نزح "مانع" 6 مرات خلال 7 سنوات.. أطفال ومآسِ في مخيمات النزوح في مأرب
- الساحل الغربي ، العرب :
- 03:17 2022/03/05
مأرب تؤوي ما يزيد على مليونين و230 ألف نازح، يتوزعون على ما يفوق المئة موقع (186 مخيماً)، بينما 12 في المئة منهم يتوزعون على مناطق وقرى وتجمعات سكنية.
يواجه الآلاف من الأطفال اليمنيين في مخيمات النزوح بمحافظة مأرب شرق البلاد أوضاعا مأساوية، في غياب أدنى مقومات الحياة في هذه المخيمات وتراجع الدعم المقدم من المنظمات الإنسانية.
ولم يكن الطفل اليمني مانع ربيع يتصور أن يتجرع مرارة النزوح ست مرات خلال سبع سنوات فقط، هي نصف عمره؛ جراء الحرب التي تشهدها بلاده منذ عام 2015.
وتنقّل مانع مع أفراد أسرته في ستة مخيمات نزوح بمأرب منذ النزوح الأول من منزلهم بمديرية صرواح غرب المحافظة إلى مخيم ذنة الذي أقيم آنذاك في منطقة مجاورة، في بدايات الحرب.
واستقر به المقام اليوم في مخيم “السُميّا” للنازحين جنوب شرق مأرب، وهو أحدث المخيمات، إذ يعود إنشاؤه إلى أكتوبر من عام 2021، بعد سيطرة المتمردين الحوثيين على ثلاث مديريات جنوب المحافظة.
ويؤوي مخيم السُميّا 1500 أسرة، يمثل الأطفال الغالبية الكبرى بينها، وتعيش هذه الأسر في خيام ضيقة تفتقد إلى دورات المياه، وتعاني من نقص الغذاء وانعدام الرعاية الصحية والتعليمية والكهرباء، وتقاسي حر النهار وبرد الليل.
وفي أحد مربعات المخيم الأربعة تنصب مجموعة من النازحين خيمة تستقبل 180 تلميذا يفترشون الأرض، في غياب وسائل التعليم؛ حتى الكتاب لا توجد سوى نسخة واحدة للمدرس ولثلاث متطوعات يقمن بتدريس الأطفال في ظروف صعبة.
وتقف المدرستان مشرهة الحجازي وهلية طعيمان مع وكيلة المدير فكرة الحجازي أمام باب الخيمة، لتنظيم خروج ودخول الأطفال، وتؤكدان أنه رغم معاناة سبع سنوات من النزوح فإنهم لم يستسلموا، ويصرون على التعليم الذي يمثل بالنسبة إليهما مخرجاً من الوضع الراهن، ولا يطالبان الجهات الحكومية سوى بتوفير أدنى الاحتياجات للخيمة التي تمثل مدرسة، وأغلب الأطفال (حوالي 3000 طفل) في المخيم لا يحصلون على تعليم.
ويتحدث نائب مدير مستشفى كرى في مديرية الوادي (حكومي) محمد الشرقي عن الضغط الذي يواجهه المستشفى الذي يمثل الملاذ الأول للنازحين، خصوصاً في الأشهر الأخيرة. ويقول الشرقي إن المستشفى يقع قرب عدة مخيمات، ويواجه عبئاً كبيراً في تقديم الخدمات الصحية.
ويوضح أن ما لا يقل عن 700 نازح يترددون على المستشفى يومياً يمثل الأطفال منهم 70 في المئة، 50 في المئة منهم يعانون سوء التغذية وأمراض البرد، مؤكداً أن 3 أطفال فقدوا الحياة نتيجة البرد في المخيمات خلال الشهرين الماضيين.
ويمثل مخيم الجفينة جنوب مأرب أكبر مخيمات النازحين في المحافظة وأقدمها، وذلك منذ منتصف 2015 حين ابتعد خطر الحوثيين عن المدينة، إلا أنه بدا حالياً أكبر من مخيم وأصغر من مدينة، وبدأ سكانه ترتيب وضعهم المعيشي مستغلين الفرص المتاحة، وتحولت خيامهم إلى بيوت صغيرة من الطوب مبنية بشكل بدائي.
ويبدو أن سكان هذا المخيم أقل معاناة من نظرائهم في المخيمات المستجدة، كون العديد من أرباب الأسر تمكنوا من إيجاد مصادر رزق، ولم يعودوا يعتمدون فقط على ما تمنحه المنظمات من مساعدات غذائية.
