بيان مؤتمري يرفض الانقلاب على "أهداف ثورة 26 سبتمبر".. الحوثي يجتث ما بقي من جذور حزب المؤتمر بصنعاء
- توفيق الشنواح | independentarabia
- 04:02 2023/09/29
تترافق الإجراءات مع تزايد الغضب الشعبي ضد الميليشيات عبرت عنه التظاهرات الشعبية الأخيرة
يبدو أن كرة ثلج الخلافات بين جماعة الحوثي وشركائهم بحزب المؤتمر الشعبي "جناح صنعاء" بدأت بالتدحرج في طريقها لتكبر، بعد أن دفعتها الخلافات نحو اصطدام وشيك يشبه ذلك الذي جرى في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وانتهى بمقتل زعيم الحزب ومؤسسه الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وتفرد الجماعة بمقاليد السلطة في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
وأخيراً تصاعدت حدة السجال بين شريكي "حكومة الإنقاذ" التي لا تمتلك، وفقاً لمراقبين، أية صلاحيات من الأساس بعد حصرها بيد قيادات حوثية، مما ينذر بانتهاء "زواج المصلحة" الذي جمع الطرفين في عام 2014 ضد الرئيس الجنوبي السابق عبدربه منصور هادي.
حكومة بن حبتور
هذا الخلاف الذي بدا على هيئة اتهامات متبادلة بين طرفي "حكومة صنعاء" خرج إلى العلن مساء أمس الأربعاء بإعلان ميليشيات الحوثي إقالة الحكومة غير المعترف بها دولياً في صنعاء برئاسة عبدالعزيز بن حبتور (المنتمي لحزب المؤتمر) وتكليفها بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة انقلابية جديدة.
وقالت ميليشيات الحوثي عبر ما يسمى "مجلس الدفاع"، وهو كيان أنشأته على غرار مجلس الدفاع الوطني التابع للحكومة الشرعية المعترف به دولياً، إنها تعتزم تشكيل حكومة "كفاءات" انقلابية جديدة كمرحلة أولى، وهو ما اعتبره مراقبون انقلاباً داخلياً على حزب المؤتمر الشعبي العام جناح صنعاء، لتحقيق أهداف عدة منها تجريف ما بقي من شركائهم، ليتسنى الاستئثار بكل ما تحت يدهم من سلطة وثورة وقرار، وتقديمه كبش فداء أمام المواطنين المطالبين بصرف المرتبات في مناطق سيطرته، وبالتالي تخدير الشارع الملتهب خصوصاً، وترافقت تلك الإجراءات مع وعود أطلقها زعيم الجماعة بإجراء "تغييرات جذرية" في هياكل المؤسسات الحكومية عبرت عنه الحملات الضخمة في وسائل إعلام الحوثيين على مدى الأيام الماضية مع تصوير المشكلة لدى الطرف الآخر المتمثل بالحكومة الشرعية.
وكان الحوثيون شكلوا "حكومة بن حبتور" في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وشملت عدداً من الوزراء المنتمين لحزب المؤتمر بلا صلاحيات حقيقية واتخذتهم، بحسب متابعين واجهة لـ"الشراكة الوطنية" الشكلية لشرعنة سياساته المستمدة من نظام إيران، في حين تقع الصلاحيات كافة تحت يد عدد من أذرع الميليشيات في مكتب زعيم الجماعة ومؤسسات الرئاسة والمجلس السياسي والمخابرات وغيرها.
يسعى زعيم الحوثيين إلى اقتفاء أثر المرشد الأعلى الإيراني وفقاً لمراقبين (أ ف ب)
لا شراكة
الإجراءات الحوثية تتزامن مع تنامي الغضب الشعبي إزاء سياسات الجماعة الثيوقراطية، وفي مقدمها سلوكها القمعي ورفضها القاطع صرف مرتبات الموظفين العموميين منذ ثمان سنوات عبروا عنه بالخروج العفوي الكبير احتفاء بذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر (أيلول) التي أطاحت بحكم الأئمة الزيدية 1962 بشكل عفوي أحرج الجماعة في عقر دارها، واعتبرت رسالة ضمنية واستفتاء شعبياً رافضاً لهم.
في حين اعتبرها الصحافي في حزب المؤتمر الشعبي ثابت الأحمدي خطوة استباقية لامتصاص غضب الشارع تجاه انتهاكات الجماعة، ومساعيها اليومية إلى تضييق الحريات العامة على خطى النظام الإيراني وتنظيم "داعش".
في قراءة لأبعاد القرار الأخير يقول الأحمدي لـ"اندبندنت عربية" إن السلاليون الإماميون لا يريدون أن يشاركهم أحد في سلطتهم إلا أن يكون مجرد تابع لهم لا أكثر، وكل الذي حصل أخيراً هو الاستغناء عن التابع لا أكثر.
