القاضي العمراني في عيون الشعب اليمني الكبير.. وعين السلالية القزمة

  • الساحل الغربي، كتب/ محمد التميمي:
  • 12:47 2021/07/13

على مدى ثمانين عاماً قضاها فقيهاً مجتهداً وقاضياً ورِعاً وعلامة لا يبارى، رحل الاثنين 12 يوليو/ تموز 2021م "المفتي العَلَم" محمد بن إسماعيل العمراني صاحب الحضور العلمي والمعرفي، طود اليمن، وأحد جهابذة الفقه والإفتاء والعلم الشرعي.
 
رحل عالم اليمن الأجل، وإمامها الأكبر وفقيهها الجهبذ، الذي تتلمذ على يديه آلاف الطلبة وسمعه الملايين عبر الإذاعات والتلفزيونات، وأصبح مالئ الدنيا وشاغل الناس، على بساطته وفكاهته المعروفة عنه، وقربه من الناس وتقريبه للمفاهيم العميقة بلغة بسيطة يفهمها كل من يسمعه أو يشاهده، ما عدا مليشيا الحوثي السلالية التي لا ترى وتسمع وتفهم إلا بعين إيران وفكر الخميني، وترفض ما سوى ذلك.
 
توحد اليمنيون خلف العمراني وفي وفاته كان جامعا لهم أيضا
توحد اليمنيون خلف العمراني وفي وفاته كان جامعا لهم أيضا
 
وفي آخر وصاياه، أوصى الشيخ العمراني اليمنيين، أن يكونوا أحراراً وأن يتركوا الحزبية المقيتة وأن ينتصروا للحق ويهتمون بتحصيل العلوم وتربية أولادهم التربية الصحيحة وتعلمهم مكارم الأخلاق.
 
"خلاص روحوني بيتي" هذه العبارة قالها الشيخ العمراني لأولاده بألم وقهر بعد صعود أحد مليشيا الحوثي إلى منبره يخطب فيه يوم الجمعة في 2018م ويتهجم عليه بسبب عدم تأييده لجرائمهم بحق أبناء الشعب.
 
وبعد انقلاب المليشيا الحوثية على الشرعية وسيطرتها على مؤسسات الدولة، قال القاضي العمراني: "دخل الحوثي صنعاء بذنوبنا وسيخرج منها بذنوبه".
 
اقرأ أيضا :
 
وبعد انقلابها، عزلت مليشيا الحوثي السلالية، القاضي العمراني من منصبه كمفتٍ للجمهورية على مدى أربعة عقود، وعينت آخر من سلالتها، لشرعنة فسادها وجرائمها بحق اليمنيين.
 
مناشدة القاضي العمراني للصماد بالافراج عن مكتبته
مناشدة القاضي العمراني للصماد بالافراج عن مكتبته
 
فيما لا تزال مكتبته العامرة والأثيرة إلى قلبه منهوبة منذ 6 سنوات حين نزعت المليشيا كل أرففها، وأتلفت كل ما فيها، رغم مناشدته المتكررة لهم بالإفراج عنها.
 
الإجماع الشعبي على حول سيرة القاضي العمراني النظيفة تشكل اليوم في أزهى صوره، الحشود الغفيرة التي حضرت اليوم لتشييع جنازته، لم تشهدها العاصمة صنعاء منذ سنوات، فضلًا عن ذلك ما شهدته وسائل الإعلام المحلية والخارجية ووسائل التواصل الاجتماعي، من خلال التعازي والنعي من قبل القيادات السياسية والاجتماعية والثقافية، وقادة الرأي والناشطين في مختلف المجالات.
 
جنازة العلامة العمراني علامة فارقة في حياة صنعاء عبر سنوات
جنازة العلامة العمراني علامة فارقة في حياة صنعاء عبر سنوات
 
مليشيات الحقد السلالي
 
بالمقابل، لم تستطع المليشيا الحوثية كتم غيظها وحقدها على القاضي العمراني الذي رفض التبعية لها، فلم تتأخر في إظهار ذلك، حيث بدأت بقطع الطرقات داخل العاصمة صنعاء، لمنع الناس من التوافد للتشييع، لكنها عجزت أمام الزخم الكبير للجماهير المحتشدة، فلجأت إلى منع أهل العمراني ومحبيه عن دفنه، كما كانت وصيته، وأجبرتهم على دفنه في مقبرة الدفعي.
 
كما حاولت المليشيا الحوثية استفزاز كل مشاعر الشعب اليمني، من خلال التقليل من مكانة القاضي العمراني، عبر أبواقها وذبابها الإلكتروني، في حالة أشبه بالانتقام من الميت، وتمثل ذلك في منشور للقيادي السلالي عبد السلام المتوكل، على حسابه في "فيسبوك"، الذي انتقد فيه القاضي العمراني لعدم وقوفه مع المليشيا الحوثي، مقارنًا بينه وبين الهالك حسين الحوثي، وبين كتب الأول وملازم الأخير.
 
