الإمامة في مهبِّ القصيدةِ البردونيةِ

  • صنعاء، الساحل الغربي، عبدالولي مجيب:
  • 02:21 2021/04/26

.. قصيدة الشاعر اليمني الرائي / عبدالله البردوني "فتوى إلى غير مالك" هذه القصيدة التي كتبها البردوني في عام 1948 م و التي تشف عن شجاعة البردوني و تصدره المبكر لمقارعةِ الإمام و اتخاذِ موقفٍ من الإمامةِ التي أهلكتِ الحرثَ و النسلَ و اكتوى بنيرانِ حقدها الأحرارُ و الثوارُ و لم ينجُ من سطوةِ بَطشِهَا حتى الشاعر الأعمى / عبدالله البردوني.
 
و في القصيدة " فتوى إلى غير مالك " التي تأخر نشرها و تمَّ استبعادها من ديوان الشاعر "لعيني أم بلقيس" حرصاً من الأستاذ / علي الجندي المشرف على طباعة الديوانِ ؛ على حياة الشاعر اليمني/ عبد الله البردوني.. 
 
القصيدة ذاتها "فتوى إلى غير مالك" لم تنشر ضمن أي ديوان من دواوين البردوني الشعرية الأولى، وبقيت بعيدة كل البعدِ عن القراءِ حتى تسنى نشرها بعد قرابةِ أربعينَ سنةً من كتابتها ؛ إذ كتبت القصيدةُ في عام 1948م و لم تنشر إلا ضمن المجموعةِ الشعريةِ للشاعر البردوني "جواب العصور" أي في عام 1989م فما الذي أبقى هذه القصيدة بعيدةً عن النور كل هذه الفترة الزمنيةِ. 
 
"فتوى إلى غير مالك" قصيدة تهكمية جريئة تعكس قدرة البردوني على مجابهةِ الإمامةِ و النيل منها بذكاءِ و كشفِ العديدِ من التفاصيلِ المتعلقةِ بالتناحرِ بداخلِ الأسرةِ ذاتها متهكماً بالإمامِ أحمد ساخراً من صنيعهِ كقوله: 
 
سأظل أسأل (أحمداً) لا (مالكاً)
كيف استطبتَ بأهلك الإجحافا؟
 
كما يتعمد الشاعر/ عبدالله البردوني همز و لمزِ شخصيةِ الإمام أحمد يحيى حميد الدين كاشفاً من طرفٍ خفي ارتضاءِ الإمامِ أحمد بقتلِ أبيهِ حتى لا يظهر فيما بعد من ينازعهُ على الإمامةِ يقول البردوني: 
 
هل قال قَتْلُ أبيك: ترقى بعدهُ
تُفني وتسجن بإسمه الآلافا؟
 
أتَركْتَهُ بالأمس يلقى قتلهُ
كي لاترى للأمر فيك خلافا؟
 
و من خلال الوقفةِ عند العتبة الأولى للقصيدة / العنوان "فتوى إلى غير مالك" سيكتشفُ القارئ أن الفتوى موجهة إلى غير "الإمامِ مالك" ليحضر للتو بقية أئمة المذاهبِ و على رأسهم الإمام أحمد و حتى  لا نفهم تورية البردوني في وضع عنوان القصيدةِ على أنها جبن، فقد وضع على عتبة القصيدة الثانية / الإهداء  إلى الإمام أحمد حميد الدين، من طالب معرفة! فماذا تقول القصيدة؟ و كيف استطاع البردوني أن يعصفَ بفكرة الإمامةِ و يكشفَ الكثير من خَفاياها و مؤامراتِ البيت الواحد. 
 
و القصيدةُ تكشفُ مدى هشاشةِ فكرةِ الإمامةِ التي لا تقوى على الوقوفِ في مهبِ الغضبةِ البردونيةِ..
 
