ماذا لو كانت الجدران تصرخ؟ عدنان الشامي يروي سنواته في السجون الحوثية
- عدي الدخيني، الساحل الغربي، خاص:
- 10:00 2024/11/26
خمس سنوات ونصف بين أربعة جدران لا خامس لهما قضاها الرياضي والناشط المجتمعي عدنان الشامي "45 عامًا" من أبناء مدينة هجدة غربي محافظة تعز، اعتقال، ثم إخفاء قسري، ثم تعذيب وسجن انفرادي، ثم محاكمة ليخرج مصابا بإنزلاق في العمود الفقري ويعاني من اضطرابات نفسية.
يقول الشامي لـ "الساحل الغربي" تم اعتقالي من قبل مليشيا الحوثي في العام 2016 من مدينة هجدة أثناء ما قمت أنا وزملائي بتقديم المساعدة للنازحين الوافدين من مناطق أخرى إلى مدينة هجدة في بداية الحرب، مما تفوق على عدد سكانها، قمت أنا وبعض من الزملاء في المنطقة بالتنسيق مع المنظمات لتوفير المساعدات اللازمة للنازحين وكنا نحتاج إلى مخازن لوضع المساعدات الغذائية فيها، وكان هناك مخازن تحت سيطرة نفوذ من المتحوثين الموالين للجماعة قاموا بمنع الزملاء من استخدام المخازن، وكنت حينها كوني معروف في المنطقة ولدي حاضنة شعبية من الشباب قمت بفتح هذه المخازن ووضعنا فيها المساعدات الإغاثية، إلى جانب تولى مسؤولية الحراسة والإشراف على المخازن.
لم يمض وقت طويل من أداء عدنان واجبه مع النازحين إلا وتلقى تهديدات من الحوثيين بالسجن والقتل، وتم اعتقاله مع زميل له، ليبدأ رحلة من العذاب استمرت خمس سنوات ونصف.
عام من العذاب والجوع
بعد مرور عامًا من اعتقاله، عانى عدنان وزملاؤه من ظروف صحية سيئة، إلى جانب الجوع التي واجهنه في سجن الأمن السياسي في محافظة إب، أصيبوا من خلاله بأمراض معدية نتيجة عدم تعرضهم لأشعة الشمس، وسوء التغذية.
في السياق ذاته يقول الشامي تلقينا أصناف العذاب والجوع في سجن الأمن السياسي بمدينة إب، أصبنا بأمراض معدية ولم نتلقى الرعاية الصحية من قبل إدارة السجن.
وتابع حديثه شاهدة أربع حالات وفاة لأربعة أشخاص من كانوا معي في السجن يموتون أمام أنظار عيني نتيجة الإهمال الطبي، في حالة يرثى لها.
تعذيب وترهيب
وحده السجن كان كافيا لعدنان، لكن الجماعة لم تكتفي بذلك أقدمت على تعذيبه ومن معه طيلة السنوات التي قضاها في سجونها.
يصف الشامي تجربة اعتقاله بكلمات مؤلمة، قائلاً: "عشت ويلات من الرعب والخوف والترهيب في سجون المليشيا". تعرضت خلالها لأنواع متعددة من التعذيب الجسدي، والنفسي، والسب والشتم، كان يتم تعذيبي من الساعة السابعة مساءً حتى الرابعة فجرًا، باستخدام أساليب وحشية مثل التعليق والضرب الشديد والصعق الكهربائي.
تعرض عدنان إلى إصابات خطيرة أدت إلى انزلاق في العمود الفقري وتضيق في القناة الشوكية، مما أفقده الحركة.
لم يكن الشامي الأول ولا الأخير ممن اعتقلتهم مليشيا الحوثي واستخدمت بحقهم أصناف التعذيب بل هناك الآلاف من المعتقلين يقبعون في سجون المليشيا يواجهون أصناف من التنكيل والتعذيب من قبل مليشيا لا تعرف للرحمة سبيلا.
