أسر الشهداء والجرحى في تعز يروون لـ"منبر المقاومة" معاناتهم اليومية والمصير المجهول الذي يواجهونه – (تحقيق)

  • الساحل الغربي - خاص
  • 12:00 2020/06/26

خاص - منبر المقاومة - عبدالصمد القاضي: "زمن الضياع" إسم أطلقه أسر الشهداء والجرحى على الحال الذي وصلوا اليه منذ أن دشنت المليشيات الإنقلابية حربها ضد أبناء اليمن، حيث ساقت بحربها الكثير من الأسر إلى مربع التشرد وخيام اللاجئين وأرصفة شوارع المدن باحثين عن لقمة عيش وكسرة خبز وحبة دواء تساعدهم على البقاء على قيد الحياة، ودفعوا ثمنها فلذات أكبادهم أو أجزاء من أجسادهم أو إعاقات مستديمة جعلتهم عالة على من حولهم.
 
ومع استمرار حرب المليشيات الحوثية تضاعفت معاناة أسر الشهداء والجرحى بمختلف المناطق ، وأضحت الكثير من الأسر تكافح لتحصل عن قوت يومها وتدفع ثمن ذلك مشقة الحياة، وكفاح في سبيل العيش الكريم. وبحسب احصائيات حقوقية وثقت ضحايا القصف والقنص والاعتقال ومختلف أنواع التنكيل الذي تمارسه مليشيات الحوثي، يزداد عدد أسر الضحايا من شهداء وجرحى عام بعد آخر. وقد بلغ عدد أسر الشهداء المدنين الذي فقدوا أرباب أسرهم منذ يونيو 2015 حتى نهاية أبريل من العام الجاري أكثر من 1378 أسرة. وتجاوز عدد الجرحى خلال الفترة ذاتها أكثر من 11569 جريح معظمهم يعانون من إعاقة مستديمة ليصبحوا بذلك عالة على أسرهم، وبلغ عدد الذين تعرضوا للاعتقال والاخفاء القسري 25000 معتقل ومخفي قسري في سجون المليشيات الإنقلابية، خسروا أعمالهم ومصادر دخلهم الوحيدة لتتفاقم معاناة أهاليهم وتقف حياتهم على حافة الضياع وقارعة الكفاح لأجل البقاء. الشاب عدنان جمال سعيد أحد ضحايا قناصة المليشيات الحوثية المحاصرة لمدينة تعز أصيب بطلقة قناص في حي الروضة وهو يعمل على دراجته النارية التى تعتبر مصدر دخل أسرته الوحيد ليتحول بعد تلك الحادثة الى عاطل عن العمل ومعاق. "منبرالمقاومة" التقى الجريح عدنان ليسرد بعضاً من تفاصيل ما تعرض له، فبدأ حديثه بالقول: أنا يتيم الأب وأب لبقية إخوتي، فقدت أبي وترك على عاتقي الكثير من المسؤوليات أبرزها لقمة عيش أمي واخوتي وتعليمهم، جمعت أمي ما تبقى من المال " لتشتري لي دراجة نارية نعتمد عليها كمصدر دخل، استمريت في العمل بها أكثر من عامين ونصف قبل أن يعلن الحوثي الحرب ، بداية الحرب في تعز تفاقمت معاناة أسرتي نتيجة تدهور العمل والحصار والقناصة من كل الاتجاهات تستهدف أي شيء يتحرك بالشارع ، وفي ظهر أحد الأيام وأنا اعمل على دراجتي لتوصيل كيس دقيق لأحد المنازل بحي الروضة كات الحياة هناك مهدد بالخطر الدائم، سمعت رصاصة قناص تخترق جسدي من ناحية الظهر لتسقطني على الأرض ومن شدة الخوف لم يأتي أحد لإسعافي إلا بعد وقت متأخر، كنت على أمل أن أعود كما كنت للكفاح من أجل الرغيف والدواء لكني أصبحت طريح الفراش وعالة على أسرتي، كلما مر عام أرقب متى يكبر أخي الأصغر ليقوم بالمسؤولية، أصبحت المساعدات الإنسانية مصدر حياتنا الوحيد وما يقدموه لنا فاعلي الخير ، كم أندم على نفسي حين يفتك بي الصداع ولا أجد حبة دواء تهدئ ألمي ، أتحمل كل ذلك بصمت لكي لا يعبس وجه أمي وتنكسر قلوب إخوتي الصغار، لم تتحمل أمي الوضع المعيشي الصعب لتبادر ببيع كتب في شوارع المدينة لتوفر لقمة عيش كريمة وتخفف ما أثقلته الحرب علينا ومع ذلك لم يكن بالقدر الكافي، كل اخوتي