يظهر حجم الأسى المرير بتجاعيد الحاج احمد عياش "70 عاماً" أكبر من كمية الحلوى المصنوعة منزلياً والتي تعرضها "بسطته" الصغيرة بسوق الطائف غرب مدينة الدريهمي البعيد عن قريته بستة كيلو متر.
بخطوات مُنهكة يخرج كل يوم من منزله بقرية "الدُبانية" غرب مدينة الدريهمي في السادسة صباحاً بحثاً عما يطعم به من يعليهم.تعلم الحاج عياش من بيئته المتناقضة بين صحراء جلفة ومزارع رغِدة كيف ينتزع الطعام والمأوى لأسرته, ومن النخيل كيف يقف ثابتاً بوجه العواصف.لكن سنينه التي تجاوزت سبعة عقود لم تعلمه كيف يخفي من عينيه الطيبتين انكسار أواخر العمر بعذابات فظيعة, صممتها ايران ونفذها عبدالملك الحوثي بأياديه الدامية على تراب اليمن وأجساد اليمنيين - ويلات وأسى وبؤس.لماذا تعمل في البسطة وحدك؟سأله موفد "منبر المقاومة"أخذ الكهل نفساً عميقا وظل واجماً وما إن أغلق عينيه حتى سالت الدموع، وبصوت خافت كأنه صاعد من بئر قال: " قتلوه، قتلوا ولدي"تنبه لحديثنا شاب كان يقف بجوارنا وراح يقص عليّ الفاجعة بصوت لايسمعه جاره المحزون:قبل أيام فقط، كان محمود (30 عاما) ولد العم عياش، ذاهبا لجلب الحطب على عربته التي يجرها حمار ,وبالقرب من منزله بمسافة لا تزيد عن خمسين متراً مر اطار العربة فوق لغم زرعته مليشيات الحوثي الارهابية، وبعد لحظات من الانفجار كانت أشلاء محمود موزعة على المكان وقتل الحمار ودمرت العربة.الصمت وحده قدم للمُسن احمد عياش العزاء, فيما بقيتُ مصعوقاً أشاهده يبكي بالنيابة عن أباء وكهول منطقته الذين تفتك ألغام الحوثي الايرانية بأرواحهم وأرواح أقربائهم. ففي قرية "الجريبة السفلى" القريبة من "الدُبانية" التي يسكنها أحمد عايش انفجر لغم ارضي بعربة اخرى وقتل المواطن "بدنح عمر بدنح" (35عاما) وطفله خالد 3 سنوات وارسل طفلته دانا 16ربيعاً الى المستشفى التي لم تتماثل للشفاء رغم مضي أربعة أشهر من وقوع المجزرة.وفي قرية "القضبة" المجاورة للجريبة قتلت الغام الحوثي 10 اشخاص من بينهم راعي أغنام مسن يدعى ابراهيم غبش "65" عاماً".وكانت المليشيات الحوثية قد غرست معظم المناطق المحررة بالالغام قبل مغادرتها لها لتجعل حياة أهلها جحيما وتساوي بأعينهم لون النهار والليل، وقبل ذلك كانت قد أمعنت، أثناء سيطرتها، في القتل والاعتقالات والإخفاء والتعذيب والسلب والنهب والقمع وزراعة مئات الأطنان من الألغام تحت أقدام العابرين الأبرياء. يذكر أن تقارير لمنظمات دولية تحدثت عن توثيقها مقتل مايزيد عن 600 مدني بألغام وعبوات ناسفة دستها المليشيات في مزارع وطرقات اليمنيين منذ اشعالها الحرب في 2015م. وأشارت التقارير الى حصد الالغام حياة 98 مدنيا واصابة 332 اخرين في ثلاث محافظات فقط, عدن وابين ولحج والتي زرعت المليشيا فيها اكثر من 150 الف لغم ولازالت 30% منها تتربص بحياة المواطنين .وكشف المشروع السعودي مسام لنزع الألغام عن نزع المشروع والذي انطلق في يونيو 2018م، منذ انطلاقته ولغاية نهاية شهر يناير الماضي قرابة 127483 تنوعت بين ألغام فردية، وذخائر وعبوات ناسفة.