مصطفى النعمان: انسداد آفاق السلام، واليمن يفتقد القادة العظماء
الساحل الغربي، أمجد قرشي:
03:34 2021/07/27
جدد السياسي والدبلوماسي اليمني، السفير السابق، مصطفى النعمان التأكيد على استخلاصات تكررت في سلسلة مقالاته وكتاباته حول انسداد أفق السلام في اليمن وفي الوقت نفسه استبعاد أي فرصة لحسم الحرب بمعنى "النصر" في المدى المنظور.
"اليوم، بعد مرور ما يزيد على ست سنوات تزداد الصورة تشوشاً بحثاً عن النهاية المرضية للجميع، على الرغم من زعيق القوى المنخرطة في الحرب بأن الخيار الوحيد الممكن والمتاح هو الجلوس إلى طاولة مفاوضات، لكن هذا الأمر يعرقله تمسك كل طرف بما لديه من سند تختلف قوته الفعلية على الأرض. "
يضيف النعمان في مقاله الأسبوعي بموقع اندبندنت عربية، الثلاثاء 27 يوليو/ تموز 2021م: ما أكرره دائماً هو أن الضعف الذي يعتري أداء حكومة الرئيس هادي يمثل عقبة شاقة أمام صدقية تمثيلها الشرعية الدستورية التي لا تهم المواطنين وحدها، لأنها لم تكن مقرونة بالنزاهة والوجود المستدام على الأرض.ومن هنا، فإن الشرعية لن تتمكن من التفاوض من موقع يمكنها من تطبيق المرجعيات الثلاث ما لم تتمكن أولاً من استعادة ثقة اليمنيين، ولن يكون كافياً لها التعويل على دعم التحالف السياسي والمالي والعسكري. والأهم، مرحلياً، هو التوصل إلى أي صيغة تسمح للحكومة بالعودة إلى ممارسة أعمالها من داخل البلاد، لأن بقاءها في المهجر يزيد من عجزها ونقمة الناس عليها.
في الطرف المقابل، يواصل مصطفى النعمان، "فإن استنزاف الوقت بحثاً عن بدايات لمسار السلام يصب في مصلحة "جماعة أنصار الله" الحوثية، إذ تواصل حملتها العسكرية في مأرب وحصارها المدخل الشمالي لمدينة تعز وتثبيت مواقعها في المناطق التي توجد فيها منذ 2014. ولما كانت الحرب الدائرة قد عجزت عن إضعافها فمن غير المحتمل قبولها بشروط ونتائج مفاوضات لا تضمن استمرار نفوذها وشراكتها في الحكم."
ويستطرد: "أما الطرف الثالث وهو المجلس الانتقالي الجنوبي فقد أضحى شريكاً للرئيس هادي في السلطة، واعترف بها ممثلاً لكتلة جنوبية كبيرة." وهو الآخر - يقول الكاتب- "لديه مشروع خاص يتناقض كلية مع الطرفين الأولين، ولا أجد فيه منطلقات مشتركة يمكن البناء عليها مع أي منهما، إلا أنه يعلن في واقع الحال رفضه المطلق فكرة الدولة اليمنية الواحدة إلا كوسيلة مؤقتة لتحقيق أهدافه النهائية بفك الارتباط."
في النتيجة "حين يتوصل كثيرون إلى استنتاج مفاده أن أفق السلام صار أقرب إلى الانسداد الكامل منه إلى الانسياب، فمرد ذلك أن الأرباح المادية والشخصية التي يجنيها من يستطيعون إنهاء الحرب قد تضخمت إلى حد صار إقناعهم بالعمل على طرق سبل السلام صعباً للغاية، ما لم تكن أمامهم محفزات تغريهم على الدخول في مسار استعادة سلم المجتمع الذي انقسم بخطوط مذهبية وسلالية ومناطقية على نحو غير مسبوق في تاريخ الحروب اليمنية، وتمزق مفهوم الوطن الواحد الذي يعيش في ظله الكل بقانون واحد يلغي هذه الشروخ التي تتسع كل يوم."
اليمن اليوم - كما يرى النعمان- يسقط في هاوية من الصراعات التي لا أجد نفسي مقتنعاً بأن وهم النصر، إذا ما تحقق لأي طرف، سيعني بداية طريق جديد يسير بالبلاد نحو أهداف تعيد إلى اليمن هدوءه الاجتماعي الذي تعايش معه الناس على الرغم من مرور فترات عصيبة، لكنها كانت في الماضي سرعان ما تجد حكمة قيادات تاريخية نزيهة المقاصد والغايات ترفع من الشأن الوطني، مستبعدة أوهام القدرة على الانفراد بالحكم وقسر الناس على تقبل قوانين المنتصر التي تُصاغ وتُفصّل على مقاس المنتصرين، ولكن سرعان ما يصطدم هؤلاء بمجتمع يرفض سلوكهم."
إن ما نشاهده اليوم من ممارسات سلطة "جماعة أنصار الله" الحوثية في مناطقها لا يعطي مؤشراً إلى أنها مستعدة للتنازل عن مفهومها للحكم، الذي تطبقه بنفس مذهبي لا يمكن أن تفرضه ولن يتقبله الناس إلا مكرهين. ولعل في التغييرات التي تدخلها على مناهج التعليم والمعسكرات الصيفية للأطفال، ما يعطي مؤشراً على أنها لا تتوقع تغييراً في مسار الحرب لغير مصلحتها وبما يمكنه أن يبعدها عن السلطة بالقوة.
"تختلف فكرة السلام عند المتحاربين وتتناقض معاييرها وأهدافها عند كل أطراف الحرب."
"وهكذا للأسف تصبح آفاق السلام المسدودة ماثلة أمامنا، ويصبح من الطبيعي أن نتساءل عن مآلات استمرار الحرب وكيف ننتهي منها؟"
يخلص الكاتب في آخر مقاله إلى القول إنه من الجلي أن اليمن يفتقد القادة العظماء، الذين قدموا الوطن على مصالحهم الشخصية وتنازلوا عن السلطة مراراً، ولم تكن الوظيفة العامة عندهم إلا لخدمة الناس وليس لاستخدامهم.