ويضيف "خلال الفترة الماضية كانوا حريصين على امتصاص غضب المؤتمر الشعبي العام في أنحاء البلاد بعد أن غدروا برئيسه، فلجأوا إلى ما سموه المشاركة، وكانت مشاركة صورية شكلية فقط لم يعد من مبرر اليوم لوجودها بعد أن تطبع كثيرون مع الوضع، وتناسوا الزعيم صالح".
أما ما يسمى بحكومة الكفاءات فالمقصود به في الواقع "الكفاءات السلالية" (في إشارة إلى النهج الحوثي المتعصب الذي يتبنى تنصيب فئة اجتماعية معينة في سدة الحكم تدعي انتسابها الجيني للرسول محمد، باعتبار ذلك "حقاً إلهياً" و"اصطفاء وولاية" لهم من دون غيرهم) التي تستطيع إحكام القبضة النهائية على الجماهير حد تصورهم وهذا محال".
ويشير إلى أن "هناك مشاريع أخرى أكبر من مسألة تغيير الحكومة، لأن تغييرها لا يحتاج إلى كل هذه الجلبة الحوثية، ولكنه لأسباب أخرى اقتصر إعلانهم التغيير الجذري بتغيير الحكومة فقط".
ومنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات في عام 2014 حاولت الجماعة تقديم نفسها للمجتمع اليمني والإقليم والعالم بأنها تنتهج خيار الشراكة الوطنية في صناعة القرار، إلا أن واحدة من أهم أسباب الخلاف الماضي والحالي بين الجماعة وشركائها تتمثل في سياسات الإقصاء والتهميش ومصادر حق التعبير والرأي والعيش بحرية في مناطق سيطرتها، وفقاً لإفادات قيادات مؤتمرية غادرت صنعاء في وقت سابق.
تفرد آخر
واعتبر ناشطون سياسيون أن التغيرات الحوثية تعد حرباً جديدة ضد كل من لا ينتمي للطائفة التي تقدسها، وتقديم حكومة الانقلاب التي ترأسها الأكاديمي والسياسي الجنوبي بن حبتور قرباناً لمخططاتها المقبلة التي يتوقعون أن تتضاعف معها سطوة القمع والتنكيل في حق كل من يخالفها.
وقال الناشط السياسي عبدالكريم المدي إن ميليشيات الحوثي سعت من خلال إقالة حكومة بن حبتور غير المعترف بها إلى تقديمها ككبش فداء وقرباناً لمخططاتها.
وأشار في تدوينة على حسابه في منصة "إكس"، إلى أن "التغيرات ستكشف وجه الإمامة بنسختها الحوثية المتجددة".
وأضاف أن "خطاب زعيم الميليشيات الحوثية عبدالملك الحوثي يسعى إلى تحويل المؤسسات والقضاء والنيابة إلى هباء فضلاً عن التخلص من كل مؤسسة دستورية، لكن مع ذلك ستظهر لهم قيمة وعقبة يمنية جديدة".
في حين يرى آخرون أن قرار إطاحة ميليشيات الحوثي بقيادات المؤتمر جناح صنعاء، جراء موقفها الأخير المساند لمطالب صرف مرتبات الموظفين من إيرادات الدولة التي تجنيها الميليشيات سنوياً وتقدر بمليارات.
وهو ما جرى قراءته في سياق المحاولات الحوثية لاجتثاث ما بقي من مؤتمر في مناطق سيطرتها، خصوصاً إذ أشارت تقارير صحافية نشرت في الفترة الماضية إلى أن عبدالعزيز بن حبتور طلب من قائد الجماعة عبدالملك الحوثي، إعفاءه من منصبه على خلفية مصادرة صلاحياته بما فيها الشكلية التي كان يتمتع بها، فضلاً عن تعرضه لإهانات متكررة من قادة الميليشيات، وهو ما نفاه لاحقاً مصدر مسؤول في مكتب بن حبتور نشره في النسخة الحوثية من وكالة "سبأ".
ومع تصاعد الاحتجاجات في شأن الرواتب، وصف رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط رئيس حزب مؤتمر صنعاء والمعلمين والأكاديميين وأساتذة الجامعات والموظفين الحكوميون المطالبين بالرواتب بـ"الحمقى والغوغائيين والعملاء المرتزقة الذي يخدمون العدوان"، في كلمة ألقاها هذا الشهر. متهماً إياهم "بإثارة الفتن والمؤامرات والعمل لمصلحة المخططات الأميركية"، وتوعد بمحاسبتهم وذلك على خلفية دعم أمين عام حزب المؤتمر صادق أمين أبو راس للمطالب الشعبية بصرف الرواتب، والكشف عن مصير الموارد الضخمة التي تتحصلها الجماعة في مناطق سيطرتها. وهو ما أثار سخط الحوثيين الذين راحوا يتوعدون قادة وأنصار حزب المؤتمر بالاجتثاث، ووصفوهم بـ"الخلايا النائمة" و"الطابور الخامس" الذي يعمل لصالح لأعداء.
