المرأة الهمدانية التي هزمت الطاغية !

09:51 2022/07/31

استعاد الإمام يحيى حميد الدين بعد معركة شهارة أنفاسه ديسمبر 1905م، وأفتى بعدم جواز صلاة الجمعة مع الأتراك، وأشرف بنفسه على حرب عصابات كلفت الأخيرين وأعوانهم الكثير، وقام بقتل القاضي إسماعيل الردمي، والشيخ أحمد كحيل، والشيخ سعيد دوده، والشيخ مُصلح مطير، وثلاثة أخوة من أسرة أبي الدنيا، وخادم لهم، وذكر العميد محمد الأكوع أنَّه - أي الإمام يحيى - قتل 11 شخصًا - ربما يكونوا أنفسهم الأشخاص المذكورين أنفًا - خنقًا في إحدى مساجد القفلة؛ والسبب مُناصرة غالبيتهم للأتراك.
 
كما قام أحد أنصاره وبإيعاز منه باغتيال أحد معلميه، مُفتي صنعاء شيخ الإسلام العلامة محمد بن محمد جغمان؛ لأنَّه رفض مُبايعته، وكان الأخير قبل ذلك - ولذات السبب - قد نجا من محاولة اغتيال في عهد المنصور محمد، الذي أفتى هو الآخر بقتله، وقتل جميع المتعاونين مع الأتراك، بفتوى أسماها بـ (إباحة قتل المُضر من أعوان الظلمة)، وعن محاولة الاغتيال تلك قال صاحب (الدر المنثور): «فدخل عليه بعض السادة الكرام، وهو يتوضأ في المطهار، وطعنه ثلاث طعن كادت أنْ تعرض روحه على النار».
 
في شهادته على تلك المرحلة، قال اللواء أحمد قرحش لقناة (بلقيس) أنَّ الثلاثة الأخوة من أسرة أبي الدنيا تم قتلهم بعد خروج الأتراك، وذلك أثناء مُساندتهم لمحسن بن ناصر شيبان في انتفاضته ضد الإمام يحيى 1920م، وهي الانتفاضة التي حدثت بمُعاضدة مَجاميع من قبيلة حاشد، وكان مصيرها الفشل. 
 
وعلى خلاف ذلك القول أفاد المُؤرخ محمد الأكوع أنَّ أولاد أبو دنيا كانوا ينقلوا المواد الغذائية للأتراك من الحديدة إلى حجة، وأكمل ذات المُؤرخ ذلك المشهد بقوله: «فحز في قلب الإمام؛ فأرسل لهم ثلة من مردته، وأخذوهم على غرة، وساقوهم إلى قفلة عذر، حيث لقوا حتفهم؛ فامتلأ اليمن رعبًا وخوفًا».
 
 
ظلت والدة الثلاثة الأخوة تُقارع الإمام الطاغية، وتُشنع عليه، وقد اعترضت ذات نهار موكبه، لا لشيء، إلا لكي تتعرف على صورته أكثر، استعدادًا لشد خناقه يوم الحشر الأكبر، وقيل أنَّها خاطبته قائلة: «قد سبقوك إلى جوار ربهم، وهم ينتظرونك تلحق بهم»، وأجبرته على البكاء، وعلى اعتزال الناس في قصره لعدة أيام.
 
ولم تكتفِ تلك المرأة بذلك؛ بل كانت - كما أفاد المُؤرخ الأكوع - تُؤذي الإمام يحيى كرارًا ومرارًا، وجعلته يرسل إليها بأفاضل الرجال وأكابر العلماء من أجل إرضائها، ولكن دون جدوى. 
 
وعن تلك المرأة الهمدانية الشُجاعة قال القاضي محمد محمود الزبيري مُشيدًا: «كان صوتها جريئًا باسلًا، مُحزنًا عاليًا علو الحق، شامخًا شموخ الشرف، وقد رفعته مُتعمدة حتى تفضح القاتل على رؤوس الأشهاد، وتذله بين عبيده»، وأضاف: «تلك امرأة استطاعت ببسالتها وضعفها وشيخوختها أنْ تهزم طاغية، وتضيقه الهوان، وتجعله يحسب ألف حساب لخطر القتل».