لم يدرك رجل أعمال بارز أنه المستهدف من الحملة الأمنية الكبيرة التي داهمت شركته، ولا أن توزيعه الصدقات هو الجريمة التي سيقاد بسببها إلى السجن، لكن ذلك ما حدث للتاجر اليمني محمد السنيدار في صنعاء.
اعتاد رجال الأعمال والميسورون التصدق بكثرة خلال شهر رمضان على الفقراء في بلد باتت غالبية سكانه في حاجة إلى المساعدات، وفق التقارير الأممية، ولهذا حافظ عليه من تبقى من التجار والميسورين في مناطق سيطرة الحوثيين، الذين انقلبوا في عام 2014 وتسببوا في هذه الأزمة.توزيع الصدقات على الفقراء طوال أيام شهر رمضان لم يَرُقْ لأحد مشرفي الميليشيات الحوثية في المنطقة، فأرسل حملة عسكرية قبل أيام واقتادت رجل الأعمال إلى السجن.الميليشيا التي اقتحمت مقر شركة السنيدار وأغلقتها وداهمت منزله كذلك بعشر سيارات تحمل مسلحين من هيئة الزكاة والأمن، وأتباع المشرف الحوثي، أبلغت رجل الأعمال وغيره من الميسورين بأن عليهم التوقف عن توزيع الصدقات، وضرورة أن تسلم أي مبالغ من هذا النوع إلى المشرفين وتوزيعها بمعرفتهم. لم يطلق سراحه إلا بعد تحرير تعهد بعدم اقتراف مثل هذا الفعل المجرم لديهم مرة أخرى.في بلد يعيش 24 مليوناً من سكانه على المعونات التي تقدمها منظمات الإغاثة، أنشأ الحوثيون هيئة خاصة بالزكاة تتولى جمع تلك الأموال بنسب مضاعفة وبالقوة من التجار والمحلات. وتتهم الجماعة من مختلف الجهات المحلية والدولية بتوزيع المساعدات على مقاتليها وأسر قتلاها وأسر أسراها لدى قوات الحكومة اليمنية، وحولت شهر رمضان إلى مناسبة لفرض ومضاعفة مبالغ الجبايات، وأطلقت يد مشرفيها للتنكيل بالميسورين من اليمنيين و«سرقة لقمة العيش من أفواه الجوعى»؛ على حد تعبير مدير «برنامج الغذاء العالمي» ديفيد بيزلي في تصريح شهير العام الماضي.مثقفون وناشطون يمنيون أصدروا بياناً تضامنياً مع التجار والميسورين رفضوا فيه تقييد «الحرية الفردية في الإنفاق على الفقراء والمساكين» واستنكروا الممارسات التي يشهدها الواقع في صنعاء والتي تقوم على اعتقال أي تاجر مقتدر يوزع الصدقات بنفسه ولا يتم الإفراج عنه حتى يكتب تعهداً بأنه إذا أراد أن يتصدق فله ذلك؛ ولكن عبر المشرفين الحوثيين. وقالوا في بيانهم: «على قيادة الحوثيين أن توضح موقفها من هذا السلوك القبيح الذي يقوم على مبدأ تقييد حرية الناس في الصدقة على المحتاجين»، محذرين من «توقف كثير من التجار عن الصدقة، وسيكتفون بالزكاة وحدها».الموقعون على البيان شددوا على أن هذا السلوك سيتضرر منه الفقراء والمساكين وليس غيرهم، وأنه يكسر قاعدة صدقة السرّ التي دأب أهل الخير على إنفاقها، وتطلعوا إلى من وصفوهم بـ«العقلاء من الحوثيين» لتحرير جماعتهم من هذا السلوك القبيح وغير الرشيد، وطالبوا منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والناشطين المدنيين بـ«إدانة مثل هذه الممارسات التي تقيد الحرية الفردية في الإنفاق على الفقراء والمساكين، والوقوف ضد هذا السلوك الهمجي».وعملت الميليشيات الحوثية منذ ما قبل انقلابها على الشرعية على جمع الزكاة من التجار في مناطق سيطرتها في صعدة ومن الموالين لها خارج المحافظة، ومنها مولت إنشاء الحوزات وشراء الأسلحة وفتح معسكرات التجنيد، ضمن خطتها لمواجهة السلطة المركزية في صنعاء، وصولاً إلى اقتحام المدينة بعد ذلك، كما عملت منذ ما بعد الانقلاب على فصل مصلحة الواجبات عن وزارة لمالية والحكومة وأنشأت هيئة مستقلة للزكاة يشرف عليها زعيم الميليشيات، وعينت أحد مديري الحوزات في منطقة أرحَب، وهو محسن أبو نشطان، على رأس هذه الهيئة التي أعادت تحديد مقادير الزكاة ومضاعفتها واستخدمت القوة في اقتحام المتاجر لتحصيلها.المصدر: الشرق الاوسط