علمانية المتخلف مثل تدينه

02:14 2021/04/08

وقعت عيني على عنوان لخبر ورد هكذا: "السودان.. الحكومة والحركة الشعبية توافقان على فصل الدين". 
 
ولم أقرأ تفاصيل الخبر؛ إذ لا يهمني حرفية معناه، بقدر ما يهمني فكرية مدلوله. وفكرية مدلوله تكمن في إشارة سابقة كنت قد قلتها، وهي: اليميني في المجتمع المتخلف متخلف، والعلماني في المجتمع المتخلف متخلف، واليساري في المجتمع المتخلف متخلف.. إلخ. 
 
والخلاصة هنا أن علمانية السلطات السودانية الجديدة ستكون نفسها مثل تدين سلطات البشير سابقًا. لا فرق، قد يختلفان، ويتناقضان، وحتمًا هما كذلك؛ لكنهما في التخلف شرق..! 
 
إن تطور الأمم والشعوب لا يكون بقرار سياسي، بين عشية وضحاها، وإنما ببناء مجتمعي، له مقدماته وأولوياته، وله رؤاه وخطواته، كحال الجسد تماما مع الصحة والمرض، المرض قد يهب فجأة، وقد يتدرج للإنسان، أما الصحة فلا تعود للجسم إلا بالتدرج، والحال كذلك مع الشعوب التي قد تنهار رويدا رويدا أو فجأة؛ لكن أمر استعادتها ونهضتها لا يكون إلا بالتدرج. 
 
كان اليسار السوفيتي في منتصف القرن الماضي، حتى الثمانينيات هناك نهضة تقدمية عالية، صعدت روسيا معه إلى سطح القمر، ونافست الولايات المتحدة الأمريكية لعقود، وكان اليسار في الشطر الجنوبي من الوطن في نفس الفترة تهريجا قرويا وخلافات قبلية، اقتتلت في نهاية المطاف "قبائل ماركس" التقدمية..! كما تتقاتل قبائل "بني ضبيان" غير التقدمية..! والسبب أن ماركسية الاتحاد السوفيتي نسخة أصلية من فلسفة الزمان والمكان، وانعكاس لقدر معين من الوعي والثقافة هناك، فيما هي في شطرنا الجنوبي سابقا، نسخة مزورة وباهتة، لا علاقة لها بالمكان، لأن ما يصلح للسوفيت ليس بالضروري أن يصلح لعرب جنوب الجزيرة العربية. 
 
ذلك ما تنبهت له أيضا كل من اليابان التي "مركست" رأسماليتها، والصين التي "رأسمت" شيوعيتها..! أي أن اليابان قد أخذت بالرأسمالية التي طعمتها بقدر معين من الماركسية، وأخذت الصين بالشيوعية مع قليل من الرأسمالية، فنهضتا من رماد الفينيق..! 
 
إن علمانية المتخلف، مثل تدينه تماما. العلماني المتخلف يقتل كل مناوئ ويستبد بكل المخالفين له، كذلك الشأن مع ذلك اليميني المتعصب الذي يقتل صاحبه لأتفه سبب، ويسرق المال العام مباهيا بذلك، مع أنه حريص على الحفاظ على صلاته، كحرصه على سرقة المال العام..!
 
إذن المشكلة تكمن في الوعي أولا، وفي منظومة القيم التي يحملها هذا أو ذاك، وليست في تبني عناوين زائفة، نخدع بها أنفسنا قبل الآخرين. 
 
تطوير الدولة، يبدأ من تطوير الإنسان نفسه، أما تبني الشعارات العريضة، فلا تعدو أن تكون مناورة عابرة، لن تصمد لبرهة من الوقت.