القصيدة:
 
فتوى إلى غير مالك
 
 
لن ترحم الثّوار والهُتافا
هلاّ رحمت السيفَ والسيّافا؟
 
أوَمَا على المقدام يوم النصر أن
يرعى الشجاع، ويرحم الخَوَّافا؟
 
أيكون ما أحرزته نصراً، إذا
قاتلت أجبنَ، أو قتلتَ ضعافا؟
 
أسَمعتَ عن شرف العداوة، كي ترى
لخضمِّ تقطيع الرؤوس ضفافا؟
 
*
 
سأحثُّ أسئلتي إليك، وإنني
أرمي بهنَّ وبي إليك جزافا
 
هاك القصيدة والمُقصِّدَ سلهما
إن تبتغي، أو دعهما استخفافا
 
سأظل أسأل (أحمداً) لا (مالكاً)
كيف استطبتَ بأهلك الإجحافا؟
 
فدخلتَ (صنعا) فاتحاً، وقطوفُها
أشهى إلى مَن جاءها مصطافا
 
*
 
هل قال قَتْلُ أبيك: ترقى بعدهُ
تُفني وتسجن بإسمه الآلافا؟
 
أتَركْتَهُ بالأمس يلقى قتلهُ
كي لاترى للأمر فيك خلافا؟
 
*
 
أسرفتَ في التقتيل، يهزمُ نصرَهُ
مَن يستلذُّ القتلَ والإسرافا
 
حتى قطعتَ مع الرؤوس ذيولها
هل سوف تقطع بعدها الأردافا؟
 
ماذا ستصنع حين تصعدُ أرؤساً
تلك التي لمّا تزل أكتافا؟
 
*
 
أضنى دمُ الأعناق سيفَكَ هل روى
كيف اقشعرَّ مِن النجيع وخافا؟
 
لو كنتَ لاستعطاف أيِّ مؤمِّلٍ
أهلاً، لذاب حسامك استعطافا
 
أُيقال: عفَّ ابنُ الحديد عن الدِّما
وابن الأئمة لا يُطيق عفافا
 
ويقال: أمسى (نافع) مستخبراً
أأجعته كي يأكل الأضيافا؟
 
*
 
أخْجلت عهد أبيك، والأسياد مِن
أسلافه، وستُخرجُ الأخلافا
 
لا يبلغ الأشراف، إلاّ مَن غدتْ
أعمالهُ، كجدوده أشرافا
 
*
 
سل وقع رميتك التي ما أخطأت
أهدافها، كم أخطأت أهدافا؟
 
هل وافت المرمى الذي نَفَرتْ لهُ
أمْ ذلك المرمى، إليها وافى؟
 
*
 
قالوا: شهرتَ على العِدى فاقعد وقل:
للريح هيّا عَمِّمي الإرجافا
 
الآن لا حلمٌ هناك، ولا هنا
يرنو، ولاطيفٌ يُرى طوّافا
 
حاربتَ حتى ما تركتَ مُحارباً
وأمَتَّ في أغمادها الأسيافا
 
*
 
بلظى (الجرامل) و(السريع) أحلْتَ في
(بيت الفقيه) وجوههم أظلافا
 
ورؤوس (نجران) العواصي أينَعتْ
لمّا رأتك القاطفَ الخظّافا
 
واليوم أضحى (ابن الوزير) وحزبهُ
خبراً، على أردانه رعّافا
 
قَوّلْتَهُمْ هذا، فقالوا: أحْسَنوا
طَرَبُ الملُقِّنِ يخدع العزّافا
 
*
 
أنْصَفْتَ نفسك خالقاً مَن يبتغي
لضميرهِ مِن نفسك الإنصافا
 
أحدثْت ما لا يستشفُّ منجِّمٌ
لترى غداً ما يفجأُ العرّافا
 
قال المنجِّم: ماعليك خطورةٌ
فعلامَ تخشى الحُلمَ والأطيافا؟
 
أأقول عنه: عليك خصمٌ منك لا
يغفو، ولو صافيْته ماصافى
 
*
 
سنقول: مَن هذا اللعين يقول ما
أخفي، أما سرٌّ عليه تخافي؟
 
لايستحق الذِّكْرَ مَن ألبسْتَهُ
صفةَ اللعين ولا اتردى أوصافا
 
عريان إلاّ من قميص وِلادهِ
عانٍ، وقلب الشعر فيه معافى
 
أعمى، و(زرقاء اليمامة) حيّةٌ
فيه ترى من (سربةَ الأحقافا)
 
ما قال: إلا ما اقترفتَ وما اجتلى
مِن سرِّه مايُعجز الكشّافا
 
ما جاء بابكَ راجياً، لكن أتى
عما سيأتي سائلاً ملحافا

ذات صلة