عام على دم جهاد الأصبحي... قبائل البيضاء وقود نضال تاريخي ضد الإمامة في اليمن

  • الساحل الغربي، كتب / ماجد الحيلة:
  • 03:35 2021/05/01

طوال ألف عام، ظلت المواجهات بين الإمامة وأبناء محافظة البيضاء في كر وفر، ولم ترض نفوس أهالي البيضاء عن الإمامة يوماً، ولم يهضموا مذهب الإمامة أبداً.
 
لم يخضع أبناء البيضاء لحكم الاحتلال البريطاني كما لم يخضعوا لحكم الكهنوت الإمامي.
 
ففي عشرينيات القرن الماضي، وتحديداً في العام 1920، حاول الإمام يحيى احتلال محافظة البيضاء وإخضاعها، وقام بتسريح جيش إليها، مستغلاً تناحر أبنائها فيما بينهم.
 
لما علمت قبائل البيضاء المتناحرة ذلك، اوقفت التناحر والقتال، واتحدت القبائل ضد الإمامه، في تحالف كبير جمع معظم قبائل محافظة البيضاء ضد حملة الإمام القادمة لاحتلال محافظتهم.
 
وصل جيش الإمامة الغازي إلى منطقة عفار في بلاد الملاجم، وحدثت معركة كبيرة بين أبناء البيضاء وعكفة الإمام.
 
انتصر أبناء البيضاء وكسروا زحف جيوش الإمامة في عفار، وكان البطل أحمد عبدالله بن صلاح الملجمي، أحد أبرز قادة هذه المعركة.
 
ولت فلول الإمامة الأدبار، بعد تلقيهم هزيمة ساحقة على أيدي أبناء محافظة البيضاء.
 
وظلت قبائل البيضاء في صراعات وتجاذبات ضد الإمامة حتى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م.
 
بعد الإطاحة بحكم الكهنوت عام 1962م وحتى 1968م، ظل الإماميون يحاربون لإسقاط النظام الجمهوري وإعادة حكم الإمامة من جديد.
 
وفي منتصف عام 1967م استطاع الإماميون محاصرة صنعاء، وكانوا من خلال هذا الحصار يحاولون إسقاط الجمهورية.
 
فقام اللواء حسن العمري، أحد أبرز قادات ثورة سبتمبر، بإرسال برقية عاجلة إلى قبائل البيضاء، يطلب فيها العون والمدد لفك الحصار عن صنعاء وتثبيت أسس الجمهورية.
 
استجاب أبناء البيضاء لنداء الجمهورية بمختلف مشاربهم القبلية تحت قيادة الشيخ احمد عبدربه العواضي والشيخ سالم عبدالقوي الحميقاني والشيخ علي احمد العمري والشيخ احمد ناصر الذهب.
 
تحرك الآلاف من أبناء البيضاء نحو صنعاء من جهة نقيل يسلح لفك الحصار عن صنعاء، واندلعت معارك شرسة بين قبائل البيضاء ومرتزقة الإمامة.. إلا أن دفاع مرتزقة الإمام حال دون ذلك.
 
استخدم أبناء البيضاء تكتيكاً آخر، فانسحبوا من يسلح جنوب صنعاء وعاودوا الهجوم من جهة الغرب.
 
استطاعت قبائل البيضاء احتلال طريق الحديدة صنعاء، وقاتل أبناء هذه القبائل بعنف ضد الإماميين في الحيمتين الداخلية والخارجية وبني مطر وحراز.
 
كانت الملاحم والمعارك الضارية من جبل إلى جبل، ومن منزل إلى آخر، ومن قرية إلى التي تليها، سقط خلالها مئات الشهداء من أبناء البيضاء في سبيل الجمهورية.
 
واصل أبناء البيضاء الزحف نحو صنعاء، مدمرين كل مواقع الملكية في كل من جبل النبي شعيب وعيبان والصباحة وأرتل وسنع، وتمكنوا من فك الحصار الذي استمر سبعين يوما ودخلوا العاصمة صنعاء فاتحين تستقبلهم نساؤها بالتحية والزغاريد، محطمين بذلك آخر أمل للإماميين بالعودة إلى الحكم.
 