كما أن هناك مدارس انتظمت فيها نسبة كبيرة من الأطفال، إضافة إلى توفر خدمة الكهرباء، لكن تبقى الرعاية الصحية هي المعضلة التي يعاني منها الجميع بالمخيم في ظل الكثافة السكانية.
وفي الحادي والثلاثين من ديسمبر الماضي لقي ثلاثة أطفال حتفهم، وأصيب ثلاثة أشخاص آخرون جميعهم من أسرة واحدة، نتيجة حريق في مسكنهم، التهم أيضاً 35 مسكناً مجاوراً في ذات المخيم الذي يضم نحو 8863 أسرة.
ويؤكد مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب (حكومية) سيف مثنى أن حجم النزوح تزايد خلال الأشهر الأربعة الأخيرة سواء من مديريات مأرب أو من محافظات أخرى إلى مناطق آمنة في مأرب لم يصل إليها الصراع.
ويُبيّن مثنى أن مأرب تؤوي ما يزيد على مليونين و230 ألف نازح، يتوزعون على ما يفوق المئة موقع (186 مخيماً)، بينما 12 في المئة منهم يتوزعون على مناطق وقرى وتجمعات سكنية.
ولم يحدد رقماً لأعداد الأطفال، لكنه أكد أنهم يمثلون الغالبية الكبرى من النازحين، مشيراً إلى أن أكبر المخيمات “الجفينة” يضم أكثر من 75 ألف نازح، والسويداء 14 ألف نازح، والسُميَا 12 ألف نازح.
ويقول مثنى إن 40 مخيماً تم استحداثها نهاية العام 2021، مقابل إغلاق 17 بسبب هجمات الحوثيين عليها وقصفها بالصواريخ الباليستية.
ويعتبر أن أكبر معضلة هي أن الفجوة بين الاحتياجات الأساسية للأعداد المتزايدة من النازحين وبين ما تقدمه المنظمات آخذة في الاتساع، وأن ما يتم تقديمه لا يفي بالغرض، في حين يتطلب الوضع تدخلات من قبل المنظمات تلبي الاحتياجات.
ويذهب رئيس منظمة “سياج” لحماية الطفولة (غير حكومية) أحمد القرشي إلى القول إن واقع النازحين وخاصة الأطفال الذين يشكلون الأغلبية يؤكد وجود قصور كبير ومعيب في ما يخص المساعدات الإنسانية الخاصة بهم، في مجالات الغذاء والتعليم والحماية من العنف والدعم النفسي والاجتماعي.
ويقدّر القرشي أن السياسات والأولويات التي تنتهجها المنظمات العاملة في هذا المجال بها جوانب قصور وتحتاج إلى مراجعة جادة بما يحقق كفاءة أكبر.
ويشير إلى أن منظمته لاحظت أن معدلات الانتهاكات ازدادت بشكل كبير وغير مسبوق، منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء والمحافظات ذات الكثافة السكانية الأعلى، وأبرزها الانتهاكات الستة المشمولة بقرار مجلس الأمن 1612 لسنة 2005 وغيره.
ويضيف أن “أكثر من 4 ملايين نازح قسرياً أغلبهم من مناطق سيطرة الحوثيين، يمثل الأطفال أكثر من نصفهم، كما أن أكثر من مليون طفل تعرضوا للتجنيد الفكري والعقائدي في المدارس من قبل الجماعة”.
وحسب تقديرات “سياج” ازداد معدل الأطفال الذين تم إشراكهم في النزاع المسلح إلى أكثر من 500 في المئة عما كان عليه الحال في 2013، كما أن استغلال الأطفال في أسوأ أشكال عمالة الأطفال بمن فيهم النازحون ازداد 3 أضعاف عما كان عليه الحال قبل الحرب.
وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، في فبراير الماضي عن نزوح نحو 16 ألف يمني جراء الصراع، منذ مطلع العام الجاري 2022. وأوضحت المنظمة في تقرير أنها “رصدت نزوح ألفين و638 أسرة يمنية، يبلغ عدد أفرادها 15 ألفا و828″، نزحوا جراء الصراع منذ بداية هذا العام حتى الخامس من فبراير الجاري، ومعظمهم تشردوا بسبب الصراع في محافظات مأرب والحديدة (غرب) وتعز (جنوب).