حملت الردود الشعواء حوثيين على حذف وتغيير منشوراتهم الطافحة بالحقد
حملت الردود الشعواء حوثيين على حذف وتغيير منشوراتهم الطافحة بالحقد
 
ولاقت منشورات وتغريدات المليشيا السلالية حول القاضي العمراني، والتي من بينها منشور المتوكل، ردود فعل ساخرة من عدد من السياسيين والكتاب والناشطين اليمنيين.
 
"مرض نفسي"
 
الكاتب السياسي اليمني الدكتور محمد جميح، على حسابه في الفيسبوك، وصف موقف المليشيا من الشيخ العمراني بالمرض النفسي، بقوله: "قد كان الكهنة السلاليون يتمنون رحيل الإمام العمراني كل يوم وكل ساعة، وكم مرةً أشاعوا موته قبل أن يموت، وهاهم اليوم يفضحون خبيئة نفوسهم المريضة تجاه ذلك "العَلَم" اليمني والعربي والإسلامي الكبير، ويحاولون التقليل من مكانته، لا لشيء إلا لأنه اعتزل فتنتهم التي أرادوه أن يشرعن لها، فيما ظل العلامة الكبير يرفض التبعية لهم، وهو الإمام المتبوع من قبل الملايين".
 
وتساءل جميح، كيف يجرؤ هؤلاء الحمقى على مقارنة رأس الفتنة حسين الحوثي برجل تعرفه محافل العلوم الشرعية كلها؟!
 
مردفًا "لقد ترك العمراني تراثاً فقهياً ومعرفياً وسيرة طيبة وآلاف الطلبة الذين علمهم المحبة والتسامح، فيما ترك الحوثي وراءه فتنة أكلت الأخضر واليابس".
 
وفسر جميح حقد المليشيا على القاضي العمراني بالقول: "يكره الكهنة السلاليون الإمام العمراني لأنه برز وهم لا يريدون لغيرهم أن يبرز، ولأنه بلغ مرتبة الاجتهاد الذي يرونه حكراً عليهم، ولأن الملايين يحبونه، فيما يرى الكهنة أن حبهم فقط فريضة من الله".
 
لف الحزن اليمن قاطبة لرحيل العلامة القاضي الذي شغل موقع الوسطية بامتياز
لف الحزن اليمن قاطبة لرحيل العلامة القاضي الذي شغل موقع الوسطية بامتياز
 
وفي مقارنة بين أعلام اليمن في التاريخ والحاضر، كتب جميح "أخيراً عرف العالم كله الفقيه والمفكر والمؤرخ واللغوي نشوان بن سعيد الحميري الذي تدرس كتبه في معظم جامعات العالم المهتمة بالدراسات العربية والإسلامية، في حين لا يعرف أحد من هو الكاهن المجرم عبدالله بن حمزة الذي كان يسعى للتقليل من قدر الحميري، والذي يتخذه الحوثيون اليوم قدوة لهم".
 
موضحًا "كما رحل ابن حمزة وبقي نشوان، فسيرحل هؤلاء الظلاميون ويبقى العمراني، ولن ينال هؤلاء الطارئون من قدر إمامنا العمراني إلا كما نال ابن حمزة من الحميري، وسيعيش العمراني بيننا مثل أعمدة عرش بلقيس وسد مأرب ومثل قصور صنعاء وشبام حضرموت، ومثل نشوان الحميري والحسن الهمداني".
 
ضمير اليمن الروحي
 
محمد دبوان المياحي وصف العمراني بضمير اليمن الرحي، وقال: كان العمراني في نظري، التجسيد الأمثل لكلمة الدين الجامعة، أعظم فقيه يمثل رمزًا للإجماع في بلد هويته الدينية متجانسة كثيرًا. خلال العقد الأخير، تشظت البلاد كثيرًا وتعرضت الهوية الدينية في المجتمع للإهتزاز، وظل العمراني مصدر الثبات الوحيد للناس في عالم يموج بالفوضى الروحية. 
 
مضيفا: رجل الدين الوحيد الذي تفتحت له قلوب الناس جميعًا، حتى البشر غير المتدينين، لا يحملون له ضغينة، ومستعدين لسماع ما يقول. استطاع العمراني أن يقدم الدين بطريقة متناغمة مع الحياة، بمعناه البسيط، كموعظة، كحكمة، كميراث روحي وكتشريع سلس ولا يتصادم مع مصالح البشر .
 