لم يقتصر دور أبناء البيضاء عند هذا الحد، بل واصلوا مشوارهم، وخاضوا حرب عصابات وتمشيط في كل من خولان والمحويت وعمران وحجة، كلفتهم الكثير من الشهداء والجرحى، ووصلت طلائع الأبطال من ابناء البيضاء إلى عموم مناطق الجمهورية تلاحق فلول الإمامة وتطهر تراب الوطن منهم.
 
بعد تحقق النصر وتثبيت أسس الجمهورية، عاد أبناء البيضاء إلى حقولهم واراضيهم، زاهدين عن أي مكاسب، تاركين المجال لكل يمني بالمشاركة في السلطة في ظل دولة القانون والجمهورية.
 
ضحى أبطال البيضاء بأنفسهم رخيصة للوطن والثورة، دون انتظار مكافأة أو وسام أو شهادة.
 
انتهى الحال بفلول الإمامة بهزيمة ساحقة، وانتهى أمرهم منذ فك الحصار عن العاصمة صنعاء في فبراير عام 1968م، والذي عرف بحصار السبعين.
 
شاركت كل قبائل البيضاء وأسهمت ببطولات مشهودة في حروب اليمنيين ضد الإمامة، ولا أحد في اليمن يجهل بطل السبعين، القائد، أحمد عبدربه العواضي ومن معه من المشايخ والعقال وأبناء البيضاء، الذين وصفهم أهالي صنعاء بعد حصار السبعين، بأنهم من أشجع من عرفتهم اليمن على الإطلاق.
 
إن نضال قبائل البيضاء الباسلة وقادتها ومساهماتها المشرفة، في الكفاح ضد الإمامة عبر العصور وفي ثورة 26 سبتمبر بالذات، منحوت في صفحات التاريخ بأحرف من نور.
 
إن خصوصية صراع البيضاء مع الإمامة طوال قرون، يؤكد اعتزاز أهل البيضاء وفخرهم بيمنيتهم الضاربة في أعماق التاريخ والمجد، إذ إنه ليس لهم خصم في اليمن الا مشروع الإمامة العنصري، الذي أطل من جديد بوجهه الكالح الشرير في القرن الواحد والعشرين، على نحو أكثر همجية وفاشية وخراباً، متمثلاً بمليشيات الحوثي المدعومة من إيران.
 
حيث ما زال أبناء البيضاء، بعد دخول الحوثي محافظتهم، يتصدرون صفوف النضال والثورة والتضحية ضد همجية وصلف الحوثيين أحفاد الإماميين حتى اللحظة.
 
تحتل محافظة البيضاء موقعا جغرافيا بالغ الأهمية، حيث تشترك حدودها مع ثماني محافظات، هي: شبوة والضالع وأبين ولحج، بالإضافة لمأرب وصنعاء وذمار وإِب.
 
هذا الموقع الاستراتيجي يجعلها تلعب دوراً حاسماً في تطورات الصراع اليمني الحالي بين الإماميين الحوثيين والجمهوريين اليمنيين.
 
ففي العام 2014، احتلت مليشيات الحوثي محافظة البيضاء، ومنذ تلك اللحظة والمليشيا تواجه مقاومة محلية من قبل أبناء البيضاء، بسبب الانتهاكات التي تقوم بها مليشيات الحوثي داخل المحافظة، كان آخرها قيام المليشيات باقتحام منزل في قرية الطفه، وقتل إحدى النساء بدم بارد.
 
تعود القصة إلى نهار الرابع من رمضان العام الماضي، حيث نفّذت مليشيا الحوثي حملة على مديرية الطفه للقبض على من يصفونهم بـ"الدواعش"، وهي تهمة اعتادت المليشيا إلصاقها بكل طرف يعارضها أو يرفض الإذعان لها.
 
قامت المليشيا بمحاصرة منزل المواطن حسين الأصبحي، وداهمت عناصر المليشيا المنزل.
 
لم يكن في المنزل حينها سوى جهاد الأصبحي، وهي زوجة أحد أبناء صاحب المنزل، فقامت العناصر الحوثية بفتح النيران عليها وقتلها على الفور.
 
ولم تكتف مليشيا الحوثي بارتكاب جريمة قتل الشهيدة "جهاد الأصبحي"، بل وقاموا بسرقة مجوهراتها.
 