توقفوا عن الدراسة ولم يكن بوسعنا دفع تكاليف ونفقات دراستهم بعد أن أضاعت الميليشيا الحوثية حقهم بالتعليم وحلمهم بالحياة كالآخرين. أسرة محمد حمود حاتم مكونة من خمسة أطفال وأم، أجبرتهم مليشيات الحوثي على ترك منزلهم بعدما تعرض لقصف مدفعي مباشر نهاية عام 2017، أصيب رب الأسرة محمد حمود بشظايا خطيرة فارق على إثرها الحياة قبل وصوله المستشفى، ليمكثوا بعد ذلك في دكان للإيجار تقول عائشة سهل (زوجته ) لـ"منبر المقاومة" انكسر جناحنا بمقتله وتلاشت الظلة التى كانت تجمعنا تحتها لتتوحش فوق رؤوسنا أزمة المعيشة في زمن حرب لا تنتهي وأطفال لا يستطيعون تحمل تحديات الحياة. الحوثيين قتلوا زوجي في عقر داره وخلفوا أيتام لا يمتلكون قوت يومهم بلا مأوى ولا طعام، اكبر اطفالي لم يتجاوز 12 عاما لايقوى على فعل شيء، جميعهم تركوا المدرسة نتيجة الظروف المادية الحرجة، وأكبرهم يقوم ببيع بطاط حنيذ وبيض مسلوق بأرصفة الشوارع، وقد أصبح عمله مصدر قوتنا الوحيد، يخرج من البيت وقلبي معلق به حتى يعود خوفاً من الوضع الأمني السيء أو الانجرار خلف التنظيمات المسلحة، كل ذلك لم يغطي إيجار الدكان الذي نسكنه وتكاليف المعيشة، تعرفت خلال فتره قصيرة على مؤسسات خيرية وجمعيات لرعاية أسر الشهداء والجرحى بواسطة بعض المعاريف هنا ، أسرعت بتقديم الملف وكل ما يلزم من شهادات وفاة ووثائق أخرى تثبت تشرد اسرة ضحية قصف المليشيات، ومرت الأيام والشهور ولم يعد لنا ردا من قبل تلك المؤسسات، الذهاب، مدير إحدى المؤسسات أخبرني أن الدعم قليل وأن الاسماء حسب الأولوية حتى يصل إلى أسرتي، ما بوسعي أن أفعل تجاه أطفال يتضورون جوعا وخوفاً من أن يطردنا صاحب الدكان، ما يلهب قلبي دائما حين يسألني صغيري ، ماما ليش أبي ما عاد يجي عندنا، أقف عاجزة عن الإجابة واتمنى لوكان تهدم المنزل على رؤوسنا جميعاً.يتردد على سكني الكثير من الراصدين ، والخيرين لكن لم نجد ثمرة لذلك، سوى سلة غذائية من برنامج الغذاء العالمي. تقول أم عمار الشميري لـ "منبر المقاومة": تعرض ولدي للاعتقال من مقر عمله بمنطقة الحوبان ولا نعرف سببا لذلك، كان ولدي ضوئنا الوحيد لكل الأسرة، والده تعرض لجلطة فارق الحياة على إثرها بعد معرفته باختطاف ابنه البار، تركنا القرية باحثين عن لقمة عيش من فاعلي الخير بالمدينة لكن ذلك كان سببا بأن أخسر ولدي الآخر لينظم إلى فئات الشباب المهاجرين للحدود وذهب ولم يعد ولا ندري عنه شيء حتى الآن، أظلمت الدنيا بأعيننا وخيمت المعاناة على أسرتي لتتحول إلى أرصفة وشوارع المدينة بحثاً عن مايسد رمق جوعنا وكسرة خبز اطعم به بقية أطفالي، بفعل المليشيات الحوثية وجريمة الاختطاف كان ضياع أسرتي وجحيم لا يطاق. وقد أضحت أسر الضحايا المدنيين فريسة للمليشيات الحوثية أمام صمت حكومي وموقف ركيك من قبل الجهات المعنية برعاية أسر شهداء وجرحى الحرب منذ ستة أعوام. في زيارة لـ "منبر المقاومة" لأحد مقرات مؤسسة خاصة بالجرحى والشهداء تقول رئيسة المؤسسة التي امتنعت عن الافصاح عن إسمها: تجاوز عدد الوافدين الى المؤسسة الآلاف من الأسر المتضررة بسبب قصف وانتهاكات مليشيات الحوثي منهم من هدمت منازلهم ومنهم من هجروا لكن أكثر الحالات تضرراً هم أسر الشهداء والجرحى المدنين ، والأرقام كبيرة جداً، تواصلنا منذ الوهلة الأولى مع مسؤولين بالحكومة وأصحاب نفوذ، وتلقينا الكثير