تحقيق- انتشار مخيف لأمراض السرطان في مارب.. وشركات النفط طالبت القضاء بمنع التداول الإعلامي

  • مارب، الساحل الغربي، تحقيق/ عمار غانم:
  • 10:50 2021/01/26

قلق وخوف يساور أبناء محافظة مارب النفطية على رأسهم القاطنون بالقرب وجوار المنشآت النفطية فيها، بعد معلومات وتقارير ودراسات أولية أجريت كشفت عن أرقام كبيرة لمصابين بمرض السرطان متأثرين بعوادم ناتجة عن مخلفات استخراج النفط في مناطقهم أو بالقرب منها. 
 
وكشفت مبادرة مجتمعية، مؤخراً، عبر مسح ميداني، عن ارتفاع مطرد بعدد الإصابات بالأورام السرطانية والذي تجاوز 100 حالة في ثلاث مديريات فقط، وجلها من المديريات التي تقع بالقرب من منشأة النفط في محافظة مأرب، وسط اليمن.
 
نداءات تحذير تكررت كثيراً من قبل الباحث البيئي عبد القادر الخراز، حول الموضوع ذاته، ووصفت الوضع بالكارثي. 
 
جهود مجتمعية وشخصية تمت مؤخراً دعت إلى الإسراع باتخاذ الحلول العاجلة دون تأخير، فالجهود الذاتية لمبادرة نحييها استطاعت تحريك المياه الراكدة ودفع أبناء مارب إلى المطالبة بتوفير مراكز خاصة بعلاج الأورام السرطانية، إلى جانب جبر الضرر من قبل الشركات النفطية وتحمل مسؤولياتها تجاه البيئة والمجتمع.
 
من خلال المسوحات الميدانية في ثلاث مديريات، تم رصد أكثر من 100 إصابة بالأورام السرطانية
من خلال المسوحات الميدانية في ثلاث مديريات، تم رصد أكثر من 100 إصابة بالأورام السرطانية
 
نتائج استخلصتها ندوة أقامتها المبادرة في الثاني من يناير بمدينة مارب تمكنت من لفت الانتباه لموضوع خطير كهذا لم يثر النقاش حوله من قبل كثيراً، والأسوأ انه نسي بسبب الحرب، ما يعني تضاعف المعاناة لهؤلاء المصابين بالسرطان. 
 
ونجحت الندوة في إعادة تصوير مشاهد ذبول المرضى وتلاشيهم إلى أذهان أبناء هذه المناطق، حينما اغتال السرطان الكثير من الأرواح، بينما لم يكن في وسع أقاربهم سوى انتظار حتمية فقدانهم واحتراق زهرة الحياة في أبدانهم في ظل انعدام المراكز المتخصصة بعلاج الأورام السرطانية في المحافظة.
 
السرطان يغزو مديريات مارب 
 
وسلطت الندوة التي أقيمت تحت عنوان (المسؤولية الاجتماعية للشركات العاملة في الصناعات الاستخراجية)، الضوء على الأضرار الكارثية التي تسببت بها شركات النفط التي لا تلتزم بالمعايير البيئية والأخلاقية في عملها للمديرات القريبة على المستوى الإنساني والبيئي.
 
واستعرض الباحث البيئي الدكتور عبدالقادر الخراز نتائج المسوحات الميدانية التي تمت في ثلاث مديريات، هي: حريب والجوبة والوادي، وتم من خلالها رصد أكثر من 100 حالة إصابة بالأورام السرطانية، بالإضافة إلى أمراض ضيق التنفس والفشل الكلوي، وقد أخذت مديرية حريب النسبة الأكبر من أمراض السرطان تليها الجوبة، ومن ثم الوادي،
بينما تم تصنيف الأمراض ونسبها على النحو التالي: 69% مصابون بأمراض السرطان 17% بأمراض القلب والتنفس، و14% بأمراض الكلى والفشل الكلوي، 52.17% من الإناث المصابين بهذه الأمراض و47.8% من الذكور.. وتعددت أنواع الأمراض السرطانية، وتم رصد ثمانية أنواع من مرض السرطان، هي: سرطان العين والجلد وسرطان الدماغ والجمجمة وسرطان الثدي والغدد وسرطان البطن وسرطان الدم وسرطان الجهاز التنفسي وسرطان العظام والعمود الفقري. 
 
