مذبحة مالية.. رسوم التحويلات تأكل اليمنيين وأرزاقهم

  • الساحل الغربي، متابعة:
  • 03:21 2020/12/07

تقارير قليلة فقط في وسائل الإعلام سلطت الضوء على أبرز وأكبر المشكلات التي تعصف بمداخيل البسطاء وتأكل أموال العمال والعائلين لأسرهم. "عملية نهب منظم"، كما يصفها الناس، على مرأى ومسمع من الجميع، ويتواطأ معها واقع انقسامي على مستوى السلطات والسياسات المالية والاقتصادية في بلد أنهكته الحروب والأزمات. أكثر من 30 – 35 في المائة هي نسبة الرسوم على الحوالات المالية الداخلية. هذا يتآكل مدخولات الناس ومستحقاتهم المالية البسيطة التي باتت شركات الصرافة تتقاسمها مع أسرهم.
 
بين تحفظات البنك المركزي والمختصين في سلطات الشرعية عن إبداء الرأي والإحالة غالبا على مسؤولية واختصاص البنك المركزي (السلطة المالية) في الرد والتوضيح والتزام الأخير الصمت أمام، واكتفاء المليشيات الحوثية الانقلابية بالتفسير الجاهز والمستهلك للتهرب من كل مسؤولية والتستر على ممارسات النهب والفساد والتلاعب بالعملة وأسعار الصرف ورسوم الحوالات الداخلية الباهظة، تستمر معاناة اليمنيين المضاعفة جراء تفاقم رسوم التحويلات بين مناطق البلاد وتلك الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية.
 
التقرير التالي بتصرف عن موقع التلفزيون الألماني دويتشه فيليه DW)) يتتبع خيوط وتفاصيل المشكلة ويستقصي أطرافها.
 
الانقسام المصرفي ورسوم التحويلات - ثقب أسود يلتهم أموال اليمنيين! وسط أزمات اليمن العديدة، هناك أزمة بدأت بعد نقل مقر البنك المركزي إلى عدن، لينقسم البلد لمناطق تتعامل بالنقود الجديدة التي تصدرها عدن، وأخرى ترفض التعامل بها. والضحية هو المواطن. وتواجه شركات الصرافة اتهامات بالتلاعب.
 
"ثقب أسود يلتهم أموال الناس!
 
"لأكثر من أسبوع، بدأ القلق يتسرب لأسرتي التي تعيش في العاصمة صنعاء، حول وضعي الوظيفي، بعد تأخري في إرسال مبلغ الحوالة الشهرية المعتادة 60 ألف ريال يمني"، والسبب في التأخير "أنني يجب أن أدفع 30 بالمائة من المبلغ لشركات الصرافة مقابل التحويل"، يقول أمين أحمد (40 عاماً)، وهو واحد من أعداد غير قليلة من اليمنيين، أثقلت كاهلهم فصول الأزمة الاقتصادية في الشهور الأخيرة والمتمثلة بانقسام السياسة النقدية - سعر العملة المحلية، حيث خلقت ما يشبه "ثقباً أسود" يلتهم مبالغ كبيرة كرسوم للتحويلات، تدفع ثمنها الأسر التي تعيش في الأصل، أوضاعاً إنسانية متفاقمة منذ سنوات.
 
يعمل أحمد في حراسة إحدى الشركات الخاصة في عدن ويتقاضى منها مرتباً شهرياً نحو 100 ألف ريال (أقل من 150 دولاراً)، وهو مبلغ يقول في حديثه لـDW عربية إنه لا يسمح له بنقل زوجته وأطفاله الأربعة (ثلاثة ذكور وفتاة) للعيش معه، بدلا من إقامتهم في منزل يملكه والده في صنعاء. وعوضاً عن ذلك، فإنه يتكفل بتغطية احتياجاتهم الأساسية بإرسال نحو ثلثي المرتب الشهري الذي يتقاضاه إليهم. 
 
على مدى شهور مضت من العام الجاري، سعى أحمد إلى تجنب دفع ثمن اختلاف سعر العملة وعمولة الحوالات من مخصصات أسرته، حيث كان يقوم بإرسال المبلغ مع مسافرين من معارفه وفي مرات أخرى كان يدفعها من نفقاته الشخصية، لكنه وخلال أغسطس/آب وعقب تفاقم الأزمة وزيادة القيود على إمكانية تداول الطبعات الجديدة في مناطق صنعاء ومحيطها، لم يجد وسيلة تحول دون دفع 30 بالمائة من المبلغ مقابل التحويل. 
 
