"لعــــبة الشــــــيطان"..!
05:17 2021/08/17
توظيف الجماعات الإسلامية المتطرفة في مهام سياسية لعبة أمريكية أطلق عليها الكاتب الأمريكي روبرت دريفوس اسم لعبة الشيطان. وقد وظفت الولايات المتحدة الامريكية هذه الجماعات على طول تاريخها الإمبراطوري بكفاءة تحسد عليها. واحد هذه الجماعات هي جماعة طالبان وهي نموذج واضح يمكن رصد مراحله وفهم ابعاده لندرك ابعاد هذه اللعبة الشيطانية التي لاتزال تمارس على نطاق واسع على المستوى العالمي وفى القلب منه عالمنا العربي والإسلامي.
مع وباستخدام جماعات إسلامية يقارب عددها الأربعة الاف جماعة وتستخدمها أمريكيا بالأساس وتستخدم أيضا من قبل قوى دولية وإقليمية ومحلية مختلفة في سياقات متعددة في إطار لعبة الأمم الدائرة باستمرار على مسرح التاريخ الإنساني الحالي.
طالبان نشأت الحركة الإسلامية الدينية المعروفة باسم طالبان في ولاية قندهار الواقعة جنوب شرق أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994م، على يد الملا محمد عمر، وهو أبو طالبان حيث رغب في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994م.
الانتماء العرقي ينتمي معظم أفراد حركة طالبان إلى القومية البشتونية التي يتركز معظم أبنائها في شرق وجنوب البلاد ويمثلون حوالي 48% من تعداد الأفغان البالغ قرابة 27 مليون نسمة. منهج وانتماء طالبان الفكري تعتنق طالبان العقيدة الإسلامية السنية المبنية على الدليل الشرعي من القرآن والسنة الصحيحة ويميلون إلى المذهب الحنفي وربما يتشددون في ذلك شأنهم شأن الشعب الأفغاني ويتسامحون مع مخالفيهم من غير بني جنسهم من المذاهب السنية حسب توصيف الحركة لنفسها، أما التوصيف المشتهر لها فهي حركة عقائدية تقوم على الأخذ بمبادئ متشددة في تفسير الدين الإسلامي. طالبان حركة إسلامية سنية تعتبر الحكم الشرعي في مذهبها حكما واحدا لا يحتمل الأخذ والرد حوله، ومن ثم يصبح تنفيذ الأحكام الشرعية لدى طالبان حتى وإن كانت هناك مذاهب أو آراء أخرى تخالفها واجبا دينيا لا مفر من تنفيذه. وقد تعلم أفراد الحركة في المدارس الدينية الديوبندية (نسبة إلى قرية ديوبند في الهند) وتأثروا بالمناهج الدراسية لهذه المدارس الأمر الذي انعكس على أسلوبهم في الحكم. حيث ركزت تلك المدارس على العلوم الإسلامية كالتفسير والحديث والسيرة إضافة إلى بعض العلوم العصرية التي تدرس بطريقة تقليدية قديمة. يتدرج الطالب في هذه المدارس من مرحلة إلى أخرى، حيث يبدأ بالمرحلة الابتدائية ثم المتوسطة فالعليا والتكميلية، وفي الأخير يقضي الطالب عاما يتخصص فيه في دراسة علوم الحديث وتسمى "دورة الحديث"، وأثناء دراسة الطالب تتغير مرتبته العلمية من مرحلة إلى أخرى، فيطلق عليه لفظ "طالب" الذي يجمع في لغة البشتو على "طالبان" وهو كل من يدخل المدرسة ويبدأ في التحصيل العلمي، ثم "ملا" وهو الذي قطع شوطا في المنهج ولم يتخرج بعد، وأخيرا "مولوي" وهو الذي أكمل المنهج وتخرج من دورة الحديث ووضعت على رأسه العمامة وحصل على إجازة في التدريس.