أسباب انتشار المرض
 
في العام 2012 تساءل الباحث عبدالقادر الخراز عن سبب انتشار هذه الأمراض في مديريات مارب مع العلم أن المصابين يقطنون في مناطق ريفية لا يوجد فيها أي نوع من أنواع الصناعات التي يمكن أن تتسبب بأمراض السرطان ما عدا صناعة النفط، الأمر الذي دفع الخراز إلى دراسات معمقة عن الموضوع.
قدم الدكتور الخراز لـ(الساحل الغربي) أمثلة على سوء التصرفات التي تقوم بها الشركات النفطية
قدم الدكتور الخراز لـ(الساحل الغربي) أمثلة على سوء التصرفات التي تقوم بها الشركات النفطية
 
 
وفي حديث خاص لـ(الساحل الغربي)، قال الباحث الخراز، إنه توصل من خلال الدراسات والعينات التي تم تحليلها والتي بلغت أكثر من 63 عينة ما بين مارب وشبوة؛ أن شركات النفط في اليمن تقوم برمي المخلفات والنفايات النفطية مباشرة دون معالجتها وفقاً للمعايير البيئية، الأمر الذي أدى إلى أضرار كارثية على الإنسان والأراضي الزراعية والمياه الجوفية، وقد أثبتت الدراسات والتحاليل التي قام بها الخراز على وجود هذه المواد ونوعياتها في التربة المجاورة لشركات النفط ومنها شركة صافر.
 
أمثلة وشواهد
 
وقدم الدكتور الخراز لـ(الساحل الغربي) أمثلة وشواهد على سوء التصرفات التي تقوم بها الشركات النفطية التي لا تلتزم بمعايير العمل البيئي، ومنها:
 
ـ ترك مواد البنتونايت التي تستخدم أثناء حفر الآبار النفطية والتي تحتوي على نسبة كبيرة من الأملاح والكالسيوم والبوتاسيوم معرضة للشمس والرياح التي تنقلها إلى مناطق السكان والزراعة.
 
ـ أثناء الحفر ينتج مخلف نفطي ويكون مختلطاً بمواد كيميكال، وقد قامت شركة صافر بتخزينه في حفر مما أدى إلى تبخره -تتبخر مع مرور الأيام- ونتج عن هذا التبخر مواد سامة تتطاير في الجو وتنتقل حسب الرياح إلى المناطق المختلفة. وأكد الدكتور أن اتجاه الرياح في صافر تأتي من اتجاه الشمال والشرق وتتجه إلى الجنوب الغربي باتجاه منطقة حريب، وهذا ما يفسر العدد الكبير لمرضى السرطان في حريب.
 
مخلفات ونفايات النفط في صافر تمادت لتشمل الأراضي الزراعية والمياه الجوفية
مخلفات ونفايات النفط في صافر تمادت لتشمل الأراضي الزراعية والمياه الجوفية
 
أضرار بيئية وتجاهل للكارثة
 
لم تقتصر الأضرار الناتجة من مخلفات ونفايات شركة النفط في صافر على الإنسان فقط، بل تمادت لتشمل الأراضي الزراعية والمياه الجوفية.. وخلال تصريح الباحث الخراز لـ(الساحل الغربي) أوضح انتهاء مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في وادي حريب جراء تسرب جزء كبير من مخلفات النفط إلى التربة والمياه الجوفية ورمي مواد ومخلفات في الصحراء وتغطيتها بالتربة، بالإضافة إلى الانبعاثات الصادرة من حرق النفط، والتي تتجمع على الكثبان الرميلة التي تصل إلى السكان عبر الرياح، فما يقارب نسبة 70% من الأراضي الواقعة أسفل وادي حريب و60% من الأرضي الواقعة في الوسط لم تعد صالحة للزراعة، بينما تملحت المياه الجوفية وغارت في الأعماق وضعف تدفقها.
 
