البيضاء استوفت اسمها في مهمة تاريخية مستمرة.. "بوابة الجمهورية" (فيديو)

  • البيضاء/تعز، الساحل الغربي، كتب/ التميمي محمد:
  • 10:19 2021/07/06

يُقال إن لكل شيء من اسمه نصيباً، والبيضاء استوفت اسمها ووثقت بياضها قولًا وفعلًا وموقفًا، هكذا شاءت الأقدار لها أن تكون، فهي بيضاء الفعال كما هي بيضاء المواقف والأقوال، فمواقف أبطالها لم تتغير، ولم يتلطخ بالشؤم رجالها، وقد يكون هناك شذوذ من بعض مرتزقة المال وعبدة الدينار، إلا أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث ويظل النادر لا حكم له في قاموس التاريخ والنضال، والمواقف العصيبة.
 
أبت البيضاء تحويل بياضها ونقاء أهلها إلى سواد أو ظلام، وهو ما تجرعته معظم مديرياتها خلال ست سنوات من سيطرة مليشيا الحوثي الكهنوتية، وضحى أحرارها بالغالي والنفيس في سبيل الحرية والدفاع عن الكرامة، لقد دفعت المحافظة ثمن مواقفها البيضاء، وكان الثمن غاليًا والتكلفة باهظة، فلم تتزعزع مواقف الأحرار، ولم تلن صلابة الأبطال، وسير التاريخ وسفر البطولات خير شاهد على ذلك.
 
تواصل مقاومة آل حميقان مسنودة بقوات من ألوية العمالقة، تقدماتها نحو مركز محافظة البيضاء، بعد معارك طاحنة ضد المليشيا الحوثية المدعومة من إيران، أسفرت عن تحرير مديرية الزاهر غربي المحافظة، بالتزامن مع العملية العسكرية التي أطلقتها قوات الجيش، الجمعة 2 يوليو/تموز 2021، في مديرية الصومعة شرقي محافظة البيضاء (وسط اليمن).
 
وتداولت وسائل الإعلام اليمنية، وناشطو وسائل التواصل الاجتماعي، مشاهد موثقة بالفيديو تظهر مقاتلي آل حميقان وألوية العمالقة في مركز مديرية الزاهر وأمام إدارة الأمن التابعة لها، بعد فرار مسلحي المليشيا الإرهابية وسقوط العشرات منهم بين قتيل وجريح وتدمير واستعادة مجموعة من الأسلحة والآليات العسكرية.
 
 
وانطلقت القبائل بعد السيطرة على مديرية الزاهر صوب مدينة البيضاء عاصمة المحافظة مستغلة الانهيار المتواصل في صفوف المليشيا الحوثية، حيث تمكنت من تحرير منطقتي "الخلوة والروضة" بعد مديرية الزاهر، وعدد من مناطق ذي ناعم، فيما تم تحرير مديرية الصومعة بشكل كامل، وما زال التقدم مستمراً من عدة محاور.
 
وأظهرت مقاطع فيديو، أصوات الزغاريد الصادرة من مركز مديرية الزاهر آل حميقان في محافظة البيضاء واستقبال الأهالي لأبطال الجيش والمقاومة، الذين استبسلوا لتحرير المنطقة من قبضة ميليشيات الحوثي الانقلابية، والتي تسيطر على المنطقة منذ قرابة 7 أعوام.
 
 
وفي السياق ذاته، استقبل أحد أهالي مديرية الزاهر ابنه العائد إلى منزله بعد غياب ست سنوات كان يقاتل خلالها في صفوف المقاومة الشعبية ضد جماعة الحوثي الانقلابية.
 
 
ولقت تلك المقاطع تداولاً على نطاق واسع بين اليمنيين الذين يعانون الأمرّين جراء الانقلاب الحوثي الذي حرم الأسرة الواحدة من العيش بسلام في منازلهم ومناطقهم.
 
