القباب السلالية مقابل المعالم اليمنية: الحوثيون يفرضون الطائفية ويطمسون التاريخ
- الساحل الغربي، تقرير / وليد محمد:
- 10:11 2025/01/27
منذ انقلاب ميليشيا الحوثي الإرهابية على الشرعية في اليمن عام 2014 وسيطرتها على مؤسسات الدولة، انتهجت الجماعة استراتيجية واضحة لتكريس هويتها الطائفية على حساب الهوية اليمنية العريقة في المناطق الخاضعة لسيطرتها بقوة السلاح.
ومن أبرز مظاهر هذه الاستراتيجية، تركيزها على تشييد القباب والأضرحة السلالية وصيانة المساجد التي تحمل رمزية طائفية، بينما تُهمل بشكل متعمد المساجد والمعالم التاريخية اليمنية ذات الجذور السبئية والحميرية، ما يهدد بطمس هوية البلاد الثقافية لصالح مشروع طائفي مستورد من إيران.
القباب والأضرحة السلالية
خصصت ميليشيا الحوثي موارد مالية ضخمة لبناء الأضرحة وصيانة قبور أئمتها وقياداتها، والتي ظهرت عليها مظاهر الترف والتزيين حيث استخدمت في بنائها الرخام الفاخر والنقوش والزخارف البديعة في عمل مماثل لأضرحة المرجعيات الدينية الشيعية في النجف وكربلاء وقم في محاولة لإضفاء هالة من القداسة عليهم بهدف تحويلها إلى مزارٍ ليس لليمنيين وحسب وإنما لجنسيات عربية من بينها شيعة عراقيون ولبنانيون.
ومن أبرز هذه المشاريع: مبنى وضريح القيادي حسين بدر الدين الحوثي مؤسس مليشيا الحوثي في مرّان بمحافظة صعدة، الذي بلغت تكلفته إنشائه نحو 2.8 مليار ريال يمني بحسب إفادة ناشطين يمنيين، وضريح القيادي عبدالله علي مصلح وشقيقه القيادي زيد علي مصلح في صعدة، التي بلغت تكلفتهما ملايين الريالات والذي يُعد جزءًا من سلسلة أضرحة تهدف لتكريس رموز الميليشيا.
ومن ضمن الأضرحة، قبة وضريح الإمام الحسين القاسم العياني في عمران، بتكلفة تجاوزت 26 مليون ريال، وقبة وجامع الإمام الهادي في صعدة، حيث أنفقت الميليشيا أكثر من 144 مليون ريال لترميمه، بينما خصصت نحو 229 مليون ريال لبناء وصيانة عشرات القباب في صعدة وحدها خلال عام واحد.
إهمال المعالم التاريخية اليمنية
في الوقت الذي تُشيّد فيه الميليشيا القباب لأئمتها وقادتها، تتعمد إهمال العشرات من المساجد والمباني والحصون والمعالم الأثرية التي تمثل هوية اليمن الحقيقية وحضارتها ذات الجذور الحميرية والسبئية الضاربة في عمق التاريخ.
ومن أبرز الأمثلة: قلعة شمر يهرعش في مدينة رداع بالبيضاء التي تعرض جزء كبير منها للانهيار، ومبنى دار المالية الأثري بمدينة الحديدة والذي تعرض لانهيار جزء كبير منه، ومسجد الفليحي في صنعاء الذي انهارت أجزاء منه بسبب غياب الصيانة اللازمة، والمسجد الكبير في إب الذي يعاني من تصدعات خطيرة تهدد وجوده، ومسجد زبيد في الحديدة أحد أبرز معالم التراث الإسلامي الذي يعاني من الإهمال المتعمد.
فرض القداسة وزيارات الأضرحة
لا تقتصر ممارسات الحوثيين على بناء الأضرحة، بل تشمل إجبار الموظفين والمواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم على زيارة هذه الأضرحة والتبرك بها تحت مزاعم أنهم ينحدرون من "آل البيت"، في محاولة لتكريس مفهوم الولاية الذي يدعي زعيم الجماعة أحقيته فيه.
هذه الممارسات تُوظف لتعزيز الطائفية، وشرعنة حكم الحوثيين الانقلابي تحت غطاء ديني زائف، مستغلين حالة الفقر والعوز في المجتمع لترسيخ هذه الأفكار العقائدية المنحرفة.
استنساخ التجربة الإيرانية
تكشف هذه السياسات عن استنساخ واضح للنموذج الملالي الإيراني في بناء الأضرحة كتلك في طهران وقم وكربلاء واستخدامها كأداة سياسية واقتصادية لصالح قيادات مليشيا الحوثي الكهنوتية.
ووفقًا لمراقبين، تهدف المليشيا الحوثية عبر هذه الممارسات إلى خلق رموز دينية مقدسة تسهم في تكريس القداسة الزائفة والولاء الأعمى للميليشيا وقياداتها، إضافة لتحويل الأضرحة إلى مراكز اقتصادية عبر صناديق تبرعات "عائدات المراكز المقدسة"، التي تجمع الأموال باسم الدين وتحوّلها إلى القيادات الحوثية.
كما تسعى إلى طمس الهوية الثقافية اليمنية واستبدالها بهوية طائفية مستوردة تعكس النفوذ الإيراني.
ويرى الصحفي وليد العمري أن "الميليشيا الحوثية تسعى لإعادة تشكيل النسيج الاجتماعي والثقافي في اليمن بما يخدم مشروعها الطائفي المستورد من إيران".
وأضاف أن "بناء الأضرحة ليس فقط أداة لنشر الطائفية، بل يُستخدم أيضًا لإضفاء الشرعية على الهيمنة السياسية للجماعة، مما يعمّق الانقسام المجتمعي".
وأكد العمري أن استمرار ميليشيا الحوثي في فرض رموزها الطائفية وبناء الأضرحة على حساب الهوية اليمنية يشكل تهديدًا خطيرًا للنسيج المجتمعي اليمني، منوهًا أن هذا التوجه المستوحى من التجربة الإيرانية يعزز من الهيمنة الطائفية ويهدد التعايش المذهبي منذ عقود، مما يستدعي استجابة جادة من القوى الوطنية والمجتمع الدولي للحفاظ على الهوية اليمنية وموروثها الثقافي.