قصص يمنيات كتبت "بالدم والدموع" في معتقلات الحوثي

  • الساحل الغربي، حسين الفضلي:
  • 09:56 2023/01/29

بعد أن رفضت منحها قصيدة، اعتقلت مليشيا الحوثي الشاعرة "برديس السياغي" لتذوق في المعتقل شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، حيث لا يزال يرافقها بتبعاته المرضية إلى اليوم.
 
الشاعرة برديس السياغي واحدة من كثيرات ممن اعتقلتهن مليشيا الحوثي وزجت بهن في السجون تحت وطأة التعذيب والعنف المستمر، بغرض ترهيبهن وإخضاعهن، لتتصدر المليشيا بذلك قائمة العار والإرهاب معاً، كون هذا السلوك دخيلاً على المجتمع اليمني.
 
برديس: تبعات نفسية وجسدية
 
تعرضت برديس السياغي للاختطاف من منزلها بصنعاء ليلاً، واقتيادها إلى أحد معتقلات الحوثي هناك، حيث ذاقت شتى أصناف التعذيب والتعنيف لفترات طويلة.
 
 
تتذكر السياغي وهي تجر نهدة طافحة من الأعماق اختزلت بها جوانب المأساة التي تعرضت لها في المعتقل: "جلست في المعتقل ثلاثة أشهر وثمانية أيام تحت كل أنواع التعذيب النفسي والجسدي وما تزال الآثار أعاني منها لحد اليوم". حيث تبقى آثار التعذيب الجسدي خير شاهد على وجهها ويدها.
 
ويعد الأثر النفسي أكثر سوءاً من الجسدي، إذ يظل تأثيره لفترات طويلة وربما مستدامة حتى بعد الخروج من المعتقل، يرافقهن الخوف والتوتر وغياب النوم والكوابيس أثناء النوم مما يتسبب لبعضهن بمضاعفات صحية خطيرة على المدى الطويل. 
 
وتضيف السياغي، في حديثها للساحل الغربي، إنها "ما زالت تعاني من آثار التعذيب في عينيها وجسدها، لكن الأكثر قلقا لها هو خوفها الملازم من كل طارئ، وغياب النوم ليلاً وملازمة الكوابيس لها أثناء النوم حيث تتذكر كل يوم أثناء نومها أنها ما زالت بالمعتقل تحت وطأة التعذيب فيذهب عنها النوم للأبد".
 
"خوف مزمن"
 
بدورها تقول فاطمة (اسم مستعار لإحدى الناجيات من معتقل الحوثي) وهي تذرف دموع المعاناة بوجع وحزن شديدين: "بقيت في المعتقل بصنعاء قرابة خمسة أشهر لاقيت هناك كل التعذيب والإجرام والوحشية، وما لم يتخيله أحد تعرضت له في المعتقل"، مضيفة إنها دخلت في حالة نفسية بعد خروجها من المعتقل، حيث كانت لا ترغب في أن ترى أحدا أو تكلم أحدا.. هذه الحالة التي رافقتها كانت أشبه بمتلازمة التوحد النفسي الذي يعيشه بعض المصابين.
 
وأكدت أنها تعيش في خوف مزمن رغم ابتعادها عن المليشيات وخروجها من مناطق سيطرتها إلا أنها تتذكر كل يوم وقت نومها أنها معلقة على نفس سُلم التعذيب الحوثي أو أنها ما زالت معلقة على الجدار وتُضرب بالسوط وتُصعق بالكهرباء، تعيش كل يوم تلك الأحداث التي عاشتها في معتقل المليشيات بكل تفاصيلها المؤلمة، حتى إنها أصبحت تفضل عدم النوم على أن تتذكر تلك المآسي التي عاشتها في المعتقل.
 
مضاعفات نفسية
 
من جهتها تقول الدكتورة فاتن أخصائية إرشاد ودعم النفسي: جراء حالات العنف والتعذيب التي تتعرض لها النساء في المعتقلات ينتابهن مضاعفات نفسية خطيرة قد تصل إلى التوحد والحزن والخوف المستمرين، بالإضافة لحالات الذعر والتشنج لأدنى شيء قد يحصل لهن في حياتهن العادية، وقد تصل هذه التأثيرات لمضاعفات كبيرة ترافق حياة المعتقلات.
 
