عن تعز المحتلة والتعتيم الإعلامي

  • كتب/ عبدالسلام القيسي
  • 08:15 2022/05/26

مئات الجرائم بل وآلاف الجرائم، الكاملة، التي تحدث في تعز بالجانب المحتل دون التطرق لها حقوقياً وإعلامياً بما يكفي، بل تكاد تذهب غالبيتها دون أن يدرك أحد، فالذهنية التعزية غرقت في شوارع المدينة المحررة وتركت الحبل والغارب للمليشيات في الجزء المحتل، وأكاد أجزم أن هناك فصلاً ذهنياً كاملاً بين المحرَّر والمحتل، وهذا الانحراف الإعلامي أوجد تربة صالحة للمليشيات لفعل كل شيء، هناك، خلف الحزام الناري وبكل بجاحة.
 
قبل أيام، يراسلني أحد قيادات المليشيات، وهو من تعز، ويحدثني عن موقع "الساحل الغربي"، وكلما وجد خبراً أو مادة عن الحوثي يحاول إقناعي بعكس ذلك ومعناه أن الموقع استطاع أن يوجد رأيه وسط الجمهور التعزي في المدينة المحتلة، ووصلني تهديد صريح ومباشر.. فقررت كتابة هذا النص لكي أقرأ معنى الحضور الإعلامي الجمهوري في تعز، أناقش فقط وضع تعز، وعن مدى قدرته وعن الكيفية التي تدار بها عقلية الإعلام التعزي، المنحرف، وهنا وجدتني أتمنى لو أن كل الاعلام التعزي ينشغل بما يحدث خلف الحصار لأوجد هناك رأياً شاملاً ولاستطاع تأثيث الرجال بالعظمة.
 
قتل، نهب، بل قتل للنساء، ولا أعتقد هنا بتعز يعرفون عن السفك الحوثي لحياة الناس في المدينة المحتلة، قبل أسابيع قاموا بقتل طفل في عمق عزلة قياض، لم يتحدث أحد، قبلها قام مشرف حوثي بقتل زوجة أحد قيادات المتحوثين من أبناء الهشمة فلم يتحدث أحد، النهب الذي يطال التجار، في مفرق ماوية لم يتحدث عنه أحد، وتحويل المحارم الحكومية للمدن الطبية والرياضية إلى مقبرة ولم يتحدث أحد، لم يتحدث أحد عن الجرحى الذين يتم قتلهم في الجبهات، لا تلحظون أن هناك صفرية الجرحى في مليشيات الحوثي، فلم يفكر أحد، المليشيات لا تسعف أحداً من أبناء تعز المتحوثين، بل تقتلهم، كي تحصل على مدد أكبر وتعمّق العداء من الناس، ذوي القتلى، للطرف الجمهوري الحر..
 
 
في الحوبان، يأخذون كل شيء، أنت ذو أراض، وأموال، عليك أن تدفع الثلث وليس حتى الخُمس، فأحدهم أراد أن يبيع أرضيته أمام مصانع بيت هائل فأرادوا الثلث ولم يقبل، مالك الأرض، فمنعوه من البيع وأوقفوه، وحدث قبل فترة، أن أحدهم انتهى البترول من سيارته في الحوبان فقال جيد أمام النقطة، أي محمية، وعاد بدراجة نارية إلى المنزل وقال لولده أن يأخذ معه بترولاً، وأن يذهب للسيارة فوجدهم الابن وقد كسروا الفريمات وأخذوها، وبعد خسارته لمليوني ريال، ستقولون عادت، لا لم تعد بعد خسارته لاثنين مليون ريال. لم تعد السيارة إلى الآن.
 
جرائم كثيرة، ليست سرقات حتى، بل أمام العين والنظر، إذلال تعز كمن يعرف أنه سوف يغادر، فهو سيغادر تعز ولذلك هي فرصتهم للثراء ولا يجرؤ أحد أن يتحدث عن مظلوميته خوفاً من الصالح، ولذا لا أحد يدرك أي شيء، وأهم ما يحدث في شمال تعز الهشمة وفي حذران هو صراع المشرفين وامتهانهم بكل بجاحة للعائلات التي هي معهم، هناك صراع ممض بين المشرفين أودى بقتلى كثر في الشمال التعزي، ولكن لا يتحدث عنه الإعلام..
 
للإعلام دوره، بإمكان الصحفيين وجانبهم الحقوقيون تأثيث التعزي بالحقيقة ومع ذلك فشلوا، الفشل الذريع، وذهبوا للمعارك بين الأطراف الجمهورية، كل كاتب يستهدف جمهوره فقط، فالحصار يمنعك من الخروج ولكنه لا يستطيع منع الكلمة، الكلمة أقوى من ألف حاجز وقناصة، فلماذا الكلمة محاصرة؟
 
لدى الحوثي طابور طويل يعمل باسم هذه القضية، باسم الجمهورية، وكلما حدث أي شيء في مناطقه يستغل هؤلاء لنبش قضية في مدينة تعز لحجب الرأي العام عن الحقيقة بل واستطاع إقناع بعض الناس أن الأحرار في مدينة تعز هم من يحاصرون المدينة ويمنعون فك الحصار، وهذه فرية كبيرة، وكل هذا لأن هناك من يحرف قناعات الناس عن قصد أو غباء فيستفيد الحوثي ويجهل المرء ما سبب هذا التردي الإعلامي الفاضح في مدينة تعز..
 
هناك ما يوقف القلب من المآسي وستُكتب مأساة مأساة، ومختصر الكلام: تحدثت مع أصدقاء يقطنون بالمناطق المحتلة في تعز، هناك أحداث وقضايا ومشاكل وصراعات بين أجنحة المليشيات تمتد من الحوبان إلى البرح وتكاد تعصف بالكهنوت وهناك صراع بين مشرفي المليشيات وكل مشرف يعتمد على مليشياته، وهناك استهداف للقبائل المتحوثة وبشدة، وهناك قتلى وضحايا سواءً بين أجنحتهم أو أبرياء لا أستطيع عدهم، وهناك عيب كبير: هناك قتل للنساء.. اقتحام للمنازل.. تنكر للجميل.
 
هناك فوضى في الرمدة وحذران وفي البرح، أشياء كبيرة ومثيرة ومخزية، ولكن هناك مشكلة لدينا في الطرف الآخر فلا تظهر قضية كبيرة للسطح ولا ندري عنها شيئاً، وكأن كل هؤلاء الأحرار خلقوا لاستهداف بعضهم.
 
لو أن واحدة من تلك القضايا حدثت في الساحل أو في عدن أو في تعز لتابع الرأي المنشطر في المناطق المحررة كل ناس العالم ولوصلت إلى مكتب الأمم المتحدة، فرب حبة صغيرة هنا تحولت إلى قبة ولكن القبة بمناطق المليشيات لا يراها أحد، ولا يناقشها أحد، ولا أدري لماذا.. لدي مخزون كبير من هذه القضايا، سوف أسيلها بقلمي قضية قضية، من حذران إلى شمير، ومن الرمدة إلى الذكرة، يجب علينا إخبار الناس عن كل شيء، عن الحقيقة، وعن الوضع الكارثي في حزام الكهنوت.. فالحصار ليس الجريمة الوحيدة.

ذات صلة