حكم أمريكي على مهرب أسلحة باكستاني.. القصة الكاملة وراء "قارب يونس" وشحنة الصواريخ الإيرانية للحوثيين

  • عدن، الساحل الغربي:
  • 01:12 2025/10/21

في واحدة من أكثر قضايا تهريب الأسلحة تعقيداً منذ اندلاع الحرب، أصدرت محكمة فيدرالية أمريكية في ولاية فرجينيا، الخميس، حكماً بسجن المواطن الباكستاني محمد بهلاوان لمدة 40 عاماً، بعد إدانته بخمس تهم تتعلق بتهريب أسلحة إيرانية متطورة لجماعة الحوثيين، في انتهاك للعقوبات الدولية وبدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني.

بداية القصة: رحلات مشبوهة من موانئ إيران

تعود خيوط القضية إلى أواخر عام 2023، حين بدأ بهلاوان، البالغ من العمر 49 عاماً، بتنفيذ عمليات تهريب سرّية لصالح جهات إيرانية، مستخدماً قوارب صيد مزيفة وطاقماً من العمال الباكستانيين الباحثين عن عمل في إيران.

ففي أكتوبر وديسمبر 2023، نفّذ بهلاوان رحلتين عبر بحر العرب، انطلقتا من موانئ تشابهار وكونارك على الساحل الجنوبي لإيران، مروراً بمياه الصومال، حيث كانت تُنقل الطرود الثقيلة إلى قوارب أصغر تتجه نحو موانئ الحديدة الخاضعة للحوثيين.

كشفت شهادات الطاقم لاحقاً أنهم لم يكونوا على علم بحقيقة الحمولة، إذ أوهمهم بهلاوان بأنهم يعملون كصيادين، بينما كانت الصناديق تحتوي على مكونات صواريخ باليستية وصواريخ كروز مضادة للسفن ورؤوس حربية إيرانية الصنع.

وقال أحد أفراد الطاقم في إفادته أمام المحكمة: عندما سألناه عن محتوى الطرود، قال لنا ألا نتدخل في ما لا يعنينا.

الرحلة الأخيرة: يناير 2024.. مهمة لم يعد منها أحد

في 11 يناير/كانون الثاني 2024، انطلق قارب الصيد المسمى "يونس" في رحلة ثالثة محمّلة بشحنة جديدة من الأسلحة الإيرانية.

قبل الإبحار، أرسل بهلاوان رسالة مؤثرة إلى زوجته قال فيها: ادعي فقط أن نعود سالمين… هذه طبيعة العمل يا عزيزتي.

كانت تلك آخر كلماته قبل أن تتحول الرحلة إلى "النهاية".

فخلال عملية عسكرية أمريكية في بحر العرب، رصدت البحرية الأمريكية القارب المشبوه، وبدأت محاولة اعتراضه.. وعندما اقتربت المروحيات والسفن الحربية، أمر بهلاوان طاقمه بعدم التوقف، مدعياً أن القوات "قراصنة بحر".

لكن مع اشتداد المواجهة، حاول أفراد من قوات الـ"نايفي سيلز" الصعود إلى القارب، إلا أن المهمة انتهت بمأساة:
غرق الجنديان الأمريكيان ناثان غيج إنغرام وكريستوفر تشامبرز أثناء محاولتهما الصعود، بعد أن سقط أحدهما في البحر وقفز الآخر لإنقاذه.

بعد يومين، سيطرت القوات الأمريكية على القارب، وضبطت على متنه أول شحنة أسلحة إيرانية المصدر منذ بدء هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر.

التحقيقات كشفت أن العملية كانت جزءاً من شبكة أكبر يديرها شقيقان إيرانيان يُدعيان يونس وشهاب ميركزي، يعتقد أنهما مرتبطان بالحرس الثوري الإيراني، وما زالا طليقين في إيران حتى الآن.

اعتقال ومحاكمة بهلاوان

نُقل بهلاوان وطاقمه إلى الولايات المتحدة، حيث بدأت محاكمته أمام محكمة فيدرالية في فرجينيا.

أظهرت التحقيقات أنه تلقى نحو 33 ألف دولار أمريكي مقابل الرحلة الأخيرة، في صفقة وصفها الادعاء بأنها مهمة خطيرة ضمن شبكة إرهابية دولية.

وفي 5 يونيو/حزيران 2025، أُدين بهلاوان بخمس تهم، بينها: التآمر لتقديم دعم مادي لجماعة إرهابية (الحوثيين)، وانتهاك العقوبات الدولية على إيران، ونقل متفجرات وأسلحة دمار شامل عبر البحار، وتهديد طاقمه ومحاولة تضليل السلطات.

وفي حكمها النهائي، قضت المحكمة بتنفيذ 20 عاماً بالتزامن في تهمتين، و20 عاماً إضافية بالتتابع في الثلاث الأخرى، ليبلغ مجموع العقوبة 40 عاماً سجناً فدرالياً.

أبعاد أوسع: تهريب السلاح وتأجيج النزاع

تأتي القضية في وقت كانت فيه جماعة الحوثي تشن هجمات مكثفة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على السفن التجارية في البحر الأحمر، بزعم دعم غزة، ما أدى إلى شلل شبه كامل في حركة الشحن العالمية عبر الممر الحيوي.

ووفق تقرير للأمم المتحدة، فقد انخفضت حركة الملاحة في البحر الأحمر بنسبة تصل إلى 70% منذ أواخر 2023، فيما اضطرت معظم شركات الشحن إلى تحويل مساراتها حول رأس الرجاء الصالح، ما زاد زمن الرحلات وكلفتها بشكل كبير.

ويرى خبراء أن الشحنة التي ضبطت على متن قارب بهلاوان تمثل دليلاً ملموساً على تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، رغم النفي الإيراني المتكرر.

وقال الباحث ويليام فريير من "مجلس الجيواستراتيجية" البريطاني إن المكونات التي تم العثور عليها تدل على تطور نوعي في تسليح الحوثيين، وقدرتهم على إحداث دمار أكبر في البحر الأحمر.

فبينما يقضي محمد بهلاوان عقوبة السجن الطويلة في الولايات المتحدة، تظلّ شبكات التهريب العابرة للحدود نشطة في المنطقة، مدفوعة بصراعات النفوذ الإقليمي.

أما زوجته وطفله، اللذان ذكرهما محاميه في التماس تخفيف الحكم، فقد باتا جزءاً من مأساة إنسانية تتجاوز حدود الجريمة.

ويبقى القارب "يونس" —الذي أبحر في رحلة لا عودة منها— شاهداً على حرب خفية تجري في أعماق البحر، بين شبكات تهريب السلاح وأجهزة المراقبة الدولية، حيث تتقاطع مصالح إيران والولايات المتحدة في صراع طويل لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات.

ذات صلة