ملف - رمضان والقنّاصة: تمرة القناص ضحيته.. المدنيون وجبة إفطار!
- تعز، الساحل الغربي، ضيف الله الصوفي:
- 02:54 2022/04/16
رمضان والقنّاصة: تمرة القناص ضحيته!
رمضان شهر القنص.. المدنيون وجبة إفطار للقناص
رصاصة القناص دائماً ما تكون سريعة، وخاطفة، تصل إلى جسد المُستهدف قبل أن يرتد طرفه، وتقتل الدقائق القصيرة لغروب الشمس وحلول الظلام التي تعني الكثير بالنسبة لصائم ينتظر بشغف سماع نداء "الله أكبر" من مئذنة أحد المساجد القريبة ليمرر بعض من الماء والتمر إلى جوفه بعد مشقة تحملها طوال اليوم.. طلقة لم تراعِ لحظات بسيطة تفصل النهار عن الليل.
قناصو الحوثي، أولئك الذين تربوا على أخذ الأرواح دون الاكتراث لحرمة الدم.. لا يحترمون شهرًا فيه حرّم الله سفك الدماء.. لربما يرون أن هذا الفعل يُتمّم صِيامهم، إن كانوا صِيامًا. جعلوا من الضعفاء وجبة إفطار لهم، والضعيف هو من له حق في الحياة، ولا يصر على حقه أو يطالب قاتلاً أدمن أن يقتات وجعه ومعاناته.. تمرة القناص ضحيته، وإن كان الضحية جائعًا يتأهب للإفطار مع زوجته وأطفاله.
قبل ثلاثة أعوام من اليوم، اعتاد سمير علي، خمسون عاماً، وهو عاقل عُقّال حي "الروضة" الخروج مشيًا على الأقدام في شوارع الحي، وحاراته، تُرافقه إنسانيته، وتفقده الدائم لأبناء حيه خصوصًا في ظل خطورة الوضع وتعرضهم للقنص المستمر.
عصر يوم العشرين من رمضان، يقابلها السابع من يونيو العام 2018م، كان الرجل يتحدث إلى ساكني "حارة الخضر"، يتساءل عن حال الضحايا الذين سقطوا في ذلك الشهر.. يتنقل بين منازلهم، يطرق باب بيت صديقه قائد، البالغ من العمر 55 عامًا.. يفتح أحد أولاد صديقه بوجه عابس.. العاقل، كيف حال والدك؟ يرد الصغير باكيًا: "توفي أمس الليل".. لم يتمالك السائل نفسه، يُبكي صديقه الذي رحل إثر طلقة قناص أصابته في الصدر، قبل يومين من وفاته.. نتيجة لا بد أنها تُثقل قلب الزائر بالوجع.. وكثيرة هي قصص الفقد في هذا الحي.. رجل مُسن، وشاب وطفل كانوا ضحايا آخرين، بحسب الأهالي.
كان الوقت قد تجاوز الخامسة عصرًا حين تَوَجّه سمير باحثًا بين زوايا البيوت عن أسرة فقيرة، ونازحة، تعيش ظروفًا وأيامًا قاسية.. يتقدم خُطاه، ويسابق الزمن، حاملًا في إحدى يديه بعض أشياء جادت بها نفسه، وفي الأخرى كرت سلة غذائية من أحد فاعلي الخير، يُريد تسليمها إلى تلك الأسرة المُحتاجة لكن قناصًا لم يرد له الوصول.
لم يكن يحمل ما يستدعي قنصه سوى عمله الإنساني.. عند مدخل حارة الخضر، وُجد الرجل ملقياً بعد أن أصابه القناص بطلقة اخترقت الوجه والرقبة معاً.. مدخلها في الثلث العلوي من الجانب الأيمن لتستقر في الداخل.. شباب المكان تجمعوا حوله، ورصاصات القناص لا تتوقف، فقد منع كل من حاول الاقتراب من الضحية.
يقول أحد الشباب الذين كانوا شهوداً على الحادثة: "مر العاقل من جوارنا، وما هي إلا أربع دقائق حتى سمعناه يصيح "اسعفونا".. اقتربنا عشان نسعفه، وما قدرنا نأخذه.. هذه الصعوبات التي نواجهها عند إسعاف ضحايا القنص".
قناص لم يهدأ، وصراخ الضحية يخفت بالتدريج، ونزيف دمه لا ينقطع.. الأمر الذي جعل المُسعفين أمام حل قاسٍ هو ربط إحدى قدمي الرجل وسحبه تجنبًا لخطر رصاصات القناص الطائشة.. لحظات صعبة مليئة بالخوف والرعب يعيشها الضحية ومن حوله.. يضيف الشاهد: "كنا مُجبرين على سحبه وإسعافه، خوفًا عليه من الوفاة، ورعبًا من القناص.. سحبناه وربطنا مكان الإصابة، ثم أسعفناه".