وأشار الخراز إلى أنه سبق ورفع قضية في محكمة مارب ضد شركات النفط، وقدم الأدلة والدراسات التي تثبت تسبب الشركات بأضرار جسيمة على الإنسان والأرض، لكنه قوبل بالمماطلة من قبل المحكمة والرفض للمرضى بالتدخل، بينما تعنتت شركة صافر، وطالبت المحكمة بإصدار حكم يمنع الخراز من نشر الموضوع وتناوله في وسائل الإعلام.
 
قال مدير مكتب الصحة إن مأرب بحاجة ماسة إلى مركز لعلاج الأورام السرطانية
قال مدير مكتب الصحة إن مأرب بحاجة ماسة إلى مركز لعلاج الأورام السرطانية
 
مطالبات بفتح مراكز متخصصة 
 
أدت النتائج المخيفة التي أظهرت الضرر الكبير الذي يتعرض له الإنسان والأرض المحيطة بشركات النفط إلى فتح الباب أمام مطالبات أبناء مارب بتوفير مراكز متخصصة بعلاج الأورام ومرضى السرطان في محافظة مارب، خصوصًا مع الارتفاع المطرد لعدد المصابين بالسرطان، بينما لا يجد المرضى مكاناً للعلاج.. وفي هذا الصدد قال مدير مكتب الصحة بمأرب عبد العزيز الشدادي، إن مأرب بحاجة ماسة إلى مركز لعلاج الأورام السرطانية في ظل الارتفاع المخيف لانتشارها.
 
وعبّر الشدادي عن مدى أسفه عما يواجهونه في مستشفيات المحافظة عندما تصل إليهم حالات مصابة بالسرطان وليس في مقدورهم تقديم الخدمة لهم. وقال: أثناء قدوم أحد المصابين بالسرطان إلى مكتب الصحة أو أحد مشافي المحافظة يقفون عاجزين وغير قادرين على تقديم أي خدمة علاجية لهم ".
 
معالجات طارئة
 
وفي ختام حديثه لـ(الساحل الغربي)، قدم الدكتور الخراز معالجات وتوصيات عاجلة للحد من خطورة المشكلة وتفاقمها وخروجها عن السيطرة، تتمثل في الآتي:
 
ــ إزالة الأضرار الموجودة والمواد المدفونة، معالجتها بإشراف مختصين، وإن لم يتم رفع الضرر فإن تأثيره سيستمر الى أجيال قادمة.
 
ــ جبر ضرر المتضررين وتعويضهم سواءً المصابين بالأمراض أو من تضررت أراضيهم.
 
ــ تطبيق القوانين واللوائح البيئية ومنها قانون حماية البيئة رقم 26 لعام 1995 والمواد المتعلقة بالأثر البيئي للصناعات الاستخراجية وحظر دفن النفايات الخطرة. وأشار الخراز إلى أن اليمن تعد من ضمن الدول الموقعة على العديد من الاتفاقيات البيئية التي تتعلق بالحفاظ على البيئة ومنها اتفاقية بابل التي تتعلق بالتحكم بالنفايات الخطرة، وتنص المادة 9 من هذه الاتفاقية على أن إلقاء النفايات الخطرة عمل غير مشروع، بينما تنص المادة 3 على تحمل المسؤولية والتعويض عن الضرر الناجم من النفايات الخطرة، وأن ما تقوم به الشركات النفطية في اليمن يعد انتهاكاً صارخاً للقوانين اليمنية والدولية، ويعد من الجرائم البيئية بالغة الأثر.
 
 

ذات صلة