الأعياد.. من أوجاع المغتربين والمهاجرين إلى شيطان الكتابة..!

09:17 2022/05/05

قديمًا قال لي أبي، وأنا طفل، لقد اغتربت لأقل من عام، وأثناء الغربة كنت أتذكركم وأنا أسمع أغنية علي السمة (في الطائف القلب ساكن وانا لوحدي غريب قد كنت عازم ولكن ذا القدر والنصيب.. فأبكي.. 
 وقديمًا أيضًا ترك لنا الأجداد المثل القائل (بخت الشاقي بالشقاء..)
والحكاية انني تذكرت الأغنية والمثل وأنا أقع في فجر عيد الفطر فريسة لفكرة أخذت تُلِح على خاطري بقوة، وكأنها شيطان الكتابة.
 
* وتطوَّر الوضع لأجد نفسي أقع فيما حدث لكامل الشناوي وعبدالحليم حافظ  في قارئة الفنجان من تشبث بالحب وسرابه وقسوة الظنون، وهي تهز الأذن بقوة.. و(إذَن) لا مجال لخيانة الهدوء من الكتابة عندما تُلِح عليك فكرة، وعليك أن تكتبها، ولا تتهرب منها بحجة أنك في صباح العيد، أو أن ليس لك من الأمر إلا أن (تضحك على الأيام وتبرد من الأوهام وتسبح مع الأنغام)، فلا تشغل نفسك بأوجاع  غائبين، وأحوال فقراء في بلد المفروض أن جميع أبنائه اغتنوا، ليس بفُتات الزكاة، وإنما بعائدات بلد وصلاح أولياء أمر يتصدرون مشهد الحرب خصمًا من مشهد الحب.
 
* فشِلَت فكرة أن اليوم عيد ولا داعي لاستحضار مشهد تبادل دمعة منقسمه بين أم في الداخل ومغترب في دول الخليج، أو شوق مهاجر في أمريكا وبقية بلدان الغرب.
 
* في فجر يوم العيد، تمنَّيت أن ألتقي في اليمن ببشير سنان (قطر)، ورشيد النزيلي (أمريكا)، وأحمد الجبر (فرنسا)، ولؤي عباس غالب (بلجيكا)، ومروان الخالد المتنقل بين القاهرة والولايات المتحدة، وقبلها تمنّيت لو أن الطفلين جاد وجنى أولاد ابنتي الدكتورة منال يقضون العيد في أحضان والدهم وسيم الكليبي المغترب في جدة، أو قسوة أن يكون ابن عمي وخال أولادي عبدالله علي الكليبي صار له أولاد وأحفاد في غربته الطويلة.. أيضًا داخلتني عبارة يا ليت عيون أبي وأمي الفاضلين تبرق بعيدٍ مختلف يحضر فيه أخي الدكتور عبدالسلام وأسرته من القاهرة.
 
تمنيت لو ترتاح أفئدة قائمة مهاجرين ومغتربين، وقائمة المغتربين قسرًا، أو بحثًا عن سبيل عيش الذين نحبهم طويلة، ولكن كيف وليس لنا من الأمر غير القول: نحبكم والقلب مضروب ومائل وعاجز أمام صعوبات أن نقول لكم تعالوا إلى بلد تحتاجون فيه إلى كتلوج يوضّح لكم كيف لأحدكم أن يعيش بنصف معاش عالق منذ سنين طويلة.
 
* ويا أحبتنا في المَهاجر ومَواطن الغربة، فكِّروا معنا بصوت مسموع، قولوا لنا بأنكم مشتاقون لنا، وأن الشوق غلَّاب وليس كذَّاب على طريقة من أثروا ونسوا أصحابهم وأهلهم حتى من رد السلام واجب.. أطردوا من رؤوسنا أي فكرة بأن حبنا لكم من طرف واحد.. فلولا الله ومواطن هجرتكم واغترابكم ما تزاحم كثيرنا في أسواق رمضان والعيد رغم ما أصاب القيمة الشرائية لعائدات المغتربين والمهاجرين، ورغم صعوبة امتلاك الريال اليمني البائس أمام طلبات العيال وأمهاتهم.
 
