«أغنية الظلام والنار».. «الزوامل» ولعبة الحماس الدموي لدى المليشيات الحوثية
- الساحل الغربي، كتب/ عبدالسلام القيسي:
- 11:25 2021/02/02
الطرف الشرعي، بينما يكسب الحوثي عامة الناس بمعادلات غير منطقية، لم يقدم رؤية واضحة لحماية الشعب من الذهنية المشكلة إيرانياً.
يحدثني أحد معارف القاتل أن منقذ، قاتل أخيه، مذ عاد من ذمار وهو إنسان آخر، ليس الشخص الذي ذهب وعقله كاملا، بل مجرد متوحش انقلب فجأة وعوضاً عن البر بأبيه، كما قبل دخوله الدورة الحوثية، قام بإطلاق النار عليه بعد عودته من الدورة؛ لسبب تافه، وهو أن الأب قطف تخزينة من مزرعة القات التي هي له ولكن تحت تصرف ولده، ولكنه الولد الذي بلا عقل وأثناء سماعه لزوامل الحوثي قام بإطلاق النار عليه، وهنا أحببت التطرق لجدلية الدورات وتأثير الزوامل الحوثية على الشباب، فالدورات السرية للحوثيين تستهدف الشباب الذين لم يخضعوا مسبقاً لقدر عالٍ من التعليم والثقافة، ومع هكذا حالات في ظل انعدام الرقابة المجتمعية وعزوف الشباب عن الالتحاق بالمدارس والجامعات أنتجت المليشيا زمرة من الشباب يقتلون عائلاتهم.
يحدثنا نيكوس كازنتزاي في روايته الشهيرة "زوربا اليوناني"، أن الإنسان عندما يكون شاباً وأسنانه حادة يرتكب أبشع الجرائم، ولكن يكبر فيحدث نفسه المكتظة بالندم لماذا قتلت؟ كان جواب زوربا أن الإنسان يندم عندما تتساقط أسنانه فتنتهي متلازمة التوحش، وهنا يكتمل التوحش بتفخيخ الشباب بالدورات وكره المجتمع وبالزوامل التي تعزز الدموية لدى الفتيان، فالفتيان الذين لم تعجنهم الحياة بزغوا بوجه المليشيات وعجنتهم بالنقمة ضد كل شيء في المجتمع، الهدم المجتمعي.
الحماس الدموي
يُعرف عن الشباب الحماس، هذا الحماس الذي يأتي الشاب في مرحلة المراهقة إن جيّر إلى غير مكانه ينتج من الشاب إنساناً فاشلاً بلا أخلاق، فمرحلة المراهقة هي التكوين النفسي والفيسولوجي للإنسان، وهنا على هذه النقطة، بهذا الوتر، تعزف المليشيات بالحماس عبر الزوامل إلى تزيين الموت والجريمة لدى الشباب على إيقاع التسارع المخيف للزوامل يرتكب المرء أشد الجرائم، بل ويلقي بنفسه إلى التهلكة وهو لا يعلم، في ظل سكرته مع الزامل الذي يدفه بسرعة إلى الجحيم، أنه مجرد روح تساق بعيسى الليث، وخطورة الزامل أنه يبنى وفق تناغم حربي بين الكلمات والأصوات حتى بالإيقاع، وبين حالة الاندفاع القاتل، لهذا يتفانى قطاع الشباب في المليشيات وملتقى الطالب الجامعي في توزيع الزوامل وفرضها على الطلاب.
لقد نجح الحوثيون في توظيف الزوامل ضمن مشروعهم الدموي، فالزامل بالتراث الشعبي كانت مضامين الزوامل تتمثل بتعزيز أواصر المجتمعات والإنشاد عن القيم وملامسة الجوانب المجيدة لدى القبيلة اليمنية.. لكنها -المليشيات- وبعد خفوت الزوامل عادت به وقد أصبح سلاحاً مهماً يقذف بالآلاف إلى المحرقة، فإلى جانب البندقية تصرف المليشيات لكل مقاتل في مترسه إم بي ثري للاستماع للزوامل.
