يا راحلين إلى منى بقيادي

  • د. ثابت الأحمدي
  • 06:55 2021/07/19

من المنسوبِ للإمام أبي حامد الغزالي، رحمه الله: "إنَّ الطريقَ إلى اللّه بعددِ أنفاسِ الخلائق" ومن الطريق إلى الله يوم عرفات لمن حبسه العذر "تملّي" قصيدة الشاعر الصوفي اليمني عبدالرحيم البرعي. 
 
في الحقيقة هذه ليست مجرد قصيدة؛ بل حشود من المعاني العرفانيّة التي تكسو الروح طراوة ندية..
 غيماتُ وُجد تنداحُ غيماتٍ بلا حُدود..
سبحاتٌ روحية تحيلُ بلاقعَ الروح القاحلة رياض أُنسٍ باذخة..
أنداءٌ زكية من عطر السماء وألحان الجِنان..
موسيقى السماء في الأرض ولحن الخلود في دنيا الفناء..
هذه القصيدةُ تهزُّ بقاعَ الروحِ كما لم تفعل مئاتُ المواعظ وآلاف الخطب..
تفصح عن كل شيء في عالم الروح إيحاء وحدسا..
 تكثيفًا وإيجازًا..
المعنى وظل المعنى معًا..!
 
هذه القصيدةُ تقررُ أنَّ الحج ليس سعيًا فحسب؛ بل وشعورًا أيضا، وأهم من السّعي ــ في صورته المادية ــ الشعور في لحظات التجلي والاستبصار..! ولهذا اصطحبتها معي مرتين في موسمي حج. 
يا لفيض الدهشة وروعة البهاء..!
 
ويا لعجز القلم إذا تجلت آفاق الروح سابحة في ملكوت الجمال ما عساها أن تدرك!!. وبحسب النفري: "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة". 
 
لن أطيل في هذه التقدمة، ففيها من الجمال والإدهاش ما لا تحتاج معه إلى تقديم أو تعريف، و "في طلعة الشمس ما يغنيك عن زُحل". 
يا راحلين إلى منى بقيادي * هيجتمو يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي * الشوق أقلقني وصوت الحاد
وحرمتمو جفني المنام ببعدكم * يا ساكنين المنحنى والوادي
ويلوح لي ما بين زمزم والصفا * عند المقام سمعت صوت منادي
ويقول لي يا نائمًا جد السُرى * عرفات تجلو كل قلب صادي
من نال من عرفات نظرة ساعة * نال السرور ونال كل مرادي
تالله ما أحلى المبيت على منى * في ليل عيد أبرك الأعياد
ضحوا ضحاياهم وسال دماؤها * وأنا المتيم قد نحرتُ فؤادي
لبسوا ثياب البيض شارات اللقاء * وأنا الملوع قد لبست سوادي
يا رب أنت وصلتهم صلني بهم * فبحقهم يا رب فُك قيادي
فإذا وصلتم سالمين فبلغوا * مني السلام أُهيلَ ذاك الوادي 
قولوا لهم عبد الرحيم متيم * ومفارق الأحباب والأولاد
صلى عليك الله يا علم الهدى * ما سار ركب أو ترنم حادي

ذات صلة