حقد تاريخي
 
تعرضت محافظة البيضاء لأبشع الهجمات البربرية في ظل حكم الأئمة، كانت أولى الجرائم التي تعرضت لها، تمتد من الفترة 1920م وحتى 1926م، حيث جهز الإمام يحيى حميد الدين جيشا عرمرما قوامه عشرات الآلاف من عساكر وعكفة الإمام بقيادة محمد عبدالله الشامي، لإخضاع البيضاء، وضمها إلى مملكته المتوكلية، وحينها كانت البيضاء سلطنة مستقلة غير تابعة للحكم البريطاني في الجنوب أو الأئمة في الشمال، فقاتل أبناء البيضاء ذلك الجيش قتال الأبطال، وشهدت منطقتا كبد ومشعبة في مديرية البيضاء، بطولات لعدد من قبائل البيضاء، وعلى رأسها قبيلة آل حميقان وعدد من القبائل المجاورة، فلم يكن لهم من ناصر غير الله ومن ملجأ سوى أسلحتهم البدائية، ووثق ذلك الحدث شاعر آل الرصاص القادم مع جيش الإمام لغزو البيضاء بزامل شعبي مشهور يقول فيه:
يا درب ذي ناعم ويا حيد السماء
بتخبرك كم جت من القبلة زيود
سبعة وسبعين ألف ذي عديت أنا
من عسكر الشامي توطي يالحيود
فرد الشيخ علي عبد الرب الحميقاني، بهذه الأبيات:
لاهم أنا الشامي ولا أخشى عسكره
وعادني باسي من امزيدي جلود
بدحق بها بالشوك ولا بالرثى
لاما يبان اللحم من بين اللحود
 
ورغم الفارق بين الفريقين في عدد الرجال ونوع السلاح إلا أن أبناء البيضاء سجلوا تاريخًا مشرفًا يكتب بماء الذهب، يرفض حكم الإمامة، وذلك قبل قيام الثورة بنحو أربعين عاما.
 
وخلال أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين عمد ولاة الإمام إلى إذلال أبناء المحافظة، ففرضت الجبايات الباهظة وأودع الكثير من الشباب في المعتقلات تحت مسمى (رهائن).
 
كل تلك الجرائم، لم تمر لدى أبناء البيضاء مرور الكرام، بل كانت تلك المظالم تتراكم في ذاكرة أبناء قبائل البيضاء، التي لم تهادن الذل أو تتصالح مع الموت أو ترضى بالخراب، وما إن تفجرت نيران ثورة سبتمبر، وأسرجت مشاعل الحرية إلا وخرج أبناء البيضاء يقاتلون إلى جوار الثوار الأحرار، ووصلت طلائعهم إلى معاقل الأئمة، فقدموا المئات من الشهداء من خيرة أبناء المحافظة.
 
وقبل أن تكمل الثورة الوليدة ترتيب صفوفها وتلتقط أنفاسها، كانت على موعد آخر من النضال وكفاح الكهنوتية، حيث عادت الإمامة من جديد من خلال حصار العاصمة الذي استمر سبعين يومًا، فكان لأبناء محافظة البيضاء السبق في فك ذلك الحصار الجائر، وكان الشهيد البطل أحمد عبدربه العواضي هو بطل ذلك الموقف بلا منازع، ومعه المئات من مشايخ وأبطال محافظة البيضاء.
 
 
ما يميز رجال البيضاء، هو أن لديهم غريزة البذل والعطاء وعقيدة الولاء قبل المصلحة، يتقدمون حين يكون الإقدام خطرًا، ويتوارون حين يكون الحضور نزهة وترفًا، ولذلك كل من تولى مقاليد المحافظة كان من خارجها حتى 2008، فلم يتذمروا أو يسخطوا ما دامت الجمهورية التي ضحوا من أجلها في مأمن من تقلبات الزمن، وغدر الحاقدين من شذَاذ الآفاق.
 
الإماميون الجدد
 
بعد شهر واحد من انقلابها وسيطرتها على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014، حتى انطلقت جحافل مليشيا الحوثي الانقلابية إلى محافظة البيضاء، لتعيث كل أنواع الفساد فيها وترتكب أبشع الجرائم وتدمير كل شيء جميل فيها؛ انتقامًا من البيضاء نظير مواقف رجالها من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة.
 
