مع العميد طارق في عاصمة حِميَر التجارية.. شيء عن "موزع" بسملة اليمن السواحلي في التاريخ
- الساحل الغربي، كتب: أمين الوائلي:
- 10:02 2021/09/29
... الروح الخلاقة التي شكلت وتشكلت بهذه الجغرافيا واستوطنت ووطنت الحضارة والمجد هنا تمظهرت في السردية التاريخية ومضات كبرى تمخر عباب القرون وتبقى والمكان كالاسم ومسماه
شكلت موزع في التاريخ أنموذجاً فريداً للمركز المدني والثقافي والتجاري، وتكتنز موروثاً روحياً ودينياً فذاً وغنياً لجهة التنوع والثراء وقيم التعايش والتكامل، وكانت حاضرة الساحل والسهل معاً مركز اجتذاب واستقطاب لأقطاب الأقاليم من حضرموت وحتى أبين وتعز وعدن وسائر تهامة وإلى صنعاء التي كان يقال في فترات تاريخية "من يجوع ينزل موزع" لخصوبة تربتها وشهرتها في زراعة وتنوع ووفرة المحاصيل الغذائية.
في خلفية هذه السيرة تمتد سيرة عميقة لبلاد موزع عاصمة مملكة المعافر الحميرية، الاقتصادية، وسوقها وورشة حِرَفها وصناعاتها وتجاراتها النفيسة ومنطلق أسطول الملك الحميري مع القرن الإفريقي المحكوم باسم ملك المعافر كولاية تابعة للعرش الحميري.
أقدم من ذلك، تعتبر موزع من أقدم المستوطنات البشرية، هي ثاني اثنين مواضع في اليمن والجزيرة يذكران كأقدم مستوطنتين تتوغلان في عصر ما قبل التاريخ. البرونزي فالاستيطان التاريخي إلى ما قبل الإسلام. هنا استوطن الإنسان الأول.. في هذه الأرض إلى جانب نظيرة لها في خولان، كما يفصّل المؤرخون والجيولوجيون. عبقرية روحية وحسية تكثفت دفعة واحدة فكانت بسملة فاتحة اليمن السواحلي في التاريخ.
إن العميد طارق صالح، الذي تفقد البلاد الموزعية وجال في معالمها وتحدث لأهلها، يعني ما يقول تماماً، عندما يذكر قيم التعايش والانفتاح والتعاون، بالإشارة إلى موزع كمثال مختصر لليمن، وخص بالذكر قبتيها "المحولي" و"باسعد" وجامعها الكبير وسوقها التاريخي.
جامع موزع التاريخي الكبير.. جامع وجامعة... شقيق جامع المظفر بتعز
أما الجامع الكبير فإن تاريخه يداني تاريخ جامع المظفر التاريخي الشهير في تعز. بُنيا سوياً بأمر السلطان الرسولي وأنجزا معاً. وكان جامع موزع جامعة علوم وتعليم أيضاً. كتب:
"في "موزع" التاريخ والحضارة، أمام جامعها الكبير وفي سوقها القديم وقبة باسعد والمحولي.
اليمن العريق، والوطن المنفتح الذي تربطه علاقات الإخاء والتعاون مع محيطه الإقليمي.
يمن الـ26 من سبتمبر، الجمهورية التي لا مكان في عقلها وقلبها لكل شعارات العنصرية والطائفية والاصطفاء السلالي."
اليوم في "موزع" التاريخ والحضارة، امام جامعها الكبير وفي سوقها القديم وقبة باسعد والمحولي.
— طارق محمد صالح (@tarikyemen) September 28, 2021
اليمن العريق، والوطن المنفتح الذي تربطه علاقات الاخاء والتعاون مع محيطه الاقليمي.
يمن الـ26 من سبتمبر، الجمهورية التي لامكان في عقلها وقلبها لكل شعارات العنصرية والطائفية والاصطفاء السلالي. pic.twitter.com/uxlIL4yd02
تأتي موزع من كل هذا القِدم والثراء والمجد والتاريخ الذي يبقى مجهولاً لكثيرين. توافرت موزع على واحدة من أقدم وأنفس المآثر المسيحية التي اختطتها بعثات الأحباش. إنها ما تُعرف اليوم بقبة باسعد، ولفترة من الزمن كان الناس يحتسبون الاسم والمبنى على العهد الإسلامي المتأخر. لكن الحقيقة أن المبنى الفريد أقدم بكثير وبداخله نقوش توثق لعصره ولمرجعيته المسيحية. لقد بُني بقبة عظيمة ليكون قبلة حجيج المسيحيين في الضفتين الإفريقية والآسيوية.
