بين سجون حدة والسبعين.. الأسير المحرَّر "هايل حملة" يسرد عاما ونصف معاناة وتعذيباً

  • الحديدة، الساحل الغربي، ماجد الحيلة:
  • 07:23 2020/11/13

لم تمنع سنوات التعذيب والقهر، التي تعرض لها الأسير المحرَّر "هايل حملة" أن يعبر لنا عن فرحته العارمة بتحريره من الأسر. يقول "إنه منذ اللحظة الأولى التي وطأت قدمه مطار عدن وهو في كامل اشتياقه واستعداده للقاء أمه وأبنائه وزوجته بشغف، حتى يتمكنوا من رؤيته سليماً معافىً، بعد فراق دام لأكثر من عام ونصف العام".
 
الأسير المحرَّر "هايل عبده حملة"، البالغ من العمر 38 عاماً، والذي خرج الأسبوع الفائت خلال صفقة تبادل للأسرى، بعد أن قضى "عاماً ونصف العام" داخل سجون الغدر، يروي لنا تفاصيل أسرِه وتعذيبه طوال مدة مكوثه في سجون الحوثي قائلاً:
 
"تم أسري من الخطوط الأمامية في جبهة الجاح أنا ومجموعة من رفاقي. أسروني وأنا بخير، فقاموا بإطلاق النار عليّ فور أسري. أصابوني بطلقين ناريين واحد في رجلي اليسرى والآخر في رجلي اليمنى، وبعد أسري وهم يقودوننا إلى السيارات رأوني أستطيع الوقوف على قدميّ، برغم الإصابة الأولى، فأطلقوا عليَّ رصاصة ثالثة بساقي اليسرى، كانت تلك هي اللحظة التي أدركت فيها حجم الوحشية التي سألقاها فترة أسري".
 
يضيف هايل: "أخذونا بعد الأسر بساعات إلى أحد سجون مديرية باجل، وهناك وجدت عدداً كبيراً من المعتقلين، منهم سائقو باصات وعمال مطاعم وباعة قات... عليهم آثار ضرب وتعذيب. استمرت فترة اعتقالي بهذا السجن خمسة وعشرين يوماً، كنت أداوي جروح قدميَّ بالماء الذي كانوا يأتون لي به من أجل الشرب، والذي لم يكن يتعدى علبة ماء صغيرة، ورغم مطالبتي بالمضادات الحيوية لخوفي من التهاب الجروح، إلا أنهم لم يقدموا لي أي مساعدة طبية".
 
ويتابع هايل حديثه: "ما لفت نظري هو أن المليشيا في سجن "باجل" كانت تعذب المعتقلين وتحاول إيهامهم بأن من يعذبهم هم من النظام السابق وليس الحوثيين، في إشارة إلى الرئيس الشهيد صالح".
 
سجن حدة
 
وذكر أنه "بعد قضاء فترة ما يقارب الشهر في سجن باجل، تم اقتيادنا معصوبي الأعين بسيارة هايلوكس بعد أن أوهمونا بأن هناك عفواً من سيدهم شملنا، ولم نكن نعرف مدى كذب ودجل هذه الجماعة، وأن هذه الكذبة ليست إلا إنذاراً لنا بأن الأسوأ قادم. بعد ساعات في الطريق فتحوا عن أعيننا ونحن في صنعاء، واقتادونا إلى فلة تقع في منطقة حدة بها الكثير من المعتقلين موزعين على الغرف، منهم أئمة جوامع مثل "محمد المحفلي" و"هلال عكروت"... وغيرهما، رفضوا أن يصرخوا بصرخة الحوثي، وعندما سألت أحد أئمة المساجد المعتقلين عن سبب رفضه صرخة المليشيا، قال إنه معتقل بسببها منذ ثلاث سنوات"..
 
أسروني وأنا بخير، فقاموا بإطلاق النار عليّ فور أسري
أسروني وأنا بخير، فقاموا بإطلاق النار عليّ فور أسري
 
يؤكد هايل: "هناك كان التعذيب النفسي أكبر من أي شيء آخر، حيث انتظرنا العذاب بعد اتهاماتهم التي وجهت لنا من قبيل "دعم العدو ضد اليمن واليمنيين والخيانة"، حد وصف المليشيا، والكثير من التهم، ومرت في "سجن حدة" ثلاثة أشهر من العذاب النفسي".
 
