كيف نجحت دول الخليج في بناء أنظمة حماية اجتماعية شاملة؟

  • عدن، الساحل الغربي:
  • 08:02 2025/12/29

كشفت بيانات حديثة صادرة عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاثنين، أن دول الخليج نجحت في بناء أنظمة حماية اجتماعية متقدمة تُعد من بين الأكثر شمولاً وكفاءة على المستويين الإقليمي والدولي، في تجربة تنموية راسخة تقوم على الاستثمار في الإنسان باعتباره حجر الأساس للاستقرار والازدهار المستدام.
 
وأكد المركز في تقريره المعنون «واقع وسياسات الحماية الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، أن النهج الخليجي في الحماية الاجتماعية يعكس رؤية استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى ترسيخ مجتمع أكثر شمولاً وتماسكاً، مشدداً على أن الاستثمار في رأس المال البشري هو الطريق الأضمن لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز جودة الحياة.
 
تفوق تنموي بمؤشرات دولية
 
ووفقاً للتقرير، تتصدر دول مجلس التعاون مختلف المؤشرات الدولية المرتبطة بالحماية الاجتماعية، حيث صُنفت جميعها ضمن فئة التنمية البشرية المرتفعة جداً بحسب تقرير مؤشر التنمية البشرية 2025، بما يعكس تقدماً ملحوظاً في مؤشرات الصحة والتعليم ومستويات المعيشة.
 
كما أظهرت البيانات تفوق دول المجلس على المتوسط العالمي في مؤشر التقدم الاجتماعي 2025، في دلالة واضحة على نجاحها في تعزيز رفاه الإنسان وتحقيق تنمية شاملة تتجاوز النمو الاقتصادي التقليدي.
 
وعلى الصعيد الاقتصادي، سجل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول المجلس خلال عام 2024 مستوى يفوق المتوسط العالمي بنحو ثلاثة أضعاف، فيما جاءت جميع دول الخليج ضمن المراكز الستة الأولى إقليمياً في مؤشر التنافسية العالمية لغرب آسيا وأفريقيا، وهو ما يعكس متانة اقتصاداتها وقدرتها على تمويل شبكات حماية اجتماعية واسعة وبمستويات إنفاق مرتفعة.
 
شمولية الخدمات وغياب الفقر الحضري
 
وسلط التقرير الضوء على أحد أبرز ملامح التجربة الخليجية، إذ يحصل 100 بالمئة من سكان دول المجلس على خدمات التعليم والصحة والمياه النظيفة والكهرباء، كما تخلو دول الخليج من الأحياء الفقيرة أو المساكن غير اللائقة، مقارنة بنسبة 24.7 بالمئة عالمياً، في إنجاز يعكس فاعلية السياسات الاجتماعية وعدالة الوصول إلى السكن والخدمات الأساسية.
 
كما أظهرت البيانات أن نسبة الإنفاق الحكومي على الحماية الاجتماعية تراوحت بين 19.2 و22.9 بالمئة من إجمالي الإنفاق الحكومي في عام 2022، ما يؤكد أن الاستثمار في الإنسان يمثل أولوية مركزية ضمن السياسات العامة لدول المجلس.
 
حماية تمتد عبر دورة الحياة
 
وأوضح المركز الإحصائي أن أنظمة الحماية الاجتماعية الخليجية تغطي مختلف مراحل دورة الحياة، بدءاً من الطفولة، حيث بلغت نسبة تسجيل الأطفال دون سن الخامسة في السجلات المدنية 100 بالمئة، مقابل 77.2 بالمئة عالمياً.
 
وتمتد هذه الحماية إلى سن العمل عبر برامج التأمين ضد التعطل عن العمل، وإصابات العمل، ومنافع الأمومة والأبوة، وصولاً إلى الشيخوخة من خلال أنظمة تقاعدية إلزامية سخية، تصل فيها معدلات الاستبدال عند التقاعد إلى 100 بالمئة من الراتب الخاضع للاشتراك في بعض دول المجلس.
 
وبحسب التقرير، تجاوز عدد المؤمن عليهم في أنظمة التقاعد بدول الخليج 15 مليون شخص، فيما بلغ عدد المتقاعدين نحو 985 ألف متقاعد، إضافة إلى أكثر من 497 ألف وريث مستفيد، بإجمالي منافع تأمينية سنوية تفوق 31 مليار دولار أمريكي، ما يعكس الأثر الاقتصادي والاجتماعي العميق لهذه الأنظمة.
 
تكامل خليجي يعزز الحقوق الاجتماعية
 
وسجل التقرير نجاحاً لافتاً في مبادرة مد الحماية التأمينية، التي تُعد إحدى ثمار التكامل الاجتماعي والاقتصادي الخليجي، حيث بلغ عدد المواطنين الخليجيين المشمولين بأنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية في دول غير دولهم الأصلية نحو 34 ألف مواطن في عام 2023، بنسبة نمو تجاوزت 330 بالمئة مقارنة بعام 2007، في مؤشر واضح على فاعلية السوق الخليجية المشتركة في تعزيز الحقوق الاجتماعية.
 
تحديات الاستدامة وآفاق التطوير
 
ورغم هذا التقدم، أشار التقرير إلى جملة من التحديات التي تواجه أنظمة الحماية الاجتماعية الخليجية، من أبرزها التغيرات الديموغرافية، وضمان الاستدامة المالية، وسد فجوات التغطية لبعض الفئات، وتحسين كفاية المنافع، وتعزيز التنسيق المؤسسي وتكامل البيانات.
 
إلا أن المركز خلص إلى أن التجربة الخليجية في الحماية الاجتماعية تمثل نموذجاً متقدماً قابلاً للتطوير والاستدامة، بفضل ما تستند إليه من قاعدة اقتصادية قوية، ورؤية استراتيجية واضحة تضع الإنسان في صدارة أولوياتها التنموية.

ذات صلة