* وفي مناسبة الكلام عن العيد وأوجاع الغائبين عن الديار وحنين عائلاتهم داخل الوطن المقسّم، (جيش، وأمن، وسياسة، واقتصاد، ونقاط أمن) لا يمكن بأي حال أن نصادر بهجة العيد باستدعاء مغناة (باله والليل ها البالة)، وما فيها من قسوة.. (والليلة العيد وأنا من بلادي بعيد.. ما في فؤادي لطوفان الحزن من مزيد.. قلبي بوادي بنا وابين ووادي زبيد.. إلخ. أمّا كيف، فدعوني أهجُم مثل الفرعون المصري محمد صلاح، وأتراجع كأنني خط وسط منتخب اليمن.. أتفاءل وأتشاءم، بل وأتناقض.
 
فهذا إيليا أبو ماضي يأمرنا بأن نكون رسول أمل ونسمعهم:
أيها العابس لن تُعطَى على التقطيب أجرة
لاتكن مرّاً ولا تجعل حياة الغير مرة
إلى قوله:
إن من يبكي له حول عليّ الضحك وقدره..!
 
غير أنني متورط بدعوة حكيم  للتفاؤل، وهو يقول: "تبدو الحياة سهلة حين نتكلم عنها، وصعبة حين نتعامل معها، ومؤلمة جدًّا حين نعيشها على طريقة ما نفعله كيمنيين ببعضنا وأنفسنا وبلادنا..
 
* هل أزيدكم من الهموم دمعة..
لابأس فالدموع والعتاب شامبو القلوب.. وأنا شخصيًّا أرتاح عندما أدمع وكأنني هندي يتلذذ بإلقاء جسده المنهك على سرير مزدحم بالمسامير الحادة.
 
وأعرف.. سيقول بعضكم باللهجة الصعيدية (احنا ناقصين يا ابن صعفان)، ولذلك أسجل هنا انسحابًا تكتيكيًّا، وأرجع إلى خط التفاؤل، فأقول: نحن، ومعنا المغتربون والمهاجرون نحتاج إلى الثقة والأمل في أن يجمع الله شمل اليمنيين في الداخل والخارج، بعيدًا عن أجواء (وأنا بعيد عن أهلي والشوق قد أبكاني..)، لكن عودة قطار الأمل إلى قضبانه يحتاج أيضًا للتحصين ضد التشاؤم، فيتذكر المهاجر والمغترب أن وطنه أيضًا هو الذي يكسب فيه، ويبعث فيه ما تيسر من دعم لأهله وأصدقائه ومن يحبوه، ومن يعرفون من الفقراء المحتاجين في زمن يماني شديد التعقيد.
 
* وأما قبل..
أكانت أسباب هجرتكم واغترابكم اختيارية جامحة أو قسرية.. (استمتعوا بحياتكم).
على المغتربين الرجال أن يتواصلوا في ما بينهم، ويرقصوا ويبترعوا، وعلى النساء أن يشتركن في أغنية (ما احلى نقشة الحناء..)، وللأطفال أن يندمجوا في مجتمعاتهم الجديدة دونما نسيان الارتباط بوطن الأب والجد.
* كونوا السلوى لبعضكم.. ويا ليت يتجنب بعضكم أي ارتباط مع البلوى.. بلوى القات، حيث العجينة الخضراء تعبث بكل شيء.
ومن يدري قد يفرجها الله من عنده، ويعم السلام وتتحقق أمنية يغادر فيها كل مغترب يمني بكاء أغنية:
أجاني العيد يا خلي   وأنا مبعد عن الديرة..
 
* كل عام وأنتم بخير..
 ولليمن السلام.
 
 
 
* موقع صحيفة اليمني الأميركي