مفارقات بين أسرى الحكومة والمليشيات

06:23 2020/11/07

في الوقت الذي تفتح فيه عملية تبادل الأسرى نافذة أمل لليمنيين قد تجلب السلام المنتظَر، بين الحكومة الشرعية من جهة، ومليشيات الحوثي من جهة أخرى.. إلا أن المليشيا الانقلابية تعمل على استثمار الحدث بشكل إعلامي تهدف من ورائه استخدامه كوقود لمعاركها التي لا تنتهي. 
 
وخلافاً للأسرى الواصلين إلى مناطق حكومة الشرعية، الذين قاموا بتأدية سجود الشكر في مدرج مطار سيئون فرحاً بالحرية التي عانقوها، بعد سنوات من التعذيب الجسدي والنفسي، وذاك هو الخبث والإجرام الحوثي، وكانت الصور والأشكال والعكازات هي وحدها كفيلة أن تحكي عن هول التعذيب الوحشي والتجويع لسنوات أسرهم، بل أكثرهم يعاني من حالة نفسية وأمراض مزمنة جراء عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، ناهيك عن العنف والتعذيب الذي لحق بهم. 
 
فيما ظهر الحوثيون وهم يؤدون الصرخة الحوثية في مطار صنعاء، وفقاً لما أذاعته وسائل إعلامية حوثية، ورغم "بهرجة" الاحتفال الزائف في الاستقبال، بدأت مليشيا الحوثي بخنق فرحة أهالي الأسرى التابعين لها على الفور، وهي تحرضهم على العودة إلى جبهات القتال، لحظة وصولهم إلى مطار صنعاء الخاضع لسيطرتها. واعتقال عدد منهم إلى أماكن مجهولة، بحسب ما نقلته وسائل إعلامية للتحقيق معهم. 
 
وعمدت المليشيا على تصوير الإنجاز الذي حققته الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، باعتباره نصراً عسكرياً لها، وحاولت إعادة تحسين صورتها لدى أنصارها بعد إفشال كافة صفقات التبادل، بتوزيع هدايا للأسرى المحررين، وفق ما روجت لها في وسائلها الإعلامية.
 
وتنظر المليشيات الحوثية للاختراق النوعي في هذا الملف الإنساني البحت، بأنه فرصة ذهبية للاستثمار الإعلامي لرفع معنويات أتباعها المنهارة وإعادة ترميم الثقة مع قبائل شمال اليمن، في محاولة لحشد المزيد من المقاتلين وإرسالهم للجبهات.
 
وما يبرهن ذلك اقتناص المليشيات للفرص والترويج لها والاستفادة منها، عكس الحكومة الشرعية المنشغلة في حالها الشخصي لا الوطني، فمن المفارقات، بأن مليشيات الحوثي قد رتبت ووجهت قبل الإعلان عن الحدث ومنذ أيام دعوات جماعية لأتباعها والسكان في المدن والأرياف الخاضعة لسيطرتهم للاحتشاد والتوافد إلى ساحة "المطار" و"السبعين" وسط صنعاء لاستقبال الأسرى المفرج عنهم.
 
ومارست الترغيب والترهيب لإخراج المواطنين في مناطق سيطرتها للتظاهر، وهو ما يعني أن الهدف ليس مشاركة فرحة الأسر والعناصر المفرج عنهم، وإنما استثمار الحدث وتوظيفه سياسياً وإعلامياً وعسكرياً على المستوى المحلي والدولي.
 
وأبدى ناشطون يمنيون مخاوفهم من خلال عودة قرابة 1000 مقاتل إلى صفوف مليشيا الحوثي في الصفقتين اللتين تمتا، الأربعاء، مقابل رهينتين أمريكيتين وشملت قرابة 280 جريحا، والخميس والجمعة في عملية تبادل الأسرى والتي تضمنت إطلاق سراح 680 أسير حرب.
 
وقالوا إن الكثير من جرحى مليشيا الحوثي كانوا عبارة عن قيادات بينهم خبراء في الطيران المسير وإطلاق الصواريخ، كما تتواجد قيادات ميدانية عسكرية بين الأسرى وقد يشكل عودهم اشتعالاً أكثر ضراوة لجبهات القتال. 
 
فيما كان يفترض أن يكون اتفاق الأسرى "بادرة سلام" ليس فيه انتصار لطرف سوى للإنسانية، لكن الاحتفالات الحوثية على طريقة "النصر العسكري" ترسم صورة قاتمة عن مستقبل السلام في اليمن.
 
وهذا ما يكشف أن المليشيا الحوثية توجه رسالة للجميع مفادها لا وقت للسلام، حتى أهالي الأسرى الحوثيين لن يجدوا الوقت الكافي لتوديعهم مجدداً، حيث يعكس الاستقبال العسكري للأسرى مدى النقص الشديد في الموارد البشرية لجبهات الحوثي.
 
وتنمّ الفرحة الحوثية في طريقة استقبال الأسرى والجرحى، عن افتقار مليشيا الحوثي لكوادرها القتالية المدربة التي لعبت دوراً بارزاً في معارك سابقة، فيما تستغل عودتهم من الأسر لرفع المعنويات القتالية في صفوفها وحشد المزيد من المقاتلين خصوصاً لدى القبائل.
 
إلا أن عودة 240 جريحاً أرسلتهم مليشيا الحوثي للعلاج في الخارج هم بالطبع من ذوي الخبرات العسكرية الخاصة، ومن المرجح جداً أن يكون من بينهم خبراء تفخيخ وقناصة متمرسون تُشكل عملية إنعاش لمليشيا الحوثي التي تكاد جبهاتها تنهار جراء نزيف قياداتها المتواصل وخاصة تكبد المليشيات خسائر مضاعفة لتحركاتها وتصعيدها الانتحاري مؤخراً في جبهات الساحل الغربي. 
 
في المقابل تحقق الحكومة والتحالف العربي بقيادة السعودية ودولة الإمارات مكاسب أمام المجتمع الدولي كأطراف تلتزم بما نصت عليه القوانين والاتفاقات الدولية ذات الصلة، استمراراً لجهود تحسين الوضع الإنساني وإن انطو…
 
* صحفي وناشط حقوقي