لم يكن العمراني، فقيهًا يمنيًا فحسب، أظنه واحدًا من أهم فقهاء الإسلام بشكل عام، ظل محصورًا في النطاق الداخلي بسبب غلبة الطابع المحلي على لهجته؛ لكنه بمعيار المعرفة متجاوزا لكثير من فقهاء عصره في كامل بلاد العرب والمسلمين..ذاكرة فقهية هائلة، ومجمع شامل لميراث الأمة.  بحسب المياحي.
 
نعي.. استفتاء
 
مجلي الصمصام، ناشط إعلامي، قال: أغاظهم وأزعجهم حب اليمنيين للعمراني وعلمه، يدركون أن علمه الباقي يهدد خرافتهم ويفت صنميتهم.. أما العمراني فلن تستطيعوا يا أقذر نبتة عرفها اليمن".
 
مضيفًا "لحسن الحظ، ولسوء طويتهم، لم يحضروا في جنازة الشيخ العمراني، ولم يعزّوا فيه ولو مجاملة، بل بدأ بعضهم يستنقص من قدر الشيخ، لكن سيول التشييع الجارفة على الواقع، والنعي غير المسبوق في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أسكتهم".
 
"هذا النعي المهيب هو استفتاء شعبي يبين مدى كره اليمنيين للفكر السلالي البغيض".
 
وعن الجموع الغفيرة التي حضرت تشييع القاضي العمراني، يقول الطبيب اليمني الدكتور علي ثابت: "أمثال الشيخ العمراني يستحق أن يخرج لتشييعه أهل اليمن قاطبةً، كيف لا وله عليهم دين في أعناقهم وله عليهم جميل لا بد أن يردوه".
 
يضيف ثابت: "إنما الشيء الجميل في الأمر أن ما دفع كل هذه الآلاف من البشر من الشعب اليمني المظلوم المقهور المؤمن الصابر المحاسب هو دافع الإيمان في قلوب اليمنيين وحبهم للسنة وحبهم لعلمائهم الربانيين، وأن الأمة لا تزال بخير، وأن ما يدفعهم هو فطرة الدين التي فطر الله الناس عليها".
 
وداعا .. مفتي اليمن وحبيب اليمنيين
 
هذا، وشيع اليمنيون، جثمان مفتي اليمن السابق القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني الذي توفي فجر الاثنين 12 يوليو/ تموز 2021م، في مدينة صنعاء عن عمر ناهز 99 عامًا.
 
 
ويعد العمراني أحد أبرز الشخصيات اليمنية التي شكلت حضورًا جامعًا، وأبرز علماء اليمن المعاصرين في العلوم الشرعية والفقهية.
 
ولد القاضي العمراني عام 1922 في صنعاء من أسرة علم مشهورة، ودفعت به والدته للدراسة بعد وفاة والده وهو في الرابعة من العمر.
 
تدرج في دراسته العلمية والفقهية ليبرز اسمه ضمن أكثر الشخصيات وسطية، واحتفاظا باحترام أتباع مختلف المذاهب في البلاد.
 
ويصفه علماء اليمن بالفقيه المحدث واللغوي المحقق وشيخ القضاة وإمام الدعاة.
 
ظل العمراني مرجعاً لمختلف شرائح المجتمع في مناقشة قضاياهم وإسداء النصائح والفتاوى المختلفة، وعُرف عند الناس بلقب مفتي الديار اليمنية رغم أنه لم يتول المنصب بشكل رسمي.
 
كما اشتغل القاضي العمراني بالتدريس في معهد القضاء العالي وجامعة الإيمان، وتقديم الدروس والفتاوى بمسجده في صنعاء أو عبر وسائل الإعلام منذ سبعينيات القرن الماضي.
 
وعلى المستوى الرسمي، شغل العمراني عدداً من المناصب الرسمية كرئاسة مكتب رفع المظالم إلى رئيس الجمهورية، وتم تعيينه في لجنة تقنين الشريعة الإسلامية في البرلمان بالشطر الشمالي لليمن خلال مرحلة ما قبل الوحدة.
 
ابتعد عن الجدل السياسي خلال الفترات الماضية ووصف نفسه بالمحايد، ونصح الشباب في آخر تسجيل مصور له أن يكونوا أحراراً، وأن يبتعدوا عن التعصب بكل أشكاله.
 
وفي 25 يونيو/حزيران الماضي، نُقل العمراني إلى أحد المستشفيات في صنعاء، إثر وعكة صحية لم يتم الإعلان عن طبيعتها، قبل أن يغادر المستشفى ويعود إلى منزله في اليوم التالي.
 
ويرى محبوه أن العالم الإسلامي خسر بوفاته محققاً علمياً وفقيهاً مجتهداً، وفقد اليمن أشهر علمائه ممن ذاع صيتهم وانتشر علمهم في أرجاء العالم.

ذات صلة