السياسي والمُثقف.. لماذا لا يفهم كل منهما الآخر ؟!

07:43 2022/05/05

السياسي - كموظف – محكوم بالتوجيهات او التعليمات او الأوامر التي تصدر له من جهة مرجعية أو سلطة أعلى منه ويكون ملزما بتنفيذها ..
 
ذلك أن السياسي – دائما – جزء من قوة لها مشروعها السياسي ، ونقصد بالمشروع السياسي هنا : مجموعة الأهداف والمصالح التي تسعى تلك القوة المنظمة إلى تحقيقها ، بصرف النظر عن مدى اتفاق تلك الأهداف والمصالح أو عدم اتفاقها مع الأهداف والمصالح العامة .
 
فالسياسي ، كموظف ، ليس أمامه أي خيار آخر غير تنفيذ الأوامر الصادرة اليه ، وأقصى ما يملكه – إذا كان ضمن المستويات العليا ويتمتع بالثقة المطلقة – هو أن يكون له هامش مُعين في التقدير، سواء فيما يتعلق باختيار توقيت القرارات ، أو في الكيفية التي يتم تنفيذها بها ، مادام ذلك سيؤدي – في النهاية - الى تحقيق الأهداف والمصالح السياسية المرسومة للقوى التي ينتمي اليها هذا السياسي أو يعمل في خدمتها . 
 
إذن فالسياسيون ، كموظفين ، مثلهم مثل الجنود ، تتغيّر مهامهم ومواقعهم باستمرار تبعا لمتطلبات المعارك السياسية والخصوم السياسيين في كل مرحلة . ويتم استخدامهم من قبل القوى التي يتبعونها تبعا لقدراتهم ومهاراتهم ، وبالطبع ، فإن بعضهم ينجحون في أداء ادوارهم فيكافئون ويُرقون ، وبعضهم يفشلون ، فشلا كليا أو جزئيا ، فيستبعدون مؤقتا أو بشكل دائم .
 
أما المثقف ( او من يُفترض انه كذلك ) بوصفه صاحب رؤية أو فكرة ، فهو محكوم برؤيته وقناعاته قبل كل شيء وليس بالأوامر والتعليمات ..
 
 لهذا يفشل المثقفون فشلا ذريعا حين يعملون في السياسة ، حتى في تلك الحالات التي يعمل فيها المثقف ضمن حزب أو قوى سياسية يجمعه معها إطار عام مشترك .. 
 
وتُشكل مجموعة القيم والمبادئ التي يؤمن بها المُثقف مرجعيته العليا ، وبصرف النظر عن صحة أو واقعية  ما يؤمن به ، إلا أن مطالبته بالعمل خارج إطار تلك الرؤية ( بدعوى المرونة أو الواقعية كما يفعل السياسيون ) يصبح  ضربا من المستحيل ، لأن ذلك يُشكل – من وجهة نظره – إعتداء على كينونته ذاتها ، وهذا يُفسر لنا كيف أن رؤية بعض المثقفين تتحوّل ، بالنسبة لهم ، الى أيدولوجيا ، وبالتالي يعطونها قيمة مقدسة ، وتصبح حياتهم بلا معنى إذا لم يعيشوها وفقا للقناعات التي يؤمنون بها .
 
باختصار ، السياسي نفعيٌ وعملي ، والمثقف مبدئيٌ ومثالي ، وكل منهما يعتقد أنه على حق.
 
لذلك ، يفشل المثقفون في فهم وتبرير سلوك السياسيين ، كما يفشل السياسيون في فهم وتفسير مواقف المثقفين .