رغم إصابته الكبيرة إلا أنه نجا من الموت.. نُقل المُصاب إلى مُستشفى الصفوة حيث أجريت له عملية جراحية لاستخراج الرصاصة من الثلث الأخير من الفم، وخياطة اللسان، وتجبير الكسور، وفق التقارير الطبية.. آثار ذلك اليوم المشؤوم ما تزال بادية على وجه سمير رغم مرور ثلاث سنوات على الحادثة.. يوم كان فيه يتفقد حال غيره من الضحايا، ثم أصبح واحدًا منهم.
ضحية أخرى
طلقة في بطن طفل
لم تدرك والدة عبد الواحد نعيم، 12 عامًا، أن خروج ابنها لقضاء ساعة في اللعب برفقة أصدقائه، قد يعرض روحه للخطر في منطقة يحيطها القناص ببندقيته.. فبعد نصف ساعة من حادثة سمير، نزل الطفل إلى مكان يبعد قليلًا عن المكان المكشوف ليقطع الشارع المؤدي إلى الحارة المُجاورة، وما إن تقدم خطوتين حتى أصابته طلقة في أسفل البطن.
الشباب، المُسعفون، الصراخ والدماء، البحث من جديد عن دراجة نارية لإسعاف الضحية الثانية.. مشاهد مُحزنة عند كل حادثة.. أسعف الطفل على عجل إلى غرفة بجوار الضحية الأولى في مستشفى الصفوة.. وخضع الصغير لعملية إيقاف النزيف ثم الرقود لأيام.. مُلخص ما حدث للصغير.
قد يتساءل القارئ ما بال والدته، وما حجم فجيعتها لقنص ولدها؟ لا بد أن أحدًا جاء إليها مُسرعاً، يُخبرها بما جرى لصغيرها..
تروي الأم: "فجيعة لما تسمع أن ابنك قنص.. في تلك اليوم جاء ابن الجيران وقال لي "عبدالواحد قنص وأسعفوه إلى الصفوة".. تركت البيت وخرجت أجري.. وصلت المستشفى أصيح.. بقيت قلقة أنتظر خروج الدكتور من العملية.. بعد وقت طمأن قلبي أن طفلي سيتجاوز وسيتعافى".
ضحيتان في يوم واحد، وبنفس الحي.. نتيجة توحي بأن للميليشيا تاريخا طويلا في الجرم سيما القناصة الذين اتخذوا من القنص مهنة وهواية يتقنونها على رؤوس المدنيين في تعز.. المدينة التي لم يفلت فيها أصغر الأطفال سنًا من مرمى القنص.. يموتون بأعداد كبيرة، فضلًا عن تدمير الطفولة ذاتها.
حواجز وجدران!
أحمد.. ضحية خلف الحاجز
الحواجز الترابية، والجدران المرتفعة.. حلول اختارها المدنيون في مُعظم أحياء المدينة، وذلك لتغطية بعض المناطق المكشوفة للقناص، والفصل بين الجبهتين.. ففي السنوات الماضية كان حي المُوشكي يسمى بـ"منطقة الموت" ما إن يمر أحدهم إلا وسقط قنصًا.. هذا ما جعل الأهالي يجمعون على بناء جِدار عازل لحجب رؤية القناص.
يؤكد فهد غانم، أحد ساكني الحي: "بنينا الجدار من أجل حماية نسائنا وأطفالنا من قناص نوبة مُعسكر الأمن المركزي.. أصبحت الحارة آمنة بعكس الأيام التي مضت، كانوا يمطروا فوقنا بالقناصة، والشيكي، والفولكان.. أرعبوا الناس".
لكن تلك الحواجز لم تثنِ القاتل عن اختيار ضحاياه.. فبعد أيام قليلة من بنائه حصلت عملية قنص، وصفها الأهالي بالعجيبة.. أحمد بديع، 19 عامًا، بينما كان عائدًا إلى منزله اعترض القناص طريقه بطلقة اخترقت ساقه الأيمن بعد اختراقها ذلك الحاجز.
يشرح الطالب: "كنت أختبر في مدرسة الصديق، أول مادة من ثالث ثانوي.. عند عودتي وقفتُ مع صديقي أسفل زيد الموشكي، نؤشر لأي سيارة أو باص عشان ما يطلعوا منطقة القنص.. ثم دخلت حارتي، مريتُ بجوار الجدار وما شعرت إلا وقدنا بالأرض والدم يخرج من ساقي".. عمليتان جراحيتان للعظم والأعصاب في ساق أحمد، الطالب الذي خَسِر امتحاناته الثانوية وسنته الدراسية وكثيراً من المال، كما يقول.