ترجمات - عن كلمة تبدأ بحرف السين ولا أحد مستعد للتفوه بها !

  • دوناشاد مكارثي *
  • 12:22 2022/12/18

لقد جاء التوقيت ممتازاً. إذ حل اليوم المخيف، "يوم بلوغ عدد سكان العالم ثمانية مليارات" وسط انعقاد مؤتمر المناخ الفاشل "كوب 27" في مصر. وأتى ذلك اليوم بعد مرور 11 عاماً على "يوم السبعة مليارات" في عام 2011. وبحسب توقعات الأمم المتحدة، سوف يبلغ عددنا عشرة مليارات نسمة مع حلول عام 2080.
 
في كل عام، يضاف إلى عدد سكان العالم 80 مليون نسمة. وهذا أقل بقليل من عدد سكان بريطانيا وبلجيكا وإيرلندا مجتمعين. سوف يحتاج كل هؤلاء الناس إلى أراض ومياه وموارد أخرى كي يتغذوا ويسكنوا ويغتسلوا وينتقلوا ويكسوا أنفسهم، وغيرها من الأمور. يدفع الانفجار السكاني، يضاف إليه انفجار الاستهلاك، بالإنسانية حد الأزمة المناخية والبيئية.  
 
لقد ذكرت مسودة تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" الصادرة في أبريل (نيسان) 2022 أنه "على مستوى العالم، ظل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي والنمو السكاني، أقوى محفزات انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناتج من احتراق الوقود الأحفوري خلال القرن الأخير".
 
بين العامين 2010 و2019، رفع نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي معدل الانبعاثات بـ2.3 في المئة سنوياً، فيما زاد النمو السكاني الانبعاثات بـ1.2 في المئة سنوياً، ما السبب إذاً وراء الصمت التام من الحركة المعنية بالمناخ ومؤتمرات كوب في شأن الكلمة التي تبدأ بحرف "السين" [السكان]؟
 
يعتبر الموضوع حقل ألغام بسبب سجل من ممارسة أنظمة متسلطة للقمع ضد خصوبة المرأة في دول كالهند والصين، وبسبب أقلية على اليسار تسارع إلى اعتبار الموضوع فور ذكره، "فاشية بيئية".
 
في المقابل، إن حل أزمة السكان أمر يمكن أن تؤيده كل المنظمات غير الحكومية. وببساطة، يتضمن ذلك الحل الحرص على تمتع كل النساء بالحق العالمي في التخطيط الأسري الطوعي والتثقيف والاستقلال الاقتصادي.
 
ومع تمكين المرأة، تنخفض معدلات الخصوبة إلى مستويات الاستبدال [بمعنى التساوي بين الولادات والوفيات] أو أدنى منها. ومن شأن ذلك أن يساعد على قلب مسار الدمار البيئي الذي بدأ منذ عام 1900، حين لم يتخط عدد سكان العالم الـ1.5 مليار شخص.
 
في المقابل، يتمثل المعارضون الرئيسون لهذه الحقوق بالأديان الأبوية والشعبويين المناهضين للمهاجرين في الشمال العالمي. وتضم صفوف المعارضين أيضاً، مجموعات في الولايات المتحدة وهنغاريا وبولندا حيث تشكل الحقوق النسوية في الإنجاب هدفاً لليمين المتطرف الشعبوي.
 
تؤدي زيادة عدد سكان الأرض إلى تزايد الأنشطة الإنسانية عليها ما يعمق أزمات البيئة والمناخ (فريبكس)
تؤدي زيادة عدد سكان الأرض إلى تزايد الأنشطة الإنسانية عليها ما يعمق أزمات البيئة والمناخ (فريبكس)
 
لقد قلص دونالد ترمب التمويل المخصص لـ"صندوق الأمم المتحدة للسكان"، إذ تعزز تلك المؤسسة التابعة للأمم المتحدة وصول النساء إلى التخطيط الأسري الطوعي. كذلك سارت حكومة بوريس جونسون التي ضمت صفوفها ريشي سوناك، على خطى ترمب، إذ فرضت تخفيضاً مماثلاً مدمراً بـ85 في المئة [في مساهمة بريطانيا المخصصة لذلك الصندوق].
 
بمناسبة بلوغنا "ثمانية مليارات شخص"، طرحنا سؤالين على الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة، أولهما هو "ترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي والنمو السكاني هما أقوى المحفزات وراء انبعاث ثاني أكسيد الكربون، ما هو برأيكم الإجراء الذي يفترض بالحكومة أن تقوم به؟" فيما كان السؤال الثاني "هل تؤيدون عكس تخفيض تمويل المملكة المتحدة لصندوق الأمم المتحدة للسكان؟".
 
لقد استثنى كل الذين أجابوا عن السؤالين الكلمة التي تبدأ بـ"السين"، ما عدا منظمة أصدقاء الأرض Friends of the Earth، التي اعتبرت تلك الأسئلة مجرد إلهاء. ولقد أخبرتنا "إن المحفزات الرئيسة للدمار البيئي وانهيار المناخ تتمثل بالاستهلاك المفرط والطلب على الطاقة، بالتالي يؤدي التركيز على النمو إلى تشتيت الانتباه عن ضرورة تحرك الدول الغنية باتجاه تخفيض انبعاثاتها". في المقابل، أكدت تلك المنظمة أنها ضد كل نوع من تخفيض المساعدات من دون أن تذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان. وأضافت المنظمة نفسها، "يتخطى معنى المجتمع المستدام توزيع الموارد بشكل أكثر عدلاً، إذ إنه يتعلق بتشارك السلطة وحماية الحقوق والحريات. يجب أن تتمتع كل النساء والفتيات بإمكانية الحصول على الرعاية الصحية الإنجابية بشكل متساو، وهذا يعتبر حقاً إنسانياً أساسياً".
 