ويوضح الرجل "بعد أسبوع من المحاولة والمتابعة اليومية من قبل أسرتي، اضطررت لأخذ سلفة من أحد أقاربي المتواجدين في صنعاء، لأنني أشعر أن من الظلم دفع ثلث المبلغ لمحال الصرافة مقابل الإرسال". أحمد هو واحد من أعداد غير قليلة من اليمنيين المتواجدين أو العاملين في المحافظات الجنوبية والشرقية أو تلك الخاضعة لسيطرة الحكومة والأطراف المناوئة للحوثيين، ممن يدفعون ثمن الانقسام المصرفي والذي تدهور معه سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وفي الغالب لم ترتفع الأجور التي يتقاضاها العاملون بالريال اليمني في القطاعين العام والخاص، بما يجعلهم ضحية لما لحق بالريال اليمني من انهيار في السنوات الأخيرة.
 
تفاقم الأزمة
 
عبد الرحيم مصلح، 28 عاماً، هو الآخر، متزوج وأب لطفلين، يعمل في أحد المحال التجارية بمحافظة الضالع جنوبي البلاد، وتفصله عدة كيلومترات عن المنطقة التي تعيش فيها أسرته بمحافظة إب (بين الشمال والجنوب)، إلا أنه وبعد أن وجد ألَّا مهرب من دفع ثلث مبلغ 50 ألف ريال في الحوالات، هو كل ما يملكه قبل أيام من موعد عيد الأضحى (أواخر يوليو الماضي)، اضطر لدفعها مع إلغاء إجازته لقضاء العيد مع أسرته. 
 
حيث أن الأوراق النقدية التي يحوزها، غير مقبولة في المناطق التي تسكن فيها أسرته. أزمة متفاقمة وإخفاق جهود أممية تعود بداية الأزمة إلى العام 2016، عندما أقرت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وفي المقابل رفضت السلطات التابعة للحوثيين، والتي تسيطر على العاصمة، الاعتراف بالقرار، مما أدى إلى انقسام البلاد بين مصرفين يعتبر كل منهما الآخر فرعاً، الأمر الذي فاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد، إذ توقفت منذ ذلك الحين عملية دفع مرتبات مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين.
 
ودخلت الأزمة طوراً جديداً، أواخر العام الماضي مع اتخاذ سلطات الحوثيين موجة إجراءات تمنع تداول الطبعات الجديدة من العملة والمطبوعة في عدن في مناطق سيطرتهم، وهو القرار الذي وسع الهوة بإيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية، وذلك في أعقاب فشل سلسلة من الاجتماعات رعاها مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، في العاصمة الأردنية عمّان، خلال العام المنصرم، سعت إلى الوصول لاتفاق في الجانب الاقتصادي، وانتهت دون تقدم، لتبدأ مرحلة غير مسبوقة من الأزمة.
 
 رسوم باهظة للحوالات! 
 
من أبرز انعكاسات الانقسام المصرفي في اليمن منذ شهور، قيام شركات الصرافة والتحويلات بفرض رسوم كبيرة على الحوالات المرسلة بالعملة المحلية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المدعومة من التحالف بقيادة السعودية - حيث سعر العملة المحلية أكثر تدهوراً، إلى مناطق سيطرة الحوثيين الذين يعتمدون طبعات قديمة من العملة بعضها مهترئة، في وقتٍ تثير فيه هذه الرسوم سخطاً متزايداً، نظراً لكون الأسر اليمنية التي تعيش بعضها في أوضاع تشبه المجاعة تدفع الفارق، وصولاً إلى الشبهات المتصلة بقانونية ومبررات شركات الصرافة لأخذها. 
 
وبينما يتمثل التفسير السائد حول المبلغ المقتطع من الحوالات والذي وصل إلى 30 بالمئة في الأشهر الأخيرة، بأنه هو فارق سعر الصرف (الدولار الأمريكي الواحد سعره 811 ريال في عدن وفي صنعاء 604 ريال يمني، حسب أحدث الأسعار مؤخراً)، إلا أنه في المقابل، لا تعتمد شركات الصرافة الفوارق في الحوالات القادمة من مناطق سيطرة الحوثيين إلى بقية محافظات البلاد، على نحوٍ يثير المزيد من التكهنات والاتهامات الموجهة لشركات الصرافة بالتلاعب.
 
