قرية الشعب في سامع.. مقاومة حيَّة للتغلب على التضاريس

  • تعز، الساحل الغربي، محمد سعيد:
  • 09:26 2022/06/29

في مركز مديرية سامع بمحافظة تعز، تقع قرية الشعب أسفل جبل عرعر، وهي عبارة عن قرية ذات تضاريس جبلية صعبة واجه أهاليها ظروفاً صعبة لكي تصل الخدمات إليهم منذ فجر ثورة سبتمبر.
 
كانت الطريق إحدى الصعوبات التي رافقت حياتهم منذ أن استوطنوا القرية، حيث يصعب شق الطريق إليها، غير أن سكانها طاوعوا جبالها وقاوموا التضاريس الجبلية الصعبة وانطلقوا صوب تنمية قريتهم الجبلية بأنفسهم دون انتظار أحد.
 
كانت البداية في سبعينيات القرن الماضي وخلال حكم الرئيس الحمدي ونشاط التعاونيات، كانت نساء قرية الشعب تقطع ما يقارب أربعة كيلومترات لجلب احتياجاتهن على رؤوسهن، ولحل هذه المشكلة بدأ أهالي قرية الشعب بشق طريق يربط قريتهم بالقرى المجاورة والطريق الرئيس الرابط بين مديريتي المواسط وخدير والواقع في منتصف مركز المديرية، بدأوا الشق بتكاتفهم ووقوف أبناء القرى المجاورة إلى جانبهم، واجهتهم ظروف صعبة أبرزها عدم امتلاكهم الأرض التي ستمر عليها الطريق إضافة إلى عدم وجود أراضٍ زراعية لديهم يستطيعون من خلالها تعويض مالكي الأرض التي ستمر بها الطريق، غير أنهم تجاوزوا المعضلات جميعها واستطاعوا شق الطريق حتى أسفل الجبل الذي تقع عليه قريتهم، وبقت في مكانها حتى اندلاع حرب المليشيات الحوثية على اليمن، ومعها عاد أبناء القرية من محافظتي عدن والحديدة واللتي يعملون بهما وقاموا بشق بقية الطريق بسواعدهم السمراء، وعملوا على تطويع الجبل رغم قساوته وصعوبة تحطيم أجزائه المترابطة وبقوة، لكن عزيمتهم كانت أقوى من صلابة الجبل وتمكنوا من تطويعه وشق الطريق حتى وصلت إلى جوار آخر منزل في القرية، ورغم نجاحهم في تطويع الجبل بقت أمامهم المرتفعات والعقبات الممتدة على طول الطريق، أحضرت لأجلها المعدات التي يمكنها تحطيم الجبل وتسوية الطريق، وبالفعل تمكنوا من ذلك، واتجهوا بعد ذلك إلى بناء الجدران الساندة على امتداد الطريق، خصوصاً بعد سقوط إحدى سياراتهم من أعلى ووصلت حتى الأسفل، وتحطمت بشكل كامل، كذلك عملوا على بناء العبّارات فوق مجاري السيول لحفظ الطريق من الخراب أثناء هطول الأمطار.
 
 
نضال الجمالي، أحد أهالي القرية، قال إن آباءهم بذلوا جهودا كبيرة لشق ما يقارب ثلاثة كيلو مترات من الطريق وتركوا ما تبقى لهم، وانجزوه بالفعل. وبحسب نضال فلولا تكاتفهم لما تمكنوا من إنجاز شيء قديما أو حديثا.
 
فيما مثلت مشكلة المياه لديهم معضلة أخرى تنغص حياتهم حيث لا يوجد لديهم أراض يمكنهم حفر الآبار فيها، لكنهم عملوا على بناء السقايات والخزانات، وعملوا على استثمار إحدى عيون المياه المتواجدة في أعالي الجبل لتعبئة الخزانات للاستفادة منها في الشرب أثناء انقطاع الأمطار.
 
