"العطلة الصيفية".. إنتاج حوثي لقتلى جدد!

  • الشرق الأوسط :
  • 10:56 2023/06/17

"أحضروا لنا جثته من مأرب بعد عام على التحاقه بالمركز الصيفي"، قال محمد الإبي عن شقيقه "علي" (15 عاماً) الذي جرى تجنيده عقب التحاقه بالمركز الصيفي في مدرسة الحي الذي تعيش فيه عائلته منذ عقدين في صنعاء.
 
وقال الإبي(31 عاماً) : ترتبط المراكز الصيفية والمدارس الحكومية بكابوس لعائلتنا، حيث كان المركز الصيفي في مديرية شعوب الخطوة الأولى وراء تجنيد أخي الذي التحق عقب ذلك بمركز تدريب عسكري ثم الانتقال للقتال في مأرب عام 2021، ليعود جثة بعد مقتله باشتباكات.
 
بدأ الحوثيون الأسبوع الماضي المراكز الصيفية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أكثر من ستة آلاف مركز لاستيعاب قرابة 700 ألف طالب، طوال العطلة الصيفية التي تستمر عدة أسابيع-حسب ما أفاد مسؤول في وزارة التربية والتعليم التابعة للحوثيين.
لم يكن “علي”-حسب ما يقول شقيقه- مرتبطاً بالحوثيين من قريب أو بعيد حتى “العائلة ليس لها علاقة بالسياسة أو العسكرة، أو الجدل الفكري، أو الحزبية: والدنا كان معلماً، ومعظم عائلتنا تعمل في القطاع الخاص أو التدريس، لكن علي اندفع مع أصدقاءه للمركز الصيفي وهو في الصف الأول الثانوي، بدلاً من أن يبقى في الشارع دون عمل، وحدث ما حدث”.
 
تحشيد وموازنة ضخمة
 
بدأ الحوثيون العطلة الصيفية للمدارس بحملة واسعة لدفع الطلاب إلى المراكز الصيفية، شارك فيها خطباء المساجد بما في ذلك خطباء يوم الجمعة، والنساء الحوثيات اللواتي يقمن فعاليات في الأحياء، والمشرفين الحوثيين في المجالس والمقايل.
 
وقال خطيب الجمعة في حارة “سواد حنش” في صنعاء، يوم أمس: إن دفع أبنائنا إلى المراكز الصيفية يمنعهم من الانحراف خلال إجازة العطلة الصيفية؛ يجب دفع أبنائكم إلى المراكز الصيفية في المدارس الحكومية والمساجد ليتعلموا دينهم ووصايا نبيهم والعلم الشرعي، ويبتعدوا عن الشوارع وأبناء السوء.
 
وحسب المصدر في وزارة التعليم التابعة للحوثيين، فإن التجهيز للمراكز الصيفية بدأ قبل شهر رمضان المبارك، حيث تم الانتهاء من الخطط المرسومة ودليل الإرشاد الصيفي الذي تشرف على تنفيذه الإدارة العامة للدورات الصيفية ومكونة مسؤولين حوثيين ومشرفين عقائديين.
ويضيف المصدر الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: تملك موازنة مالية كبيرة (لم يحددها). في وقت يرفض الحوثيون تسليم رواتب المعلمين والموظفين الحكوميين منذ سنوات.
 
“لم يتلقوا تعليماً في المدارس الحكومية طوال العام، وفي الصيف تفتح المراكز الصيفية بتمويل سخي وملايين الريالات التي تنفق بشكل أسبوعي لاستهداف الأطفال وتجنيدهم”- قال محمد المروي المعلم مادة “الاجتماعيات” في صنعاء.
 
أضاف المروي: لا أحد يعرف معاناة المعلمين ومعظمهم ليس مهتماً، الأمر ذاته بالنسبة للطلاب وما يتلقونه، هذه حاضنة طائفية تستمر لعدة أجيال، يستعدون لفترة طويلة من السيطرة وإدارة السكان والناس.
 
ما الذي يتلقونه؟
 
حسب المعلمين والمسؤولين فإن الخطورة ليست في المراكز الصيفية بل فيما يتلقاه “النشء” الجديد، فما الذي تلاقاه الأطفال في هذه المراكز؟
 
يشير الدليل الصيفي إلى عدد كبير من البرامج والأنشطة بينها: مناهج تحمل دورس إيمانية وثقافة قرآنية وفكرية وتعليمية، ورحلات وانشطة صحية وزراعية ورياضية.
 
تقدم الأعوام الماضية والدليل الصيفي هذا نوعية الدروس التي سيتلقاها هؤلاء الطلبة تتمثل في: العقيدة وفق مايقولون إنه المذهب الزيدي، والإيمانية عبر ملازم (كتيبات) مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، ودروس محاضرات وخطابات زعيم الحوثيين الحالي عبدالملك الحوثي. ودروس تتعلق “بالولاء والبراء” و”الولاية” و”أعلام الهدى”، والجهاد في سبيل الله بقتال العدوان والمرتزقة في إشارة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية والحكومة المعترف بها دولياً.
 