كان أحد هؤلاء المعتقلين بحسب ما نشرته منظمة أمهات المختطفين بحسابها على منصة "فيسبوك" أن السجين المحرر محمد أبو زيد من إحدى السجون السرية للمليشيا في محافظة الحديدة الذي تم إطلاق سراحه بعد سنوات من أعتقاله، تحدث لها بأنه تعرض لثلاثين جلسة تعذيب في عدد من السجون السرية التي تستخدمها الجماعة.
ووفق أبو زيد بأنه كان يتم تغطية رأسه في أوقات الحر الشديد بأكياس بلاستيكية حتى يوشك على الاختناق، والضرب بالكابلات على جميع أنحاء الجسد، والضرب على الكلى بحجر مما تسبب له بفشل كلوي، وقد ظل مدة عشرين يومًا عاجزا عن التبول ورفض الحوثيون إسعافه مما أدى إلى وفاته.
ذكريات مؤلمة
لا تزال ذكريات التعذيب ترافق عدنان حتى اللحظة، أصبح من الصعب عليه تجاوز تلك الفترة، حد قوله.
يتابع الشامي حديثه قائلا: قضيت خمس سنوات على التوالي في سجون المليشيا، منها سنة ونصف في سجن الأمن السياسي بمحافظة إب، ثم تم نقلي إلى سجن الأمن السياسي مرة أخرى في محافظة صنعاء، بعد خمس سنوات من السجن نسبت لي الجماعة تهمة لا أعرف ما هي غير تم محاكمتي ضمن مجموعة من أبناء منطقتي هجدة، رغم أني ليس لي أي صفة بهم ولا أي معرفة، بعد ذلك استمرت محاكمتي حتى طلعت براءة وتم الإفراج عني.
ويتابع خلال المدة التي قضيتها في سجن الأمن السياسي بصنعاء توفي الكثير من السجناء في زنازين السجن وأنا أشاهدهم من شدة التعذيب الذي تلقينه، لم أستطيع نسيان ذلك الموقف المؤلم اللي حصل معي.
يتساءل الشامي كيف يمكنه العودة إلى الحياة الاجتماعية بعد كل ما واجهه في سجون الحوثيين، وفقدان عمله في مجال الرياضة التي كان يقتات منها، وكيف سيبني حياة أسرية بعد كل هذا العمر وهو لم يتزوج.
في هذا السياق يقول الدكتور أنور الزبير، أستاذ علم النفس في جامعتي تعز والحديدة لـ "الساحل الغربي" أن الأحداث الصادمة التي يتعرض لها المعتقلون في سجون الحوثيين تؤدي إلى العزلة وتنتج ذكريات مؤلمة له، وأضرار نفسية وعقلية وجسدية تترافق هذه الأضرار مع اضطرابات نفسية وجسدية، وتستمر آثارها حتى بعد خروج المعتقل من السجن.
ويشير الزبير إلى أن هذه الأضرار النفسية قد تتسبب في الاكتئاب الحاد، الشرود الذهني، واللامبالاة، بالإضافة إلى شعور الفزع، خاصةً إذا تعرض المعتقل للتعذيب وعمليات غسيل الدماغ.
وأوضح أنه كلما زاد التعذيب والحرمان وطالت فترة الاعتقال، زاد عمق الجروح النفسية، فحرمان المعتقل من النوم، والضرب، والشتم، والتهديد، وكذلك الاتهامات المستمرة بأنه أرتكاب جرائم وإلخ..، بالإضافة إلى السجن الانفرادي، كلها عوامل تساهم في إحداث جروح نفسية عميقة.
ويضيف الزبيري أن المعتقل بعد خروجه من سجن الاعتقال، يحتاج إلى دعم نفسي وفي الأحيان يحتاج إلى علاج نفسي نتيجة ما تعرض له، ويحتاج إلى مساعدة نفسية ضرورية إذا لم يحصل على دعم نفسي فليبدأ بالانخراط في عمل خفيف حتى يستعيد عافيته ويبحث عن أصدقائه القدامى حتى يتعايش معهم ويستعيد صحته النفسية.