بايدن بين التهوين والتهويل

07:38 2020/11/13

دارت الانتخابات الأميركية بالتنافس حول القضايا المحلية ولم تأخذ السياسة الخارجية حيزاً كبيراً
 
كشفت متابعة الانتخابات عن عجز فاضح ومتعمد في كثير من الأحيان لدى كثيرين في قراءة مسار الانتخابات الأميركية، وليس مرد ذلك نقصاً في المعلومات أو عدم معرفة بخارطة الانتخابات المعقدة، ولكنها انطلقت من قاعدة أن خسارة دونالد ترمب ستعيد إيران بقوة إلى الساحة الخليجية والعربية بعد أربع سنوات من العقوبات غير المسبوقة، وإن لم تفلح في إجبارها على تغيير سياساتها الداخلية والخارجية، وفي الجانب المقابل، كان أمل الآخرين في انتصار جو بايدن مبنياً على عدم رضا عن سياسات ترمب في ما يخص القضية الفلسطينية، تحديداً، وابتعاده عن هموم وقضايا المنطقة والعالم ما لم تكن مدرة للأموال، فتخلى عن اتفاقيات حماية البيئة، وانسحب من منظمة الصحة العالمية، وأوقف تمويل كل برامج الإعانة للفلسطينيين، ورفع العقوبات عن السودان مقابل تعويضات مالية فقط من دون ربطها بأي قضايا وشروط كانت الإدارات السابقة تصر عليها.
 
ملاحظة ثانية، وهي أن الفارق بين المتابعة، والتغطية في الإعلام الغربي، كانت في غالبيتها متحمسة لانتخاب بايدن، لأن الساسة والرأي العام الأوروبي، كانوا مهتمين بمعرفة مصير اتفاقات المناخ، ومشروع اتفاق التجارة بين بريطانيا والولايات المتحدة، وخططه تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والعلاقات مع روسيا والصين، وكذلك مصير الاتفاق النووي مع إيران، الذي كان هو أحد متابعيه ومخططيه، بينما كانت التعليقات في المنطقة العربية تجري المناكفة والتحدي لكسب نقاط معركة لا تشارك فيها ولا تؤثر في مجرياتها، ولا يهتم بها الناخب الأميركي والمرشحون، وكانت عاطفية وموجهة أكثر من أن تكون عقلانية ومتحررة من القيود.
 
ودارت الانتخابات كالعادة بالتنافس حول القضايا المحلية، ولم تأخذ السياسة الخارجية حيزاً كبيراً في مهرجاناتهم الانتخابية، لأن الغالبية العظمى من الناخبين المستهدفين في خطاب المرشحين، لا يعنيها ما يحدث خارج الولايات المتحدة، في وقت كان الصراع الإعلامي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي حماسياً، حول أي من المرشحين سيقدم حماية أكبر للمنطقة لمواجهة الأخطار المفترضة التي تواجهها، سواء كانت قادمة من إيران أو تركيا أو غيرهما، ولم يتوجه النقاش إلى وجهته الطبيعية  في البحث عن كيفية تعزيز الأوضاع الداخلية اقتصادياً ومعيشياً وتحسين البنى التحتية ووقف المعارك الصغيرة والحروب الكبرى لمواجهة الاحتمالات كافة.
 
لقد مرت السنوات الأربع الماضية من حكم الرئيس ترمب في بلد يمتلك مفاصل القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، وكانت مليئة بالسياسات غير المتوقعة وغير المدروسة، واعترف في أكثر من لقاء علني أنه يثق بحدسه وتقديراته الشخصية حين يتوصل إلى قرار، حتى وإن تناقض مع مشورة المختصين، وكان ذلك مؤشراً إلى مدى خطورة الاعتماد فقط على وجوده في البيت الأبيض، في بلد ما زال للمؤسسات تأثيرها القوي إن لم يكن في القرار النهائي، ولكنها حتماً تؤثر في تنفيذه.
 
ولا بد لنا من طرح إن كانت المنطقة قد استفادت من سنوات حكم ترمب، وهل لها أن تخشى من الرئيس المقبل في التعامل معها؟، ومن الواضح أن المنطقة تواجه ثلاث دول، إيران وتركيا وإسرائيل، تتنافس لمد نفوذها السياسي والاقتصادي، وأضيف، العقائدي والمذهبي في الحالة الإيرانية.
 