كما يقوم الطلاب في هذه المراكز بالقسم: اللهم إنا نتولاك ونتولى رسولك ونتولى الإمام علي ونتولى من أمرتنا بتوليه سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي (زعيم جماعة الحوثي)؛ ونبرأ إليك من أعدائك وأعداء رسولك وأعداء الإمام علي وأعداء من أمرتنا بتوليه.
 وقال حمود السالمي وهو معلم تابع للحوثيين في مدرسة في صنعاء: تعمل المراكز الصيفية بتوعية الطلاب بمسؤولياتهم تجاه أنفسهم والوطن والولاء لله ورسوله وأعلام الهدى، والبراءة من أعدائه.
 
وأضاف.. تساعد الطلبة على تطبيق بعض مفاهيم الثقافة القرآنية وتحويلها إلى ممارسات في حياتهم، والقيام بأنشطة هادفة تجعل حياة الطالب كلها لله.
 
وحول أن بعض الدروس طائفية وتخص الجماعة وحدها رد السالمي: سيدي حسين بدر الحوثي وسيدي عبدالملك وأعلام الهدى يملكون رؤية واضحة وضوح الشمس لحياتنا وفق أوامر الله ونواهيه، وتعليم ملازمهم وقراءتها وسماع خطاباتهم تقرب إلى الله وليس عيباً أو مدعاة للخجل كما يقول المرتزقة.
 
يشير السالمي إلى أنهم يقومون-أيضاً- “بتعليم الطلاب والطالبات في الإعدادية والثانوية، أساسيات السلاح، الفك والتركيب، وإطلاق النار”؛ لافتا إلى أن “الطلبة يقومون بالتدرب العملي على القتال والقنص خلال الرحلات خارج المدارس”.
 
ويقول السالمي إن هذه “المهارات أساسية لحياة الطلاب ومستقبلهم، والجهاد في سبيل الله، فالبندق (الكلاشينكوف) والمسدس والقنابل موجودة في حياة الطلاب ويجب تعليمهم التعامل معها”.
 
يشدد السالمي التأكيد إلى أن المراكز الصيفية تقوم بتقديم بعض الدروس “للطالبات في التدبير المنزلي، والحشمة، والاسعافات الأولية؛ فيما بعض الدروس للطلاب حول الزراعة”.
 
أين أولياء أمور الطلبة؟
 
وتثير المراكز الصيفية قلق الأهالي والمجتمع المحلي، حيث يرفض العديد من أولياء الأمور إرسال أبنائهم إلى هذه المراكز الصيفية المشبوهة. ويرون أن هذه المراكز تعمل على زرع السموم الطائفية وترويج الأفكار المتطرفة التي قد تؤثر سلبًا على الطلاب وتؤدي إلى تفاقم الانقسامات والصراعات في المجتمع.
 
وقال محيى الدين الحكيمي (40 عاماً) والذي لديه أربعة أطفال (ثلاثة أولاد وفتاة): إن من المستحيل إرسال أبناءه للمراكز الصيفية أو حتى للمسجد، لا أريد أن يكون لدي طفل طائفي أو مقاتل، أو يقترب من هذا الطريق من قريب أو بعيد.
 
يشير الحكيمي إلى أن ابن “جاره المراهق قُتل في إحدى الجبهات قبل خمسة أعوام وهو لا يزال في المدرسة، أثار ذلك الرعب لدي ولدى زوجتي، لا يمكن أن أسمح بذهاب إبني للقتال والعودة جثة هامدة أو معاق”.
 
ويقول كثير من المعلمين في المدن الرئيسية في صنعاء وذمار: إن وعياً كبيراً لدى أولياء الأمور بعدم ارسال أبنائهم للمراكز الصيفية، يتزايد بمرور السنوات.
 
لكن يشيرون إلى أن معظم “الذين يذهبون إلى هذه المراكز هم في القرى والمديريات النائية”؛ وهي البيئة الخصبة لتجنيد الحوثيين للمقاتلين.
 
مركز صيفية بالقوة
 
في مواجهة هذا الرفض المجتمعي، يقوم الحوثيون باستخدام الترغيب والترهيب. حيث وأفادت مصادر محلية بوقوع رفض شعبي في محافظة ريمة لإرسال أبنائهم إلى مراكز الصيف التي أنشأتها جماعة الحوثي. وفي أعقاب هذا الرفض والانتقادات، قام مدير مكتب التربية في مديرية السلفية، الذي عينته الجماعة، باتخاذ إجراءات قاسية بحق الطلاب وأولياء الأمور.
 
ووفقًا لتلك المصادر، قرر مدير التربية في السلفية “عبده الحسني”: احتجاز شهادات الامتحانات لجميع الصفوف، مشترطًا تسليمها بعد إكمال دورات مدتها 45 يومًا في المراكز الصيفية.
 
هذا الإجراء يعتبر تصعيدًا للضغوط التي تفرضها الجماعة على الأهالي للمشاركة في المراكز الصيفية التابعة لها.
 
في محافظة ذمار المجاورة لريمة قال سكان إن المشرفين الحوثيين في مديريتي عتمة وجبل الشرق وعدوا الطلاب وأهاليهم “بسلال غذائية في حال التحق أبنائهم بالمراكز الصيفية”؛ وعادة ما يستخدم الحوثيون الإغاثة الدولية بما فيها التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي في التجنيد، وترغيب السكان للالتحاق بالجماعة.
 
حاولنا الحصول على تعليق من وزير التعليم في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً: يحيى بدر الدين الحوثين، وهو شقيق زعيم الجماعة، لكن لم يحصل على رد من مكتبه على التساؤلات الأخرى المتعلقة بهذا التقرير.

ذات صلة