"الرقابة الشرعية" 
 
أواخر أغسطس الماضي، وفي تطور لافتٍ، تداول يمنيون وثيقة تتضمن رسالة بعثتها واحدة من كبريات المجموعات التجارية في اليمن إلى بنك "الكريمي"، أحد أكبر شركات التحويلات والصرافة المحلية، تتضمن المطالبة بإضافة فارق 30 بالمائة كمبلغ إضافي على الحوالات الصادرة من الشمال إلى الجنوب، تماشياً مع الخصم الذي يتم فرضه على التحويلات بالاتجاه المعاكس. وعززت الرسالة وجاهة الشكوك المثارة بشأن الرسوم المفروضة وما يرافقها من حديث عن وجود تلاعب يدفع ثمنه اليمنيون.
 
ورداً على المطالب الموجهة إلى المصرف بدفع الفارق المقابل، أصدرت الشركة بياناً يشمل مبررات أشعلت هي الأخرى انتقادات حادة، إذ أفادت بأنها تعمل وفقاً لجهات الرقابة والإشراف وأنها تعمل على إرضاء "عملائها سواء كانوا افراداً أو شركات"، وقدمت تبريرا مما أسمته "الرقابة الشرعية" والتي اعتبرت اعتماد التجاوب مع المطالب بدفع فارق العملة المقابل من "الربا" المحرم في الدين الإسلامي.
 
مشكلة طباعة العملة 
 
المليشيات الحوثية وعبر ما تسمى  "اللجنة الاقتصادية العليا" في حكومة الإنقلابيين تحاول وكالعادة إلقاء المسؤولية عن كاهلها وتحميل كل شيء على الحكومة الشرعية والتحالف، وتقول في هذا إن المشكلة في وجود سعرين مختلفين للصرف هو نتيجة "طباعة 1.72 تريليون ريال". وتصف تلك النقود بـ"العملة غير القانونية"، وأفادت أن الرسوم المرتفعة لا تفرض على كل الحوالات من الجنوب إلى الشمال وإنما على "الحوالات التي ترسل بالعملة غير القانونية"، على حد وصفها. 
 
"مشكلة كبيرة وفشل مؤسسي" 
 
في حديثه لـDW عربية يقول رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر إن استمرار الانقسام في السياسة النقدية في اليمن يمثل مشكلة كبيرة بين بنكين مركزيين، بما "ينعكس بشكل مباشر" على حياة المواطنين اليمنيين الذين يدفعون فارق العملة من مداخيلهم. ويضيف "صحيح أن البنك المركزي في صنعاء غير معترف به دولياً أمام المؤسسات الدولية المالية وغير قادر على طباعة عملة وغيرها، ولكن أيضاً بحكم سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة بقوة السلاح"، فإنهم "قادرون على ممارسة سلطة على أرض الواقع وبالتالي التاثير على هذه السياسة" بما يلقي بظلاله "بصورة مباشرة على سعر الريال وعلى الوضع المالي والاقتصادي عموما".
 
ويرى نصر أن "سبب فارق التحويل هو القرار الذي تم اتخاذه من قبل جماعة الحوثي بعدم التعامل بالفئات النقدية الجديدة"، ويقول إن "هذا القرار نتجت عنه فوارق ما بين العملتين وخلف حالة انقسام واضحة بين عملة قديمة وعملة جديدة بقيمتين مختلفتين وأصبحنا وكأننا أمام عملتين مستقلتين عن بعضهما وبقيمتين مختلفتين وهنا تكمن الاشكالية الكبيرة". كما يعتقد مصطفى نصر أن "الحكومة الشرعية ساهمت في هذا التدهور من خلال طباعة كميات كبيرة، وبالتالي خلقت التضخم  في سعر العملة المحلية والمضاربة  فيها". ويختم رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي حديثه محملا الطرفين مسؤولية تدهور قيمة العملة ويقول" هناك جوانب قصور كبيرة واختلالات في إدارة السياسة النقدية والمالية، ونشهد حاليا حالة فشل في أداء المؤسسات الرسمية الحكومية وهي تتحمل جزء من المسؤولية وأيضاً طرف الحوثي ساهم في تدهور الريال منذ عام 2015". 
 
ولدى توجيه DW عربية، أسئلة إلى أكثر من جهة مسؤولة، بما فيها اللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة في عدن وكذلك إلى إدارة البنك المركزي اليمني (المركز الرئيس المعترف به دولياً) بشأن قانونية المبالغ المفروضة على الحوالات الداخلية والجهة التي يذهب إليها فارق التحويل، اعتذرت الأولى واعتبرت الرد من اختصاصات البنك نفسه، والذي بدوره أبدى تحفظاً عن تقديم إجابات حاسمة، وأرجع ذلك إلى سياساته الإعلامية بعدم التصريح سوى لوسائل الإعلام الحكومية.
 
 
صفية مهدي – اليمن DW))

ذات صلة