وتضيف، إن الأثر النفسي لهذه الشريحة يكون أكثر من الجسدي في الخطورة، حيث يصل بعضهن إلى الانتحار أو مضاعفات أخرى تؤدي إلى الموت، ولتفادي هذه المضاعفات يجب توجيه الاهتمام لهذه الفئة وتوجيه جلسات الإرشاد والدعم النفسي لهن بفترات متصلة ومنتظمة.
 
نورا الجروي: ظاهرة دخيلة استحدثتها مليشيات الحوثي
 
على مر تاريخ اليمن الطويل لم يسجل في الأحداث اعتقال أو اختطاف الفتيات والنساء المعارضات وتعذيبهن، لكن مليشيات الحوثي تفردت بسلوك اعتقال النساء والفتيات والزج بهن في السجون وتعذيبهن، منتجة بذلك فكرا دخيلا على المجتمع اليمني. كما يقول المؤرخون.
 
 
في هذا الصدد تقول نورا الجروي - رئيس تحالف النساء من أجل السلام في اليمن: تعتبر ظاهرة اختطاف النساء وتعذيبهن دخيلة على مجتمعنا استحدثتها مليشيا الحوثي بعد ديسمبر 2017، حيث تنهج نهج طهران في هذا الخصوص. 
 
"قوة ناعمة"
 
وتضيف الجروي، في حديثها للساحل الغربي، إن المليشيات الحوثية تتوسع بأعمالها القمعية ضد النساء يوما بعد آخر، حيث أصدرت مؤخرا أحكام إعدام بحق نساء أبرياء، كما تمارس المليشيا الضغوط على أهالي المعتقلات وتخويفهم وتمنعهم من الظهور للإعلام أو التحدث بما حصل لبناتهم، وتعمل على اختطاف النساء وتعذيبهن، كونها تنظر لهن كقوة ناعمة تسعى للإطاحة بها.
 
وتدعو الجروي النساء في اليمن أن يكن أكثر صلابة ومواجهة وكشف جرائم الحوثي. وتوجه النداء ذاته للمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام للقيام بواجباتها تجاه هذه الشريحة من النساء، والتي تصفها بالحلقة الأضعف في اليمن.
 
بدأت المليشيا الحوثية اختطاف النساء وتعذيبهن بكل وحشية منذ ديسمبر 2017، حيث لم تسجل أي حالة اختطاف للنساء قبلها، لكن هذه الظاهرة توسعت في الآونة الأخيرة، حيث تختطف المليشيات النساء بدون أي أسباب، أو كما يقال في صنعاء "لأنهن لم يرتدين الزي الإيراني".
 
أرقام مخيفة 
 
يوماً بعد آخر تتزايد أرقام اعتقال النساء والفتيات في مناطق سيطرة الحوثي وأصبحت تؤرق الحقوقيين ليصفوها بالأمر المخيف والإرهابي، كما ورد في بيانات شجب وإدانات كثيرة لمنظمات حقوقية متخصصة.
 
وفي إحصائية حصل عليها الساحل الغربي من تحالف النساء من أجل السلام في اليمن، تم توثيق ورصد 1993 حالة اعتقال للنساء في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي منذ ديسمبر 2017 وحتى ديسمبر 2022، منها 504 في السجن المركزي بصنعاء، 204 قاصرات تحت سن 17 عاماً، و283 إخفاء قسري في سجون سرية.
 
وبحسب الإحصائية نفسها، هناك 193 حكماً غير قانوني أصدرته المليشيا الحوثية بحق المعتقلات تحت تهم كيدية تدعيها المليشيات على النساء في المعتقل كالتجسس والدعارة وغيرها.
 
النساء في المعتقلات الحوثية يختزلن قصصاً مختلفة لكن المأساة تجمعهن، هذه القصص يخطها الجلاد (المليشيات الحوثية) بدم ودموع المعتقلات، ويسطرها بأوجاعهن ليرسلها قمعاً وترهيباً للبقية، متجاوزاً بهذه الظاهرة المستوردة كرامة اليمني وكل الخطوط الحمراء التي يعتبرها اليمني عيباً أسود.

ذات صلة