كانت قبائل البيضاء تتغاضى عن المشاكل التي يتسبب بها عناصر المليشيا، ولكن دماء جهاد الأصبحي كانت بمثابة الشرارة للانتفاض ضد مليشيا الحوثيين.
 
لجأ أهالي الضحية إلى الشيخ القبلي البارز ياسر العواضي، باعتباره شيخاً لبلدة "آل عواض" في مديرية ردمان، طالبين الحماية والأخذ بالثأر.
 
تحولت دماء جهاد الأصبحي إلى قضية رأي عام، فتوعد الشيخ ياسر العواضي مليشيا الحوثي بقتالهم إذا لم تقم المليشيا بسحب عناصرها من مديريات البيضاء خلال 3 أيام.
 
قام رئيس عصابة الحوثيين بإرسال لجنة من صنعاء إلى البيضاء لمحاولة عقد صلح قبلي في مسعى منها لاحتواء القضية.
 
حاولت المليشيا دفن القضية بإشهار وثيقة صلح لم تتطرق إلى معاقبة الجناة وتسليمهم لأبناء البيضاء، لكن الشيخ ياسر العواضي أعاد القضية إلى مربع الصفر، باعلانه النفير ضد المليشيا، داعياً قبائل البيضاء للتصدي لأي تعزيزات حوثية تصل من صنعاء إلى المنطقة.
 
انتفض أهالي البيضاء تحت شعار النكف القبلي، كما فعل أجدادهم الذين قارعوا الإمامة ولم يخضعوا لها، لمواجهة الانتهاكات والتطاولات الحوثية.
 
أدرك أبناء البيضاء أن الموقف موقف كرامة وعرض.. حتى المتعاطفين مع مليشيات الحوثي تراجعوا وحددوا موقفهم، ووقفوا مع أبناء جلدتهم ضد المليشيات.
 
بدأت قبائل المحافظات تتوافد إلى مديرية ردمان استجابة لداعي النكف، وصلت وفود عدد من قبائل البيضاء وقبائل مراد وعبيدة وبني عبد من مأرب وقبائل إقليم سبأ. 
 
كما وصلت وفود من قبائل يافع والعوالق وغيرها من قبائل الجنوب، وأيضا وفود عدد من قبائل اليمن.
 
لا تمتلك مليشيا الحوثي حاضنة شعبية في محافظة البيضاء، فبدأت بتحشيد كامل قوتها من مختلف المحافظات، خوفاً من تحرير البيضاء على أيدي أبنائها من خلال النكف القبلي.
 
اندلعت المعركة، وقاتل أبطال البيضاء ومن معهم من القبائل بكل بسالة، قتل العشرات من عناصر المليشيا الحوثية.
 
واستشهد 16 ثائراً من أبناء البيضاء والقبائل، وجرح 70 آخرون.
 
وعند سيطرة المليشيا على مديرية ردمان بعد معركة ضارية استبسل فيها أبطال البيضاء في مقاومة الحوثيين أحفاد الإمامه كما كان أجدادهم سابقاً، أعلن الشيخ ياسر العواضي أن أبناء البيضاء يعلمون مسبقاً بنتيجة المواجهة ضد مليشيا الحوثيين، وأن القبائل خاضت المعركه لأنها معركة "عرض وشرف" وأن معركة أهالي البيضاء الآن أصبحت معركة "أرض وعرض وكرامة"، مؤكدين استمرار نضالهم مع "الجمهورية ضد العنصرية والطائفية وضد منطق سيد وعبد".
 
قاتل أبناء البيضاء وأبناء القبائل بكل انتماءاتهم السياسية جنباً إلى جنب، وضحوا وكانوا على قلب رجل واحد، وأعلنوا أن المعركة ما زالت مستمرة، وأن دماء أهل ردمان، وبيوتهم، ليست أغلى من بيوت اليمنيين. 
 
وكيفما كان الحال الآن، والأسباب التي أدت إلى انتفاش الإمامة وتوسعها في زماننا هذا، فإن العصر ليس عصر الكهنوت والعنصرية والفاشية، وسوف تعود اليمن لذاتها والبيضاء لأهلها عما قريب.

ذات صلة