وقد نشرت "منظمة أصدقاء الأرض" على موقعها الإلكتروني مقاربة سياسية غريبة تنص على أنه "لا يوجد أي تقديرات علمية موثوقة للحجم السكاني المستدام، ولن تكون تقديرات كهذه سوى موقتة ومستندة إلى التكنولوجيا. ليس التركيز على النمو السكاني وحده أكثر المقاربات عملية أو عدلاً"، لكن لا أحد يقول إنه الأمر الوحيد الذي يجب معالجته.
 
واستطراداً، تتمثل مشكلة البيئة فعلياً في أمر معاكس [لما ذهبت إليه منظمة أصدقاء الأرض]، فلا أحد تقريباً يطالب بالتحرك في مواجهة أحد أهم محركين للدمار المناخي والبيئي.
 
من الناحية الإيجابية، أيدت منظمة "غرينبيس" [السلام الأخضر] الدعوة إلى عكس خفض التمويل البريطاني لصندوق الأمم المتحدة للسكان، لكنها سعت إلى التشديد على أن سبب اتخاذها موقفها يتمثل بدعم حقوق المرأة، وأنه لا يتعلق بتأثير ذلك الموضوع في السكان.
 
وبحسب رأيها، "إن تمكين المرأة من السيطرة على دورتها الإنجابية أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى رفاهيتها ومجتمعاتها. ونحن نحث حكومة المملكة المتحدة أن تراجع قرارها القاضي بتخفيض التمويل لصندوق الأمم المتحدة للسكان. نحن ندعم حقوق المرأة الإنجابية بحد ذاتها وليس لمجرد اعتبارها وسيلة لتحقيق غاية". 
 
لقد أصبحنا ثمانية مليارات حتى قبل حلول العام 2023  (متيورد.سي أو. يوكيه)
لقد أصبحنا ثمانية مليارات حتى قبل حلول العام 2023 (متيورد.سي أو. يوكيه)
 
في ملمح مغاير، كانت المنظمة الوحيدة غير الحكومية المعنية بشؤون البيئة التي استجابت لنتائج تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" في شأن العلاقة بين تكاثر السكان والناتج المحلي الإجمالي، هي "بوبلايشن ماترز" Population Matters [ترجمة معنى التسمية تفيد بأن عدد السكان مهم]، التي تضم من بين داعميها ديفيد آتنبورو وجاين جودال وبارثا داسغوبتا.  
 
إذ نقل لنا الرئيس التنفيذي للمنظمة روبن ماينارد، "إن تخفيض تمويل صندوق الأمم المتحدة للسكان مفجع ويظهر عدم اكتراث بأكثر الناس فقراً في العالم. لا تتمتع 270 مليون امرأة حول العالم بإمكانية التخطيط الأسري الآمن وليس لديها أي رأي في الموضوع، على رغم أنه حق إنساني أساسي. ويتجسد الأمر الأقسى في أن التخفيضات تعني حصول ملايين حالات الحمل غير المقصودة وعمليات الإجهاض "السرية" ووفيات إضافية لآلاف الأمهات".
 
وأضاف ماينارد، "من شأن إتاحة الوصول إلى التنظيم الأسري وتعليم الفتيات تخفيض كمية انبعاثات بأكثر مما تفعله مشاريع طاقة الرياح البحرية والبحرية مجتمعة، وفقاً لمشروع دروداون". 
 
في سياق رده، أسقط "الصندوق العالمي للطبيعة" أي إشارة إلى السكان، إذ اختار بدلاً من ذلك أن يدعو حكومة المملكة المتحدة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات في موضوع الانبعاثات، فيما لم يرسل حزب العمال أي رد.
 
في المقابل، أرسل حزب "الديمقراطيين الأحرار" رده الذي تضمن "إن المساعدات الخارجية التي تقدمها المملكة المتحدة مسألة حياة أو موت. وترفض الحكومة بكل قسوة أن تعترف بهذه النقطة. ويقدم تخفيض المساهمة المالية في صندوق الأمم المتحدة للسكان مثلاً إضافياً على ذلك. لا تزال حقوق المرأة عرضة للهجوم حول العالم، والحكومة تتخلى عنها". مرة جديدة، لم يذكروا الكلمة التي تبدأ بحرف "السين".  
 
منذ عام 1975، تضاعف عدد سكان العالم من أربعة إلى ثمانية مليارات، فيما ازدادت انبعاثات الكربون أكثر من الضعف، فارتفعت من 17 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً إلى 37 مليار طن سنوياً. مع تفجر أعدادنا، دمرنا أكثر من 70 في المئة من مجموعات الأنواع الأخرى منذ عام 1970. وكذلك يعمد ملايين النساء والرجال حول العالم إلى تحديد حجم عائلاتهم استناداً إلى إدراكهم الدمار الوجودي الذي يسببه الانفجار السكاني، بالتالي رجاء، أرسلوا بريداً إلكترونياً إلى النائب الذي يمثلكم في حزب المحافظين أو العمال، وطالبوه بدعم إعادة تمويل "صندوق الأمم المتحدة للسكان"، كي تتمتع كل النساء بحق القيام بالشيء نفسه، طواعية.
 

- دوناشاد مكارثي كاتب @DonnachadhMc 

© The Independent

 

 

ذات صلة