من الوعود لمساندة قضية أسر الضحايا، وعلى هذا الأساس شملت المؤسسة الكثير من الملفات الخاصة بتلك الحالات المحتاجة لمساعدات طارئة لكن الاستجابة من قبل الداعمين قليلة جداً مقارنه بكثافة الحالات التى رصدت ، بعد مرور فترة تزاحمت الاستفسارات من قبل الأسر حول المساعدات الموعودة بها ، لنتواصل مع الجهات المعنية والحكومية ونتفاجأ بقولهم لم نستطيع أن نلبي احتياجات جرحى وشهداء المقاتلين فكيف سنغطي احتياجات المدنين واعدادهم الكبيرة. اللجنة الطبية للجرحى ترد بنفس الإجابة وأنها مختصة للجرحى المقاتلين ومتكفلة بعلاجهم ولا يخصها الجرحى المدنيين لتتخثر جراحهم على أسرتهم، وتضيف رئييسة المؤسسة: الجرحى المدنين أكثر ضحايا الحرب تضرراً وأسر الشهداء والجرحى كذلك يعانون أزمة حقيقية وينتظرهم مستقبل مجهول اذا استمرت دائرة الحرب وانتهاكات المليشيات. الدكتورة سميرة جبارة توضح لـ "منبر المقاومة" بعض الآثار المترتبة على أسر الشهداء والجرحى في ظل وضع مأساوي يرثى له: ما تعانية الأسر في ظل استمرار الحرب سيقودها الى أزمات اقتصادية ونفسية كبيرة مهما استمرت المساعدات الإنسانية وفاعلي الخير، فكل ذلك لا يغطي الاحتياجات الأساسية لهم ولم يؤمن حياتهم المرهونة لدى الآخرين، وما ينبغي على الجهات المعنية تجاه هذه الأسر هو تأهيل جدي لبعض المهن اليديوية والحرفية ليسهل عليهم دخول أسواق العمل أو تمليكم واشراكهم بمشاريع تنموية لتأمين حياتهم المستقبلية وضمان نشوء أطفالهم تنشئة سليمة بعيدا عن مخاطر الإنضمام للجماعات المسلحة والمتطرفة نتيجة استغلال ظروفهم المعيشية ، بالإضافة إلى الآثار النفسية المتراكمة عليهم فالكثير من الأسر بحاجة ماسة لتأهيل نفسي يرمم ما خلفته الحرب من صدمات نفسية كبيرة تؤدي تلك الصدمات أحيانا إلى وفاة مفاجئة لبعض من أفراد العائلة. الناشط الحقوقي راشد محمد يشير إلى أن اهتمام الحكومة والدول الشقيقة والصديقة بالجرحى اليمنيين لعب دورا كبيرا في التخفيف عن معاناتهم غير أنها لم تكن كافية وليست بالشكل المطلوب نظرا للعدد الكبير للجرحى ممن يحتاجون للعلاج خارج اليمن ومنهم حالاتهم خطيرة وتحتاج إلى رعاية واهتمام خاص إضافة لتكاليف المعيشة لأسرهم كما كان لدولة الإمارات المتحدة دور بارز في التخفيف عن معاناة أسر الضحايا بتدشين المشاريع التنموية ومشاريع التأهيل النفسي. الراصدة خديجة المجيدي في تصريح)لـ"منبر المقاومة" تروى تفاصيل القهر والألم وما يؤرق أسر الشهداء والجرحى على مدى السنوات الماضية: من خلال تجربتي بمتابعة ورصد الانتهاكات التى تمارسها المليشيات الحوثية وما تخلفه من مآسي وأضرار جسيمة اثرت وبشكل بليغ على الحياة المعتادة ومعيشة الناس، ولكن للجرحى نصيب الأسد من الوجع والمعاناة، وأصعب من ذلك أن ترى قريبك أو صديقك او جارك يصارع الوجع ولا تستطيع أن تخفف من ألمه أو ترسم البسمة بشفاته. أسر الشهداء كذلك يرحلوا ويتركون خلفهم وجع لا ينتهي، ورغم المناشدات المتواصلة فإن كل الجهود تذهب أدراج الرياح، ورغم ذلك ماتزال المناشدة مستمرة لإنقاذ حياة الجرحى ولفت النظر لأسر الشهداء واستكمال تحرير اليمن من شرذمة المليشيات الإنقلابية. ومع استمرار حرب المليشيات وتهاون الجهات المعنية تتضاعف معاناة أسر الشهداء والجرحى بين الشتظي والتشرد والضياع، ويبقى حلمهم معلق بأمل يرمم ما أوجعهم.
 

ذات صلة