عن ثورة صنعاء الأولى "لا نريد العلوي ولا يدخل بلدنا"

  • كتب / بلال الطيب :
  • 02:56 2022/06/25

بطلب من أبي العتاهية عبدالله بن بشر بن طريف - أحد موالى آل يعفر - وبعد أربع سنوات من مقدمه إلى صعدة، توجه الهادي يحيى بن الحسين بـ 750 مُقاتل صوب صنعاء، لاقاه الأول وجماعة من خُلص أصحابه في منطقة تسمى حدقان بالقرب من شبام، ودخلا معًا ذات المدينة ليلة 23 محرم 288هـ / 16 يناير 901م.
 
وكان أبو العتاهية قد تخلص من بني عمومته المشكوك في ولائهم بأنْ أرسلهم بقيادة عبدالله بن جراح إلى منطقة السر؛ وذلك بعد أنْ أوهمهم أنَّ إمام صعدة سيجتاح صنعاء من تلك الجهة، وفي اليوم التالي، وأثناء صلاة الجمعة عاد هؤلاء مُغاضبين، وقاموا بِمُعاضدة سكان المدينة السُنيين بثورة عارمة، وتجمع أكثر من 10,000 منهم وهم يُرددون: «لا نريد العلوي، ولا يدخل بلدنا»، وكان آل طريف يحرضون الناس على القتال وهم يقولون لهم: «أنصرونا على هذا الغريب نخرجه من وطننا وبلداننا إلى جبل الرس».
 
بدأ الثوار بمناوشة أنصار الهادي يحيى، هزموهم في الكرة الأولى، ثم حمل الهادي عليهم بنفسه، هزمهم، وطاردهم - كما أفاد كاتب سيرته - إلى خارج أسوار صنعاء المنيعة، وحين استتب له أمر المدينة، وبايعه سكانها، ضرب اسمه على العملة، وحبس الثوار من بني طريف، وغيرهم، وأخذ سلاحهم، ودوابهم، وفرقها على الطبريين.
 
وقبل التعمق أكثر في تفاصيل ما حدث بعد تلك الواقعة، نُعطي لمحة مُوجزة عن حكام صنعاء خلال المئة عام السابقة لتلك الثورة، حيث تعاقب على حكمها ولاة الدولة العباسية، ثم آل يعفر، ومواليهم من آل طريف، وحكمها أيضاً شيخ بكيل الدعام بن إبراهيم - كما أفاد الهمداني - ولكن لوقت يسير.
 
يُنسب آل يعفر إلى يعفر بن عبد الرحيم الحميري مُؤسس دولة بني حوال في شبام 227هـ، الذي استمر مُقاومًا للولاة العباسيين، واستولى على صنعاء، إلا أنَّ ولده محمدًا خالفه، وأخذ البيعة للمُعتمد العباسي 257هـ، وضم إلى صنعاء جميع مخاليف اليمن باستثناء تهامة التي كان فيها إبراهيم بن زياد، ونكل بمعارضيه من الأبناء (الفرس) وغيرهم شر تنكيل، وأظهر الولاء لابن زياد، وذكر اسمه في الخطبة.
 
وحين عزم على التوجه من صنعاء جنوبًا للسيطرة على لحج، استخلف ولده إبراهيم، وهكذا صار الأخير الحاكم الفعلي حتى بعد عودة أبيه، لتأتيه الأوامر من جده يعفر بأنْ يقتل أباه وعمه 270هـ، وحين أتم جريمته بيده، وفي صومعة مسجد شبام ثار الناس عليه، ليتولى الإمارة عمه عبد الرحيم، لتبدأ دولتهم بعد تلك الحادثة بالترنح والانحسار.
 
بعد ثلاث سنوات من تلك الحادثة اجتمع أهل صنعاء من الأبناء وغيرهم، وأخرجوا آل يعفر منها، وخربوا وأحرقوا دورهم، وفي صفر 279هـ / مايو 892م وصل علي بن الحسين المعروف بـ (جفتم) من بغداد واليًا على ذات المدينة باسم الدولة العباسية، وحكمها لثلاث سنوات، ليستعيد آل يعفر بعد مغادرته اليمن حكمها، وكان أسعد بن يعفر آخر سلاطينهم الأقوياء.
 