وتعامل الرئيس ترمب مع المنطقة كبقرة حلوب، ولم يكن يخفي مشاعره السلبية الساخرة تجاهها، وكانت قراراته في مجملها غير متناسبة مع حجم المكاسب التي رغب في تحقيقها، سواء في بيع الأسلحة أو العقود المالية الأخرى. وعلى الرغم من كل الضغوط التي مارستها إدارته على النظام الإيراني، إلا أنها لم تفلح حتى الآن في تحقيق الهدف الذي تطمح إليه المنطقة. وبالنسبة إلى تركيا، فلقد كان الواضح أن علاقاته الشخصية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طبيعية، ولم تزد الخلافات عن فترات قصيرة متقطعة، ويبدو أن شخصيتي الرئيسين المتقاربتين قد أسهمتا في الإبقاء على العلاقات بين أنقرة وواشنطن مفتوحة، على الرغم من التقلبات البسيطة. ولربما كانت إسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من سنوات حكمه، فقد منحها كل ما كان حكامها يرغبون به، بداية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس باعتبارها في نظره العاصمة الأبدية لكيان محتل، ثم الاعتراف بكل المستوطنات التي بنتها في الضفة الغربية، وكذلك الاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان السورية، وهي قضايا كانت كل الإدارات السابقة تمتنع عن القيام بها، وأخيراً تحقق لها اختراق المنطقة العربية حين رعى اتفاقات تطبيع مع دول ثلاث مع وعد بالمزيد.
 
وفي جردة الحساب النهائية، فإن المنطقة العربية عموماً ومنطقة الخليج خصوصاً، كانت تتعامل مع الرئيس ترمب بقلق وريبة، على الرغم من مظاهر التقارب الخادعة، فالرجل لم يكن يحمل فكراً سياسياً يمكن الحوار معه وحوله، وكان يعتمد على لغة المصالح البحتة، وهو أمر غير مرفوض، لكنه مارسه بطريقة أقرب ما تكون إلى الإكراه.
 
وفي المقابل، فإن مواقف الرئيس المنتخب جو بايدن الماضية والحديثة يجب التعامل معها من دون تهويل وتهوين، فالذين يقولون إنها كانت مجرد كلمات يطلقها المرشحون كجزء من حملاتهم الانتخابية، محقون، وكذلك الذين يتوقعون أنه سينفذها غير مخطئين.
 
جميعنا يعرف أن مواقف الرئيس المنتخب المؤيدة لإسرائيل قوية وقادرة على تهديد الآخرين من دون أن تتعرض للمخاطر، وكذلك معروف أنه من جانب آخر من أكبر مؤيدي الاتفاق النووي مع إيران، وإن كان قد صرح بإمكانية إعادة التفاوض حول بنوده أو تطويرها على الأقل، بما يقلل من مخاوف دول الخليج، ونعلم كذلك أن موقفه من الرئيس أردوغان غير ودي بسبب طريقة التعامل مع المعارضة والأكراد، ومن هنا يجب التعامل مع هذه المواقف بجدية من دون التقليل من أهميتها، ولا يجوز اعتبارها آنية يمكن تغييرها بصفقة هنا أو أخرى هناك، ومن الأنجع،  من دون شك، ألا يتم تناول قضايانا بالخفة المعهودة، فالمنطقة لم تعد تشكل للولايات المتحدة ذلك الموقع الذي لا يمكن الاستغناء عنه، بل على العكس من ذلك، فقد بالغ الرئيس ترمب في التعبير عن ذلك بلغة وقحة، ومن هنا فإنه من الخطر الإستراتيجي المبالغة في المخاوف، والاطمئنان بوجود حماية خارجية، فذلك سيجعل المنطقة تواصل مسيرة البحث الدائم عن الأمن، الذي لم تستطع أن تحققه منفردة، والاستقرار الذي لم تستطع أن تصل إليه لوحدها، لأنها كانت دائماً في موقع المتلقي ورد الفعل.
 
مصطفى النعمان @MustaphaNoman
 
أندبندنت عربية