نفاق الإسلاميين.. العلاقة مع إسرائيل مثالاً

11:00 2021/06/01

المملكة المغربية هي أقدم الدول العربية التي ارتبطت بعلاقات ثنائية مع دولة إسرائيل، وبعد اتفاق كامب ديفيد في العام 1978 تبادلت معها جمهورية مصر العربية التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء، فكان التطبيع على المكشوف، وقبل أيام سخرت مصر هذه العلاقة لوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، فأنقذت ما تبقى قائماً من العمران، وأنقذت أيضاً ما تبقى من حركة حماس التي طالما شغبت كل ما رأت تقارباً يحدث في العلاقة بين دولة عربية ودولة إسرائيل.
 
الجماعات الإخوانية في البلدان العربية والإسلامية، وفي مقدمتها الجماعة الأم في مصر، تنافق المسلمين في هذه القضية.. تشغب، وما تزال تشغب على الحكام، وتتهمهم أمام الجماهير بالخيانة بسبب تطبيع العلاقة مع إسرائيل، وتعتبر إزالتهم، وإزالة الأنظمة التي هم عليها ضرورة لكي تصبح الطريق إلى القدس سالكة.. وتتجاوز الشغب في حالات معينة إلى المكر واللؤم والكذب الصراح، كما فعلت مؤخراً حين اخترعت لإسرائيل قواعد عسكرية في جزيرتي ميون وسقطرى، اخترعت ذلك في فضاء لمجرد تشويه صورة حكومة بلد ثالث، بينما لا وجود لتلك القواعد المخترعة سوى في صدر الجماعة الذي يغلي حقداً على حكومة لا تروق لها.. هذا إن فعل الآخرون أو توهمت أنهم فعلوا، أما صلاتها هي مع إسرائيل، وأما علاقاتها هي بالمنظمات الإسرائيلية، فذلك أمر تتطلبه مصلحة العمل الإسلامي!
 
الحكومات العربية والإسلامية التي تربطها مع دولة إسرائيل علاقات ومصالح باتت كثيرة من بينها: تركيا، المغرب، مصر، الأردن، موريتانيا، عمان، قطر، البحرين، الإمارات، لكن جماعات الإسلام السياسي لا تضعها جميعا في سلة واحدة، بل هناك سلتان: سلة الخيانة، وتضع فيها الأنظمة التي لا تعضد جماعات الإخوان أو التي تحاربها باعتبارها تنظيمات إرهابية، والأخرى التي تدعم جماعات الإخوان مثل دولة قطر، أو الدول التي يحكم فيها الإخوان مثل الحكومة الحالية في المغرب، فيتم وضعها في سلة الحكومات التي تتمتع بحنكة سياسية، أما تركيا التي تعتبر أول دولة إسلامية حليفة لإسرائيل، فلها عند الإخوان سلتان: سلة الخيانة الأتاتوركية قبل أردوغان، وعلى الرغم من أن الأردوغانية هي امتداد للموقف الأتاتوركي نفسه، لكن لأن للجماعة مصلحة في تركيا أردوغان فها هنا يتم وضعها في سلة الحنكة السياسية.
 