إن فن الزامل الحوثي مجرد زيف بطولي للمتلقي يمنحه لحظات كاذبة من البطولة والشموخ اللذين يجذبانه ليكون أحد ضحايا النكف الحوثي المتوحش، فالإنسان اليمني كمثله حول المنطقة العربية في قرن الهزائم يتشبث بلحظة بطولية ولو بمسلسل درامي عوضاً عن الهزيمة التي في نفسه، وقد لامس فن الزامل شعورهم، وهو بالأصل خدعة مليشاوية لتحشيد شباب أكثر.. حكيت لكم أول هذه المادة عن المخلافي في بني عون الذي أطلق على أبيه أثناء سماعه لزامل حوثي ثم قتل أخاه، فحسب معاشرتي لشباب متحوثين في البلاد لمست التأصل الكبير للزوامل بشجاعتهم، تنتهي شجاعة الحوثي بسكوت الزامل، يحدث أن تجمعك بالمتحوث جلسة مقيل، أثناء سماعه لزامل ما تتلبسه جنونية الرصاص، يطلقهن في الهواء، يستعد للقتل، وهكذا تتبنى المليشيات إصدار آلاف الزوامل لتكثر من مجتمع الجريمة.
من زاوية أخرى
غالبيتنا قرأ حكاية الفارابي في الموروث الشعبي، الفارابي صانع آلة القانون الموسيقية الأولى، كان الرجل الفيلسوف جليساً لسيف الدولة الحمداني حاكم حلب وسلطانها والذي شهدت له المدن، آنذاك، بالجسارة والتغلب على الروم في الشام.. فحوى الحكاية أن الفارابي تحدى جلساء السلطان، أنه سوف يبكيهم، ثم يضحكهم، عزف على الآلة فأضحك كل من في البلاط، حتى السلطان نفسه، ثم عزف ثانية فأبكاهم، وفي الثالثة نهض الجميع من غفوتهم والفارابي قد غادر المكان، ماذا حدث؟ لقد عزف ونومهم، وهذه تثبت قدرة الايقاعات على التحكم بنفسية البشر، حكيتها للتنبه لخطورة الزامل الحوثي الذي لم يبك ويضحك وينوم الناس، بل إنه يقتلهم، يعلمهم الموت من أجل سيد الكهف، لا يعلمهم الحياة، بل القتل.
والغلط عدم التنبه لهكذا تنويم.
تجريم سماع الزوامل الحوثية خطوة مُثلى يجب أن تتخذ لإنقاذ الشباب والمجتمع من وحشيتهم..
من الغلط أن قامت المعركة ضد المليشيات كجماعة انقلابية سطت على الحكم أو كطغيان إنساني مستبد، أو كفوضى دموية يسعى الجميع للتخلص منها، كان من الغلط اعتبار المعركة بتلك صيغة ومواجهتها عسكرياً فقط، ومنذ خمس سنوات ما زالت الطريقة العسكرية فقط هي الغالب والمسيطر.
المعركة يجب أن تتزامن مع معارك أخرى في جبهات أهم، جبهتي القلب والعقل، لنحسمها معنوياً أولاً، وعقلياً، فالمنطق هو السلاح الرهيب لاسترداد حقك في ألفيتنا الثالثة، فليس السلاح وحده ولم يعد الملاذ الأول في صد الجماعات مثل الحوثية فنحن الطرف المضاد لهم وأكثرية الوطن نستطيع أن نهيكل قدراتهم عبر الحقائق، وعبر تحطيم مراياهم فالطرف الشرعي بينما يكسب الحوثي عامة الناس بمعادلات غير منطقية لم يقدم رؤية واضحة لحماية الشعب من الذهنية المشكلة إيرانياً، بينما الرؤية الوحيدة المتمثلة بالعباهلة تفيدهم أكثر مما تنال منهم.
الحوثي يهيكل العقل اليمني، مهما حققنا من انتصارات دون حماية الذهنية الجمعية فالحوثي يستملك قلوب الناس بالزيف. اليمنيون أهل عاطفة، سرعان ما تنحرف توجهاتهم بفعل الحشو والتكرار والجس على مكامن الفراغ، ففي المناطق الشرعية تشتهر زواملهم على سبيل جودة الزامل فقط يستمعها من هم في الجبهات، وهذا مثال كبير كيف وضع الحوثي نفسه بالعمق، فالمعلوم أن الإنسان لو كره شيئاً كره الأشياء المرتبطة به كلها، وهذه ليس منطلقها من العفوية، بل نفسية.