تكاتف اجتماعي 
 
عمل أبناء الشعب في الفترة الأخيرة على سن مجموعة مواثيق يلتزم بها كل أبناء القرية، أهمها تحديد مهور للزواج، حيث وقّع جميع الأهالي اتفاقية تنص على تيسير الزواج فيما بينهم البين وحددوا سعر المهر وتكاليف الزواج بأنفسهم، في الجانب الآخر وقعوا وثيقة أخرى تنص على عدم إطلاق الرصاص في الأعراس والمناسبات، ومن يخالف ذلك يتعرض لغرامة مالية لصالح الطريق التي تم شقها من قبلهم.
 
تجاوز معضلة التعليم
 
لا توجد مدرسة في قريتهم وتعد مشكلة التعليم أهم مشكلة تواجههم، والمدرسة الوحيدة في الجزء الشمالي من مركز مديرية سامع تبعد عن منازلهم 5 كيلو مترات، يقطعها أطفالهم سيراً على الأقدم من أجل الوصول إلى المدرسة التي تلقى فيها آباؤهم تعليمهم، وقطع ذات المسافة أثناء العودة، الأمر الذي مثّل مشقة للأطفال وأثر على مستوى تحصيلهم العلمي.
 
قام الأهالي، في سنوات سابقة، ببناء جامع يتوسط قريتهم، ويتكون من دورين، اتفقوا على أن يكون الدور الأول مدرسة لمحو الأمية وتعليم الكبار، فيما يكون الدور الثاني لتأدية الصلوات، غير أن تفكيرهم بمستقبل أطفالهم جعلهم يعزفون عن فكرة تعليم الكبار، وعملوا على تحويل الدور الأرضي من مسجد القرية إلى مدرسة مكونة من ثلاثة فصول تستوعب على فترتين صباحية ومسائية نحو 250 طالباً وطالبة من الصف الأول وحتى الصف السادس، غير أن هناك معضلة أخرى وقفت أمامهم تمثلت بعدم وجود كادر تعليمي في وقت انقطع فيه كثير من المعلمين بسبب انقطاع المرتبات، غير أنهم عملوا على سد هذه الثغرة كغيرها من الثغرات التي تواجههم، وأطلقوا دعوة للتطوع في مجال التعليم، وتعتمد المدرسة، بحسب عبدالكريم علي، مدير المدرسة، على جهود المتطوعات بنسبة 90%، ويقدمن أداءً جيداً.
 
تمكن عبدالكريم علي من إدارة المدرسة باقتدار بعد أن استطاع استخراج اعتماد رسمي لها كمدرسة حكومية من مكتب التربية في المحافظة، وأصبحت المدرسة تلبي احتياجات أهالي القرية وأطفالهم، ويتعاون الأهالي وبشكل شهري على جمع مبالغ مالية بسيطة للمتطوعات في المدرسة.
 
يقول فتاح السامعي، أحد أهالي القرية، إن حلمهم منذ فترات زمنية يتلخص في توفير التعليم لأطفالهم دون مشقة أو قلق وتحسين مستوى تعليمهم، ومع تحقق الحلم تحسن مستوى الطلاب الدراسي كثيراً.
 
دوافع أبناء قرية الشعب الجبلية كثيرة، حسب المحامي نشوان صادق، أحد أبناء القرية، أبرزها حلمهم في تحسين مستوى تعليم أطفالهم وتخفيف المعاناة عن نساء القرية وشيوخها، وأبرز سبب هو إيمانهم بأن التكاتف الاجتماعي يبني المجتمعات، وهو أحد أسباب نهضتها.
 
قرية الشعب مثال حي للتنمية المجتمعية وأثبت أهالي القرية أنهم عبارة عن خلية نحل تعمل من أجل إسعاد أطفالهم وبناء مستقبل جميل، إضافة إلى ذلك فهم يقدمون مثالاً حياً للمجتمعات الحية والتي بفضلها تتعافى الأوطان.

ذات صلة