاستمتاع بطفولتهم، بل أفقدتهم مشاهد السلاح وأخبار القتال براءتهم والكثير من حقوقهم، ومع أنهم الأكثر تأثراً بالحرب إلا أن حصتهم من الدعم تبقى الأقل.."
 
 
واهتمام سارة بأمر الأطفال لا يأتي بالمناسبة كاستجابة أو تدخل طارئ مثلما قد يبدو.
 
إنه "شغف" يصاحبها منذ المدرسة، عندما كانت ترى الذين يقومون بزيارات لدور الأيتام وتتساءل ”متى سأفعل مثلهم؟“، بل إن دافعها الأكبر يعود إلى ما قبل ذلك بعدة سنوات: إلى طفولتها.
 
توضح لـ"الساحل الغربي": "ترددت كثيراً قبل أن أفصح عن ذلك، في الواقع عشت طفولة صعبة نوعاً ما، كنا نسكن في محيط كله أغنياء، وكانوا يذهبون في إجازات صيفية إلا نحن، وعشان كان وضعنا صعب حرمت من أشياء أخرى كثيرة، فكبرت وعندي فكرة أنه كل طفل قدامي مش لازم أحرمه من شي..."
 
 
برغم من ذلك انتظرت سارة كثيراً قبل أن تطلق العنان لشغفها، فحتى تخرجها من كلية التجارة في جامعة خاصة بتعز لم تكن قد حققت أي مما تنوي فعله.
 
تتحدث أنها كانت تتهيّب القيام بمبادرة نظراً لقلة الإمكانيات، لكنها في لحظة فاصلة "اتخذتُ قراراً بأن أرمي بي إلى المكان الذي أراني فيه، قلت لنفسي هل أظل أنتظر الوظيفة التي لن تأتي، لا بد أن أقدم شيئا وإن كان بسيطا".
 
بزيارة الأطفال في دار سبيكة للأيتام الذي عرفت بوجوده من الفيسبوك، تبدأ سارة.
 
 
كان الدار حديث الافتتاح والوحيد في المدينة بعدما تسببت الحرب بإغلاق الدور الأخرى كافة، وهو المكان الذي ستقرر سارة فيما بعد أن تطفئ فيه شمعتها الـ27 على وقع تصفيق الأيادي الصغيرة هناك، أيادي صديقاتها وأصدقائها الجدد.
 
لماذا اتخذتِ ذلك القرار سارة؟ 
 
أجابت "الساحل الغربي" بقولها: "لا تروقني حفلات أعياد الميلاد عادة، البذخ، الوجوه المهنئة نفسها تقريباً(...) وفكرت ماذا لو نشارك فرحتنا آخرين محرومين من أشياء كهذه، عندها قررت أن أبدأ بنفسي، وكانت المرة الأولى التي احتفل فيها بيوم ولادتي".
 
 
لا تحصل سارة على دعم منتظم وثابت لتنفيذ مبادراتها، كما ليس لديها فريق واحد من المتطوعين/ات، بل تعتمد على حسابها الفيسبوكي في توفير كل هذا.
 
تتذكر يوم أعلنت عن حاجتها لمن يساهم بتغليف هدايا عيدية بسيطة مخصصة للأطفال، قبل أن يبادر ثلاثة متاجر، ويبدي شباب وشابات استعدادهم للمشاركة في تنفيذ النشاط، ويتطوع أحدهم بالتوثيق. وهذا ما يتكرر في جميع المبادرات.
 
 
من قمة جبل صبر ثاني أعلى المرتفعات في اليمن والجزيرة العربية، ستبدو لك مدينة تعز في الأسفل قاعا مفروشا بالحصى بينما تكتسي حولك الحقول باللون الأخضر، ذلك ما شاهدته سارة وفريقها عندما باشروا توزيع تلك العيديات على الأطفال نزولا إلى حي فقير شرق المدينة.
 
إلى جانب تشجيع العائلة، كان للبسمة التي تراها مرسومة على وجوه الأطفال دور محفز للاستمرار فيما تقوم به، وقد تضاعف أكثر باستلامها مؤخرا ”رسائل في الماسنجر من فتيات يأخذن مشورتي“ لينفذن مبادرات مماثلة في عدة مدن يمنية.
 
خلال عام عملت سارة علوان مبادرات طوعية كثيرة حرصت أن تكون منوعة ولشرائح مختلفة من المجتمع.
 
وتتحدث بأنها ستولي الآن اهتماما خاصا بالأطفال الذين ينتمون إلى شريحة المهمشين (ذوي البشرات السمراء). 
 
 
دون أن يمنعها ذلك بالطبع من القيام بأعمال أخرى بما فيها تكرار أعمالها السابقة، وتستثني منها زيارة مركز الأمل لعلاج السرطان.
 
"بعد رحيل طفلي أحمد حسن أجد صعوبة في زيارة المركز، لم يكن مجرد طفل، كان جبر خاطر لي وأتمنى أنني كنتُ له أيضًا". قالت سارة، وانزلقت هذه المرة دمعة على خدها المغطى باللثام الأسود.
 
 
شعور الوحدة كان مسيطرا على أحمد، بحسب قولها، فوالده كان معظم الوقت منشغلا بعمله في المدينة، بينما أُجبرت والدته على رعاية صغارها في منطقة القاعدة الواقعة على بعد سبع ساعات سفر.
 
بقيت سارة على اتصال به وتزوره من وقت إلى آخر، حتى إنها اصطحبته في أحد الأيام إلى حفلة أعادت فيها فرقة فنية غناء شارات مسلسلات الكرتون القديمة.
 
ها هو أحمد بقميص أبيض يجلس على أحد الكراسي القريبة من المسرح، يستمع إلى الموسيقى والأغاني المألوفة التي يردد كلمات بعضها بسهولة، وبرغم ضوء القاعة الخافت كانت أسنانه تلمع كلما ابتسم.
 
 
وفي لحظة سكون بدت الدهشة على وجهه المستدير، وراح يوزع نظراته بين والوجوه الشاحبة من حوله وبين شاشة العرض، كان بحاجة لبعض الوقت حتى يتأكد من أن هؤلاء الأشخاص الظاهرين في الشاشة وبينهم شخصيات مشهورة يتحدثون حقاً إليه، ويخبرونه بأنهم يهتمون لأمره متمنين له التعافي.
 
"أردته أن يشعر بوجودنا جميعاً إلى جانبه، لن أنسى فرحته في ذلك اليوم وهو يشاهد أشخاصا يعرف ويتابع بعضهم وهم يحدثونه كأنه صديق لهم، فضلا عن تصفيق الجمهور".
 
 
 
 
 

ذات صلة