طالبان وامريكا الولايات المتحدة الأميركية تقاطعت مصالحها مع مصالح طالبان فلم تمانع من ظهورها في بداية الأمر ثم سرعان ما اختلفت المصالح بعد ذلك فانقلب الوضع وأصبحت من ألد أعدائها. ففي البداية رغبت الولايات المتحدة في ضرب الأصولية الأفغانية بأصولية أشد منها حتى تخلو الساحة لجماعة أصولية واحدة تستطيع تطويعها في فلك السياسة الأميركية بعد ذلك، ورغبت واشنطن كذلك في تشديد الحصار على النفوذ الإيراني ومنعه من التوغل تجاه الشرق وبخاصة في جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين التي تحوي أكبر ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد الخليج العربي. لذلك لم تمانع الولايات المتحدة ولم تقف حجر عثرة أمام تقدم طالبان. ولكن مثل يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 يوما فاصلا في تاريخ حركة طالبان، إذ اعتبرت الولايات المتحدة أفغانستان وحركة طالبان هدفا أوليا لانتقامها، بعد أن رفضت الحركة تسليم بن لادن لعدم تقديم الأدلة التي تثبت تورطه. ما الذي جرى بعد ذلك؟ انهار نظام طالبان واختفى مقاتلوه في باكستان المجاورة خلال شهرين من هجمات الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين والأفغان.
لكن حركة طالبان لم تختف كلياً، فنفوذها عاد إلى الظهور وأخذت تعمل بشكل نشط في البلاد. وكانت تكسب ملايين الدولارات من تجارة المخدرات والتعدين والضرائب. وتولت السلطة في أفغانستان حكومة جديدة مدعومة من الولايات المتحدة في 2004، لكن الهجمات الدموية التي تشنها طالبان استمرت طوال تلك السنوات. وواجهت القوات الدولية العاملة مع القوات الأفغانية صعوبة في صد التهديد القادم من الجماعة التي أعادت تنظيم صفوفها. وأدى الصراع إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف الأفغان، مدنيين وعسكريين. ما هي تكاليف هذا الصراع؟ قتل في الصراع أكثر من 2300 جندي أمريكي وجُرح أكثر من 20 ألفاً آخرين، إلى جانب مقتل أكثر من 450 بريطانياً والمئات من الجنسيات الأخرى. لكن الشعب الأفغاني تحمل العبء الأكبر من الخسائر، حيث تشير بعض التقارير إلى أن أكثر من 60 ألفا من أفراد القوات المسلحة الأفغانية قتلوا في الصراع. وتشير التقارير أيضاً إلى أن قرابة 111 ألف مدني قُتلوا أو جرحوا منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتوثيق أرقام الخسائر البشرية في صفوف المدنيين في 2009.
اتفاقية مع طالبان؟ وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان في فبراير/ شباط 2020 "اتفاقية لإحلال السلام" في أفغانستان استغرق التوصل إليها سنوات. ووافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بموجب الاتفاق، على سحب جميع القوات في مقابل التزام حركة طالبان بعدم السماح لتنظيم القاعدة أو أي جماعة متشددة أخرى بالعمل انطلاقاً من المناطق التي تسيطر عليها الحركة. الفخ الاستراتيجي للصين وروسيا وإيران في كلمة في البيت الأبيض التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي وقتها نبأ الاتفاق مع طالبان قال ترامب إن حركة طالبان كانت "تحاول التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة منذ فترة طويلة". وقال إن القوات الأمريكية كانت تقتل الإرهابيين في أفغانستان "بالآلاف"، والآن حان الوقت لشخص آخر للقيام بهذا العمل وستكون طالبان وقد تكون دولًا محيطة ". وهذا يكشف بوضوح اهداف سياسية الولايات المتحدة الجديدة في أفغانستان التي تحاول نصب فخ استراتيجي لأعدائها في المنطقة الصين وروسيا وإيران من خلال الانسحاب وترك دولة فاشلة في حالة حرب أهلية في قلب منطقة لأعدائها مصالح أساسية فيها تصل الى حد الاطماع ولها مخاوف وهواجس امنية تصل الى حد الرعب ستدعوها للدخول في المستنقع الأفغاني بينما هي تراقب وتتحكم من خلال اتفاقات ملزمة مع الحركات الإسلامية المتعددة والنشطة وعلى راسها طالبان. وعبر وجود عسكري قريب في كل من باكستان والهند والخليج العربي لتطبيق سياسة أسمتها خلف الأفق للتدخل الجوي عند اللزوم. الصين الصين تستعد الصين لدخول تلك الدولة المهمة لمشروع «الحزام والطريق» أو الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي رصدت له الصين 62 مليار دولار، ومن المعروف أن الصين تتبنى مجموعة من الخطط الاستراتيجية لترث الولايات المتحدة في أفغانستان، وليس سراً أن السلطات في كابل تدرس منذ فترة طويلة ربط كابل وبيشاور، بما يعني انضمام أفغانستان رسمياً إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
تتركز المخاوف الأمنية الأساسية للصين في جنوب آسيا في منع أسلمة وتطرف أقلية الإيغور في إقليم شينجيانغ الحدودي، خصوصاً مع رغبة مقاتلين ينتمون للإيغور في العودة من سوريا. وفي أفغانستان، يخشى المسؤولون الصينيون من وحدات تابعة لمقاتلين سابقين في حركة تركستان (أو شرق تركستان) الإسلامية ينتشرون بين صفوف حركة طالبان، منذ نجاح الحركة في السيطرة على إقليم بادخشان وممر واخان الواقعين بالقرب من الحدود الصينية عام 2019.[1] وقد حرصت الصين على تضمين مخاوفها من دعم المقاتلين الإيغور في اتفاقات "حُسْن الجوار" التي وقعتها مع دول وسط آسيا، وفي بروتوكول مكافحة الإرهاب الخاص بمنظمة شانغهاي للتعاون.