"سجن السبعين".. المرحلة الأطول
 
يقول هايل، "بعد مرور ثلاثة أشهر اختاروا مجموعة منا وأخذونا إلى مقر قيادة الأمن المركزي، ما يسمونه حالياً "سجن السبعين"، والذي حولته المليشيا إلى سجن كبير يحوي المئات من المعتقلين والأسرى. وكانت الزنزانة التي أنا بها تحوي أكثر من ثمانين معتقلاً من كافة الأعمار وبقاضايا وتهم مختلفة، معظم التهم الموجهة للأسرى والمعتقلين تهم سياسية، ومنهم من لم يعرف تهمته أو سبب اعتقاله من الأساس، والبعض كان سبب اعتقاله لأنه لم يردد شعار الحوثي "الصرخة" فقط!".
 
ويضيف: "في هذا السجن رأينا من الأشياء التي قد تذهل أي إنسان يحمل داخله القليل من الإنسانية، منها: معاناتنا في التغذية، حيث تعمد الحوثيون توزيع كميات قليلة من الطعام لكل مجموعة مكونة من ثلاثة أشخاص لا تكفي لشخصين، وتم نقلها لنا بأدوات قذرة، حتى إن بعضنا المضطر إلى الأكل كان بعد أن يأكل القليل يستفرغه فوراً، وكانوا يعاقبوننا أيضاً بقطع المياه، لدرجة أننا لم نكن نغسل ملابسنا أو نستحم". 
 
سألته عن ما إذا كان يتواصل مع أقاربه؟ أجاب: "معاناة التواصل مع أقاربنا كانت تعترضها الكثير من الصعوبات، ففي إحدى المرات طالبنا بالسماح لنا باتصال واحد مع أقاربنا لطمأنتهم، فتم الرفض والتأجيل مراراً، وذات مرة طلبوا من المجموعة التي تود الاتصال الخروج إلى ساحة السجن، وعندما لاحظوا العدد الكبير قاموا بإرجاعنا إلى الزنزانة ورموا علينا قنبلتين مسيلتين للدموع قمنا بإخمادهما بالبطانيات، وأغلقوا كل منافذ التهوية حتى شعرنا بأننا كدنا نموت من الاختناق، وكان بيننا مرضى وكبار سن، وقطعوا علينا الماء لكي لأنكرر مطالبنا".
 
"السجن مدرسة لكل إنسان معه عقل ويستطيع أن يفكر"، يقول هايل وهو يشرح لنا محاولات مليشيا الحوثي داخل السجون لتغيير معتقدات الناس وتلقينهم شعاراتهم ومبادئهم الظلامية التي يحاولون غرسها في كل مكان، يقول: "لم نتعلم منهم شيئاً سوى عكس ما تمنوه، تأكدنا أن هذه الجماعة لا تحمل في فكرها وعقيدتها إلا الموت".
 
التعذيب..
 
يقول: "لم تكن أساليب التعذيب والتحقيق واحدة لكل المعتقلين، تختلف من شخص لآخر، فالبعض كان يتم تعذيبه بالضرب بالعصي والكابلات حتى إن العلامات لا تزال واضحة على الكثير، والبعض كان تعذيبه يتم أثناء التحقيق، يجعلونه يجلس حافياً على علب الفاصوليا ليطرحوا عليه سؤالاً كل 20 دقيقة، وتم تعذيب أحد المساجين من كبار السن بتحميله بلكة على رأسه وهو مربوط العينين حتى وقع معها في النهاية وأصيب وجهه بجروح عدة، وهكذا اختلفت أساليب وطرق التعذيب لكل معتقل على حدة".
 
"كان غرضهم (الحوثيون) من تعذيب الأسرى والتحقيق معهم، هو معرفة معلومات عن الصحافيين والإعلاميين وعن الخلافات الدائرة داخل جبهاتنا وأماكن تواجد قياداتنا"، يوضح هايل.
 
تبادل الأسرى
 
وختم هايل حديثه بالقول: "جاء خبر صفقة التبادل كبشرى لكل الأسرى، وكأنها نهاية سنوات العذاب. والحمدلله لم تخذلنا قياداتنا والتي كانت في استقبالنا والترحيب بنا أيما ترحيب. ونتمنى النصر والعزة في سبيل تخليص وطننا من هذه العصابة الكهنوتية".

ذات صلة