حين حكمت جماعة الإخوان المسلمين مصر في العام 2012، توهم كثيرون أنها ذاهبة إلى التنصل التدريجي من معاهدة كامب ديفد، لكنها فعلت العكس وعلى طول الخط، حتى إن الرئيس الإخواني محمد مرسي لم يتورع عن مخاطبة شمعون بيريز، رئيس الكيان الإسرائيلي، بعبارة صديقك الوفي محمد مرسي.. لم تكن تلك بدعة، فللجماعة تاريخ طويل من التعامل مع إسرائيل والمنظمات الصهيونية الإرهابية.. القيادي السابق في جماعة الإخوان ثروت الخرباوي، كتب في هذا الموضوع كثيرا لما شاء المزيد، وفي شهر مارس الماضي نقل عن صحيفة لوتون السويسرية قولها إنه -وفقا لما وقع تحت يدها من بيانات الغرفة التجارية الدولية السويسرية- فإن بنك التقوى وتابعته شركة التقوى للتجارة والمقاولات، التي يديرها يوسف ندا وشريكه الإسرائيلي حاييم سابان، هي أكبر شركة داعمة لبناء المستوطنات الإسرائيلية، وأنها أكبر مورد للإسمنت لشركات المقاولات الإسرائيلية.. والمعروف أن الشركات التي يديرها الإخواني الشهير يوسف ندى، هي إحدى مظاهر الأنشطة الاقتصادية والمالية لجماعة الإخوان، تحت لافتة توظيف الأموال التي عرفتها مصر في سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن العشرين، وقبل أن تصل جماعة الإخوان إلى الحكم في مصر، قال القيادي البارز عصام العريان لصحيفة الحياة اللندنية في العام 2006 إذا وصلت جماعة الإخوان إلى الحكم في مصر، فإنها سوف تحافظ على أمن إسرائيل، وسوف تلتزم باتفاقية كامب دافيد.. قيل حينها إن كلام العريان هو من قبيل الدعاية السياسية الذي تحاول الجماعة أن تقدم به نفسها للغرب كجماعة معتدلة منفتحة على الآخر حتى لو كان هذا الآخر إسرائيل، وبالمرة لكي تحظى بقبول لدى الأميركيين،  وأن الأمر لا يتعدى ذلك.. لكن بعد أن وصلت جماعة الإخوان إلى الحكم، وصار عصام العريان أحد أركان ذلك الحكم، طالب اليهود المصريين الذين هاجروا إلى إسرائيل العودة إلى بلادهم، وأنهم سوف يستردون ثرواتهم التي تركوها قبل الهجرة!
 
ويذكر الخرباوي أن حركة لافون الصهيونية، كانت تقوم بتفجير بنوك انجليزية وأمريكية في مصر عام 1954 بالتنسيق مع التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين، بحكم أن للحركتين هدفا واحدا هو الإطاحة بالرئيس جمال عبد الناصر، وأن المرشد العام لجماعة الإخوان مهدي عاكف -وفي حوار أجراه معه حافظ الميرازي عام 2012- اعترف أن أفراد حركة لافون كانوا يعالجونه في السجن من الإصابات التي لحقت به، حيث كان بعض أفراد الحركة في السجن أيضا، بعد أن تم القبض على عناصر لافون، وإعدام بعض منهم.
 
فإذا اتجهت إلى المغرب، رأيت سعد الدين العثماني يقف إلى جانب كوشتر مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإلى جانب الصهيوني بن شبات، للتوقيع على وثيقة الاتفاق الاسرائيلي- المغربي المشترك.. وهذا العثماني هو رئيس الحكومة في المملكة المغربية وهو أيضا الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي (إخواني معتدل كما يقال)، وهذا الحزب الإسلامي الحاكم في المغرب هو الذي تشارك مع حكومة أحزاب اليمين الإسرائيلية، المفاوضات التي أدت في خاتمة المطاف إلى التطبيع الكامل بين المغرب وإسرائيل، ولم يشغب الإخوان هذه المرة أيضا.. ولأسباب تخصها خفضت تركيا تعاونها الاستخباراتي مع إسرائيل، سحبت سفيرها من تل أبيب إثر مقتل الأتراك العشرة برصاص جنود الكوماندوز اقتحموا سفينة تركية تحمل مواد إغاثة لسكان غزة في العام 2010، فهلل الإخوان وكبروا لتركيا الخلافة وأردوغان الخليفة، وكأنه فعل ذلك من أجل القدس، والحال أن مصالح تركيا هي الأولى من القدس ومن جماعات الإخوان كلها، فبعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ توسط الرئيس الأميركي أوباما بين أردوغان ونتنياهو وأعاد التواصل بينهما إلى سابق عهده، ومنذ نهاية العام 2020 شرعت حكومة أردوغان في تقييد حركة حماس لتحسين العلاقة مع حكومة إسرائيل، وتركيا اليوم تستعجل إسرائيل لبحث سبل عودة العلاقات بين البلدين إلى أفضل مما كانت عليه في أي فترة سابقة، بينما يقول مسئولون إسرائيليون إنهم غير متعجلين، وإنهم في حال قرروا البحث في المصالح المشتركة سيبقون حذرين كفاية لنوايا أردوغان!