ويُشكِّل صعود تنظيم الدولة الإسلامية في شرق أفغانستان، ضمن ولاية "خرسان"، أحد مصادر القلق الصيني أيضاً، إذ يُعَد التنظيم عامل جذب للمقاتلين الإيغور المنشقين عن صفوف حركة طالبان. ورغم محاولة الحركة وضع تنظيم الدولة الإسلامية تحت السيطرة، يخشى مسؤولون في بيجين عدم استمرار ذلك طويلاً بعد انسحاب القوات الأمريكية. وتُدرك الصين أيضاً أن الغرب وروسيا ودولاً إقليمية، كباكستان والهند وإيران، قد تستغل انسحاب الولايات المتحدة لتوسيع نفوذها السياسي والدبلوماسي والأمني والاقتصادي في أفغانستان، وهو ما دفعها للسعي لبناء تقارب خصوصاً مع باكستان وإيران لضمان مصالحها في المستقبل. روسيا روسيا : قلقة إزاء حشد تنظيم «داعش» لقواته شمال أفغانستان، بالتزامن من انسحاب الأميركيين وحلف شمال الأطلسي، «نحن قلقون لأن تنظيم (داعش) يكتسب أراضي، معظمها شمال أفغانستان مباشرة على حدود دول حليفة لنا، وسط السلوك غير المسؤول لبعض المسؤولين في كابل ووسط انسحاب متسرع لحلف الأطلسي»! إيران منسوب الحذر الإيراني يرتفع تدريجياً مع عودة «طالبان» إلى أفغانستان امتداداً ضمناً إلى باكستان على حدودها! ومع ذلك تسعى لتحقيق مصالح عديدة فخلال زيارة قام بها قادة طالبان إلى طهران في يناير الماضي، ظهر توافق الجانبين على تقويض النفوذ الأمريكي في أفغانستان بعد الانسحاب. وفوق ذلك، جاء توقيع مذكرة التفاهم حول الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران في مارس، بعد استبعاد الهند من مشروع سكك حديد كبير كان مقرراً أن يربط بين ميناء شاباهار الإيراني بمدينة زاهدان على الحدود ويكمل إلى داخل الأراضي الأفغانية. وقد أظهر ذلك ميل إيران للصين على حساب الهند، بعدما أوقفت الهند واردات النفط الإيراني إرضاءً للولايات المتحدة، وعزَّزت علاقاتها مع السعودية والإمارات وإسرائيل مؤخراً.
ويُتوقَّع أن تُوظف الصين نفوذها الاقتصادي في كل من إيران وباكستان، إلى جانب التقاء مصالح الدول الثلاث فيما يتعلق بنفوذ الغرب والهند في أفغانستان، لإنشاء شراكة ثلاثية تشبه التحالف الأمني، لضمان عدم تحوُّل أفغانستان إلى منطلق للجماعات الإرهابية، إلى جانب حصار نفوذ الهند وضمان توازن القوى بين الحكومة وحركة طالبان. وتفتح هذه المعادلة بعض نوافذ الفرص أمام دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التمدد الإيراني، والقيام بدور جديد وحذر في أفغانستان.
خلاصة وتستمر لعبة الشيطان من الجميع باستخدام الجماعات الإسلامية المتطرفة في الاعيب سياسية قائمة على المصالح المتعارضة بينها على حساب الدم المسلم وللأسف بأيدي مسلمة وعلى حساب الشعوب الإسلامية. والأخطر على حساب الدين الإسلامي نفسه وربطه بالإرهاب دائما وإلحاق أسوأ ما بالسياسة العالمية الان به وهو منه براء. كما انه بلا شك بريي من كل من اشترى بايات الله ثمنا قليلا من هذه الجماعات الإرهابية.
* "الوطن" المصرية