قبة باسعد.. شاهد التقاء وتعايش أديان وحضارات وأعراق
وفي مراحل متأخرة اندثرت الكنيس والقبة حتى جاء تاجر حضرمي مسلم اسمه باسعد وتعهد بتجديد وترميم الموقع والقبة والمبنى، فمنحه السكان مكافأة وأطلقوا اسمه على القبة فصارت اسمها قبة باسعد. باسعد هذا هو الحضرمي الذي أنشأ أيضاً سوق موزع المركزي إلى جوار القبة وكان يقال له، أيضاً، سوق باسعد.
بهذه المفاتيح والإشارات تفهم لماذا وكيف تمثّل موزع حاضرة تعايش وتكامل بين الديانات والمذاهب والأفكار والقوميات والأعراق. وتحدثنا السِّيَر والطبقات عن علماء وصالحين ذائعي الصيت وفقهاء وقضاة وعُبّاد اجتمعوا في موزع من سائر بلدان وأقاليم اليمن: من شبوة وحضرموت وأبين وتعز وعدن... وغيرها. موزع التاريخية هي في الحقيقة مدفونة تحت ركام سيول الأزمنة وأسفل موزع التي تقوم حتى الآن.
مئات الصالحين والأولياء عاشوا ودُفنوا في موزع. وصل إلينا منهم من تبقى عبر المراحل والتحولات. عشرات القباب والمآثر بقيت أو تقاوم الاندثار بالكاد. تقول الكتب ويقول أهالي موزع إن المساحات الشاسعة في البلاد هي في الحقيقة مقابر كبيرة لأجيال من الصلحاء وبيوت العلم وطلابهم والكثير من الوافدين الذين استقروا واستوطنوا في البلاد الموزعية. وإلى موزع يُنسب علماء وفقهاء ومؤلفون كبار على المستوى العربي والإسلامي.
قبة المحولي.. حارس على باب مدينة لم تكن تنام
جاء المحولي قبل حوالي ثمانمائة سنة من أدنى تعز وقومه يقال لهم المحوّلة أو المحاولة/ المحوليين. انتقى موزع مستقراً وأقام ودرس وعلم واستوطن وقبض ودُفن في موضعه نفسه، وأقيم له شاهد أو ما تُعرف بقبة المحولي. واحدة من أجمل وأنفس الموجودات الهندسية والعمرانية المسافرة عبر الأزمنة. وللأسف إنها وغيرها تندثر بصمت ما لم تنشط عملية إنقاذ وترميم.
ذخيرة روحية عظيمة هنا، في كل بلاد الساحل واتصالاً بتهامة الله واليمن. الروح الخلاقة التي شكلت وتشكلت بهذه الجغرافيا واستوطنت ووطنت الحضارة والمجد هنا تمظهرت في السردية التاريخية عبر الأزمنة على شكل ومضات كبرى ومعالم مستمرة الحضور قيمة ورمزية تمخر عباب القرون وتبقى والمكان كالاسم ومسماه. يذكر الشاذلي والمخا معاً. والمحولي وموزع.
تاريخياً، كما تذكر الكتب والروايات الموثقة، كانت موانئ شبوة تستخدم موزع كسوق وكميناء، عملياً كانت موزع تمتد حتى ساحل واحجة وهو ميناء حمير ومملكة المعافر. وربط ميناء وسوق موزع الإقليمي تجارات الشرق والجزيرة والشام. وموزع أكثر من ذلك وأشهر وأكبر.
هذه الإشارات العابرة تعطي إضاءة تفصيلية موجزة على المعاني المجملة التي أثارها قائد المقاومة الوطنية العميد طارق، الذي جال في موزع، الثلاثاء 28 سبتمبر/ أيلول، وبعيداً عن أجواء التغطية الإخبارية المرافقة، غرد منتقياً كلمات بعناية.. وتعني ما تقوله تفصيلاً طي الإجمال.
للدكتور المحقق والباحث وأستاذ اللغات بجامعة تعز، الموزعي عبدالأحد عيون مطولات ونوادر في تاريخ موزع. وهو صاحب نظرية متكاملة ومحققة في أن بلاد موزع هي أرض ومملكة كليب والزير سالم... ولكن الحديث يطول.