 
كانت الجراح غائرة في عمق التاريخ والخيانة.. أفراد بزيهم القبلي وآخرون بلباس عسكري ينثرون حقدهم وسواد قلوبهم على أرض الكرامة والنضال.. أرض ثوار سبتمبر، وحصن الجمهورية، يقبضون ثمن خيانتهم، الذي يدفعه الملايين، لكن أبناء محافظة البيضاء، لا سيما في مديريتي الزاهر وذي ناعم، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام تلك الجحافل، فقد كانت نيرانهم في أهبة الاستعداد، وما من نارٍ تشعل الأخضرَ واليابس سوى نارٍ تسري في أصابع المدافعين عن البلاد، في الرصاص الذي يحملونه حباً لهذه البلاد، وهذا والوطن الذي يحملونه في قلوبهم ويبذلون في سبيل كرامته دماءهم.
 
لقد خاض رجال البيضاء معارك كانت الأعنف على المليشيا تكبدت فيها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، مواصلين صمودهم بكل شجاعة وشموخ، لا يهمهم التضحيات طالما وهم يرون من خلالها الكرامة والحرية المنشودة، وإلى جانبهم كل أحرار الجمهورية بدمائهم وأرواحهم.
 
بوابة الجمهورية
 
ها هي البيضاء اليوم ترسم لكل اليمنيين معالم الجمهورية، وتشق لهم طريق استعادتها، ترافقها الزغاريد التي تملأ الفضاء، صداها يشقّ أرواح أولئك الذين جرّوا ذيول خيبتهم وإرهابهم ومضوا، فصمود المحافظة أعطاهم درساً لن ينسوه.
 
 
كيف للبيضاء وتاريخها، أن تدع الغزاة يأمنون بين جدرانها، ستذيقهم الويلات ولن تدعهم يقرّون عيناً بسقوطها، فالمدن الصامدة لا تسقط في أيدي الغرباء.. لقد علّمتهم البيضاء أن الرجال لا يدعون مدينتهم لقمة سائغة في فم أعدائها، فلن يتركوها لمصير قاتم أسود مجهول، لن يتركوها لرايات خمينية مستوردة لا دين لها ولا إله.. إن آلهة المدينة عصفت بهم خارج أسوارها فلا مكان لهم بين جدرانها.
 
اليوم تعيش معظم مناطق البيضاء انتصارها، وتستعيد ذكرياتها المؤلمة، ولكنها تنظر بعين الأمل والتفاؤل بغد مشرق.. عانت هذه المحافظة ما لم تعان مدينة أخرى في هذا الوطن، وخلعت عن جسدها ثوب الحزن لترتدي حلّة البهاء، تمضي في إعادة شموخها وكبريائها، ومن سيعطيها حقها إلا أبناؤها وأحرار هذا الوطن.
 
 
شاءت الأقدار للبيضاء أن تواجه مشروع الموت والانتقام منفردة، طوال ست سنوات، في ظل صمت مطبق وخذلان من الداخل والخارج، فهدمت المنازل وفجرت المساجد وقتلت الرجال وشردت الأسر، ولا يزال مشروع الموت مستمرا حتى هذه اللحظة، إلا أن هناك رجالا كالجبال في الثبات يقاتلون بما يملكون، يفضلون الموت شامخي الهامات، لا ينحنون للطغاة مهما كان جبروتهم، لا تهزهم قوة ولا يرعبهم بطش، يستمدون قوتهم من قوة الحق الذي يمتلكونه في الدفاع عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم.
 
يجب أن يدرك الجميع، لا سيما أصحاب القرار، أنه لن تكون الشرعية قوية ولا تستعاد الدولة إلا بقوة البيضاء، والحديث عن دخول صنعاء قبل تحرير البيضاء ضرب من الخيال، فالبيضاء هي القلب النابض للجمهورية، وها هي البيضاء تنتصر اليوم، وبقاء المليشيا فيها ليس سوى موت محقق لأتباعهم، وجحيم تشوي به عناصرها، صحيح أن البيضاء تعرضت للخذلان والانكسار طيلة ست سنوات إلا أن قاموسها النضالي لا يعرف الهزيمة، والنصر موعدها وليس لها خيار إلا النصر أو النصر.

ذات صلة