أما آل طريف فينسبون إلى طريف بن ثابت الكباري مولى الأمير يعفر بن عبدالرحيم، وقد أرسله الأخير عام تأسيس دولته لاجتياح صنعاء 227هـ، إلا أنَّه مُني بهزيمة نكراء، وقد ظل وأولاده على ولائهم لآل يعفر، حُكامـًا باسمهم على بعض المناطق، وقيل أنَّهم وبعد خروج علي جفتم والي الدولة العباسية من صنعاء 282هـ، استبدوا بأمر المدينة، بمساعدة عساكر عباسيين كان قد استبقاهم الأخير، وحكموها باسم آل يعفر لعدة سنوات، ثم اختلفوا، ودارت بينهم حروب وخطوب.
 
قال كاتب سيرة الهادي يحيى عن آل طريف: «فإنَّهم قد كان اقتطع كل رجلٍ منهم بلدًا من اليمن يأكله جورًا، وظلمًا، وفسقًا»، واتهمهم أيضاً بالفجور، وشنع على أحد قادتهم ويدعى إبراهيم بن خلف، واتهمه بسبي نساء جيشان (ذي رعين)، وبيعهن، وأنّه كان لديه نساء فواسد، وجلها حد وصفه أسباب اجتمعت وجعلت ابن عمهم أبو العتاهية يستنجد بالإمام الرسي، كما سبق أن ذكرنا.
 
في أواخر الشهر التالي من دخوله صنعاء، توجه الهادي الرسي يحيى صوب شبام، أخذها وكوكبان من آل يعفر، وجعل عليها ولده محمد، ثم سار بقواته جنوبًا، سيطر على يكلا، ثم سُمح، ثم ذمار، ثم منكث من بلاد عنس، ثم جيشان، ثم ثات بالقرب من رداع، وجعل على تلك المناطق الولاة من قبله. أما صنعاء فسبق أن جعل عليها أخاه عبدالله، وبعد عودته من رداع، وخروجه الثاني إلى شبام، جعل عليها ابن عمه علي بن سليمان بن القاسم، وجعل على الأخيرة محمد بن عباد التميمي، والأخير كان وزيرًا لأبي العتاهية السابق ذكره، وكان من جُملة مُستقبليه في منطقة حدقان.
 
قام الهادي يحيى حينها بحبس أمراء آل يعفر وكبيرهم أسعد بن يعفر، ووزعهم على سجون صنعاء، وشبام، وقُدم، وذلك بعد أنْ استدرجهم بالحيلة إلى مجلسه؛ فما كان من أنصارهم وأنصار آل طريف إلا أنْ استغلوا إرساله لعدد كبير من قواته شمالًا، وثاروا عليه، منهم من توجه إليه في شبام، وقاموا بقتل محمد بن عباد جمادي الآخر 288هـ / يونيو 901م، وذلك بعد عدة أيام فقط من تعيين الأخير عاملًا عليها.
بالخيـلِ عـابــســةٍ وبالأبــطال
لست ابن أحمد ذا المكارم والعـــلا
إن لـم أُثـــرِ نقــعًا بصـــحن أزال
 
غادر الهادي يحيى صنعاء ذليلًا مدحورًا، مُنهكًا مقهورًا، وهو العنيد المـُـتهور الذي لا يستسلم بسهولة، طلب من الدعام بن إبراهيم فور أنْ التقاه في منطقة ورور أنْ يمده بالمال والرجال كي يعاود حربه مع آل طريف وآل يعفر، إلا أنَّ شيخ بكيل من أدرك عواقب تلك المـُـغامرة مُبكرًا، رفض ذلك، فما كان منه - أي الرسي - إلا أنْ عاد خائبًا إلى عاصمة دولته، لا ليستقر ويرتاح؛ بل ليبدأ حرباً جديدة مع قبائل نجران، والأكيليين.
 
 
- من كتاب (المتاهة.. الحلقات المفقودة للإمامة الزيدية في اليمن).
 

ذات صلة