ما الذي توخاه التسريب الأمريكي وما هي فرص احتواء الحوثيين؟

  • الساحل الغربي، كتب/ أمين الوائلي:
  • 07:59 2021/03/05

سرَّبت المصادر الأمريكية، يوم الأربعاء 3 مارس/ آذار 2021م، إفادات حول اللقاءات التي جمعت مسؤولين أمريكيين بممثلين عن الحوثيين في مسقط، ضمن استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة التي تهدف، كما أعلن بايدن نفسه وأركان إدارته، إلى وضع حدد للحرب والعنف واستئناف المفاوضات السياسية.
 
الخبر الذي أوردته وكالة رويترز ونسب المعلومات إلى مصدرين مطلعين قولهما، إن مسؤولين أمريكيين كباراً عقدوا أول اجتماع مباشر مع "مسؤولين" من جماعة الحوثي في العاصمة مسقط. لكن الأهم في الإعلان أو التسريب، أكثر من مضمون الخبر، هو الإشهار نفسه أو بحد ذاته.
 
توخى التسريب أكثر من غاية:
 
أولاً، الإيحاء بتقدم أو على الأقل تحقيق خطوات نحو تفعيل أو إعادة تفعيل المسار السياسي، وإعطاء نوع من الزخم المبكر والحيوية لمهمة مبعوث بايدن لليمن ولاستراتيجية بايدن نفسها التي جوبهت مؤخراً بانتقادات قوية في الصحافة الأمريكية واتهمتها بتقديم تنازلات مجانية لإيران ووكلاء الإيرانيين من خلال إزالة التصنيف عن الحوثيين كمنظمة إرهابية وما تبعه من تصعيد حوثي واسع عسكرياً.
 
ثانياً، تراهن الإدارة على إحياء فكرة جون كيري بأنه يمكن احتواء الحوثيين وإبعادهم عن إيران وإدماجهم بالتالي مع السعوديين ودول الجوار اليمني في عملية سياسية تفضي إلى صيغة ما لاتفاق لا يزيل أسباب الحرب والعداء الأيديولوجية بقدر ما يمنعها الآن من الالتهاب والتقيح. التسريب الأخير يقول إن هذا المسار أعيد تفعيله، وهذا سيعني فيما يعنيه إعطاء إشارات تجاه إيران أيضاً، ومن الواضح أن رهاناً كهذا ينطوي على استخفاف بجذور وخلفيات المشكلة وحجم التورط الإيراني الحوثي المشترك في التزاوج والتمازج حد التماهي وتمثيل الإرادة الإيرانية هنا.
 
 
قد لا يعني اللقاء بحد ذاته شيئاً ذا بال، ولا يكشف سراً أو سابقة، فاللقاءات والاتصالات مع الحوثيين تعود إلى سنوات سابقة، ولا يكتم هذا مسؤولون أمريكيون في إدارة بايدن. ولا يعني كذلك أن شيئاً مهماً قد تحقق على صلة بمصير الحرب والسلام، لكن الدوشة الإعلامية في هذه المرحلة مطلوبة من وراء الإعلان والإعلام أكثر من الفحص في التفاصيل والنتائج.
 
ثالثاً، يتوخى هذا النقاش والتداول الإعلامي، مهما توتر الحوثيون حلفاء وأتباع إيران بسببه، إشباع نقطة معينة لدى الحوثيين الذين سيشعرون بنوع من الرضا عن الذات بالقياس إلى أن الحديث هنا عن ممثلي إدارة رئيس الولايات المتحدة وعن مليشيات كانت إلى الأمس تُصنَّف أمريكياً كمنظمة إرهابية خارجية.
 
انتكاسة مبكرة
 
عشية الإعلان عن اللقاء كانت الخزانة الأمريكية أعلنت عقوبات بحق اثنين من قيادات المليشيات الحوثية. مجدداً سوف نرى سياسة العصا والجزرة تتكرر سجالاً، خلال مشوار بدأ للتو ومن غير الوارد أنه سوف يمضي بعيداً وبسهولة وفي وقت قريب.
 