وفي وقت سابق اقترحت الحكومة الشرعية تسليم رواتب الموظفين إلى المستفيدين في مناطق سيطرة الميليشيات مباشرة، وفقاً لقاعدة بيانات الخدمة المدنية والعسكرية عام 2014 (قبل الانقلاب الحوثي)، إلا أن الجماعة رفضت ذلك مطالبة بالحصول على المبلغ عبرها وصرفه وفق البيانات الحالية، أي بعد قيامها بإحلال عشرات الآلاف من أنصارها عوضاً عن الموظفين الذين فروا إلى مناطق سيطرة الحكومة، أو أولئك الرافضين العمل مع سلطاتها من دون مقابل.
اقتفاء أثر المرشد
ومساء أمس أعلن زعيم الحوثيين عبدالملك بدر الدين الحوثي مرحلة "التغيير الجذري" في مناطق سيطرة جماعته، وتوعد في خطابه عشية ذكرى المولد النبوي أن التغييرات الجذرية في مؤسسات الدولة ستؤسس لمرحلة جديدة في تحسين دورها لخدمة الشعب.
وأضاف أن "التغيير الجذري كان يجب أن يتم بعد ثورة الـ21 من سبتمبر، لكننا شغلنا بالقتال".
وشبه محللون التغييرات الحوثية المرتقبة بتلك المستمدة من مرحلة "الدفاع المقدس والتغيير الجذري" التي أعلنها المرشد الخميني بعد الثورة الإيرانية، واستمرت نحو 10 سنوات أعاد فيها تشكيل الدولة والمجتمع في إيران، وأنشأ مؤسسات تحمي سلطاته الدينية.
ومنذ انقلابهم سعى الحوثيون إلى تغيير شكل وهيئة عدد من مؤسسات الدولة في صنعاء وبقية المحافظات بشكل متدرج، بدءاً بالمؤسسات ذات الطابع الديني والإيرادي، وهو اعتبرته الحكومة الشرعية حينها مسعى حوثي إلى تعزيز سطوتهم الدينية الطائفية على القطاعات كافة مثل وزارة العدل والإرشاد والأوقاف وهيئة الزكاة والمعونات الإغاثية والمنظمات الإنسانية وغيرها، وهي محاولة لإعادة تجرية "العهد الإمامي" بالسيطرة على القطاعات المالية والدعائية التي ترتبط بشكل مباشر بمكتب السيد الحوثي الذي يؤدي دور المرشد الأعلى، بمعزل عن الوزارات والمؤسسات القانونية الرسمية وأجهزتها التنفيذية والرقابية.
ابتهاج شعبي ورفض مؤتمري
وفي إطار حال الصراع والجدل، أعلن حزب المؤتمر الشعبي العام الأحد الماضي رفضه "أي تغييرات تتناقض مع أهداف ومبادئ ثورة الـ26 من سبتمبر".
وقال الحزب في بيان له، بمناسبة الذكرى الـ61 لثورة الـ26 من سبتمبر "إن أي تحول أو تغيير يجب أن يرتبط وينطلق ويستمد مشروعه وقيمه ومبادئه من الأهداف الستة لثورة الـ26 من سبتمبر وقيمها ومثلها الوطنية".
وأضاف أن تلك القيم "كانت وستظل شعاع النور والتنوير الذي يجب أن نهتدي به في كل مراحل التحولات التي تمر بها اليمن واليمنيون".
وبالتزامن شهدت صنعاء تظاهرات حاشدة جاب فيها آلاف من الناس الشوارع حاملين الأعلام الوطنية للتنديد بالقمع والانتهاكات التي يرتكبها الحوثيون.
وقام محتجون بإضرام النار في صور عبدالملك الحوثي للتعبير عن رفضهم لمشروعه الإمامي المستبد.
وتعرضت هذه الاحتجاجات لاعتداءات من عناصر مسلحة تابعة للحوثيين منها اشتباكات في صنعاء بين عناصر الميليشيات والمتظاهرين بالحجارة والرصاص.
وتأتي هذه التطورات مترافقة مع عودة الزخم الدولي الضاغط نحو تفعيل محادثات السلام بين الحوثيين ومسؤولين سعوديين وصفها الطرفان بأنها "جدية وإيجابية"، عقب زيارة علنية قام بها وفد حوثي إلى السعودية هذا الشهر واستمرت خمسة أيام.