قدمت الإدارة الكثير من الجزر للحوثيين حتى الآن وفي غضون أسابيع قليلة. لكن طبيعة الاستجابة الحوثية الخاطئة، الذهاب إلى المزيد من العنف والهجمات والصواريخ والمسيرات المفخخة والعمليات العدائية واستهداف غزو مأرب معقل الشرعية الأخير شمالاً، والهجمات عبر الحدود، تكاد تكون انتكاسة مبكرة لاستراتيجية الإدارة التي بدأت منذ قليل فقط. 
 
 
لكن كم يساوي فرض العقوبات المالية على قياديين حوثيين قياسا إلى التنازلات والمكاسب التي منحت للمليشيات تباعا؟ لا شيئ يكاد يذكر أو يقارن. إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة تواصل حتى بعد اللقاء الأمريكي الحوثي في مسقط. 
 
تسويق
 
الارتباك الحوثي كان ردة الفعل الأولى على التسريبات في وكالة عالمية، وبداية بالإنكار حاول متحدث ومفاوض المليشيات إعادة تقديم القصة بصيغة لقاء عن بُعد أو تواصل عبر وسيط ثالث، عبر العمانيين كما قال. لكن هذا لم يصمد كثيراً وسرعان ما أطلقت مرحلة ثانية من الاعتراف والإقرار والقفز إلى الأمام بالحديث عن "لقاء وتفاوض الأعداء لا الشركاء" كما قالها محمد علي الحوثي، بينما القيادي محمد البخيتي كان ضيفاً على قناة الجزيرة القطرية التي استدعته عبر الأقمار ليقول إنهم أبلغوا الأمريكيين بأن هجماتهم سوف تستمر، حتى يتم رفع الحصار و... و...، والقصد هو إعادة إعلان الواقعة بطريقة إخراج مختلفة - كلاكيت ثاني مرة، ومنح الحوثيين أمام جمهورهم فرصة تبرير وانتفاخ للتغطية على سؤال "الموت لأمريكا" و"العدوان الأمريكي" إلى آخر الدعايات التعبوية المستهلكة بالمرة. سوف يكون من الجيد والحيوي متابعة الدور الذي تلعبه الجزيرة وأسند إليها في هذه المرحلة.
 
 
التمكين لإيران
 
يحاول الأمريكيون نفخ الروح في خطة ميتة تقول بانتزاع الحوثيين بعيداً عن المركز الإيراني والإغداق عليهم بالتنازلات والامتيازات، دائما على حساب المحور العربي أو التحالف والحكومة الشرعية. هذا ما يفسر انتفاشة المليشيات وتفلتها من أي محاذير في تصعيد الهجمات وتكثيفها.
 
في النهاية هذه ليست استراتيجية لإنهاء الصراع بقدر ما تساعد في تشجيع المليشيات وفرعنتها، فما بين إيران وأدواتها ومليشياتها أكثر بكثير مما قد يكون أحد في العالم مستعداً أن يتفهمه، باستثناء اليمنيين أو أكثر من اليمنيين. والوارد بكثرة في هذا التوقيت هو أن الاستراتيجية تقتضي أن يؤخذ الحوثيون في الطريق إلى طهران نفسها والاتفاق النووي.
 
ليس كل ما قيل عن التنازلات تقرباً لإيران خطأ، بل إن الكثير من التحليل والتفسير يكمن هنا. لقد ثبت مرارا، ليس فقط خطأ هذه النوعية الخفيفة من الاستراتيجيات قصيرة النَفَس والنظر، بل وكارثية النتائج قصيرة ومتوسطة المدى. إنهم غير راغبين في سماع الحقيقة أو الإقرار بها؛ بأن الحوثي صنيعة إيرانية وليس مجرد طرف يمني صادف هوى إيرانياً أو صادفه هوى. كل هذا لا يعني سوى التمكين لإيران وأدواتها.
 
خلاصة 
 
سوف تبقى مشكلة الحوثي مع اليمنيين بالدرجة الأول والنهائية، ليست مشكلة سياسية ولا حالة إنسانية تحل ببرامج التمويل وتوزيع الدقيق. على الآخرين والعالم أن لا يذهبوا بعيداً في تهميش وتجاهل رأي وحق وإرادة اليمنيين الذين لا يقرأون مصيرهم ومستقبلهم في أجندة أمريكا وإيران على السواء.
 
 

ذات صلة